كغيرى من المصريين فزعت من ذلك النص غير المنطقى وغير المعقول، فى القرار الرئاسى الخاص بالانتخابات الرئاسية، الذى يعاقب المرشح إذا حصل على تمويل غير مشروع بمجرد الغرامة، تماماً كعقوبة كسر إشارة المرور أو عدم ربط الحزام. وكغيرى من المصريين تخيلت التداعيات سواء فى الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية. المرشح يحصل على ملايين من أعداء الوطن، والغرامة يدفعها الممول أمريكيا كان أو إيرانيا أو قطريا أو حتى إسرائيليا، فالجميع ضدنا والجميع يستفيدون من النص الملغوم، وتتدفق مليارات ويترشح للبرلمان مثلاً إخوان ومتأخونون ومرتزقة وسماسرة انتخابات، ويأتى الرئيس ليواجه برلماناً ملغوماً بعملاء الأعداء وهم يمتلكون سلطة أعلى من سلطة الرئيس فيعرقلون مسيرته ويبددون آمالنا، ويستعدون ثورة جياع تدمرنا
. ودفعنى الفزع إلى التفكير فى تاريخنا بحثاً عن ثقب إبرة قد يكون بعضاً من مخرج. وفى الزمن المملوكى كانت عقوبة التجريس، والكلمة مستوحاة من الجرس، وعقاب التجريس أن يركب المذنب حماراً بالمقلوب، ويعلق فى عنقه جرس صغير يسمى جلجل وجرس كبير، ويمضى الموكب، والمذنب بالمقلوب، والجلجل يرن مع كل اهتزاز يتقن «المكارى» [سائق الحمار] افتعاله. المقدم يمسك بعصا غليظة ويخبط الجرس فيتعالى رنينه ليستعدى أولاد الحارات، ويتقدم الموكب المنادى بطبلته صارخاً هذا جزاء من فعل كذا. وتمادت عقوبة التجريس لتصل إلى القانون الحديث فى قضايا الغش وكانت صحف أربعينيات القرن الماضى مليئة بالتجريس «حكمت محكمة جنح كذا بمعاقبة فلان بالحبس شهراً وغرامة عشرة جنيهات وألزمته بالنشر على نفقته فى صحيفتين يوميتين، وذلك لبيعه لبناً مغشوشاً». أما فى زماننا الحديث فالعقاب أيسر من غش اللبن حتى ولو كانت المتهمة بائعة لبن.
فنحن نسمح لأحد المرشحين المرتزقة بأن يتمول من الأعداء بملايين أو أكثر لينجح فيكون جزءاً من كمين يعد للرئيس القادم. ويعاقب سراً بالغرامة ويدفعها سراً وينجح. وإذا كان الجهابذة قد فرضوا على من يتسول ملايين من الأعداء عقوبة أقل من عقوبة فلاحة مسكينة أضافت «كوز» إلى قسط اللبن، فهل لنا أن نستأذنهم، وبعد أن وقعت الفأس فى الرأس بسبب عبقريتهم الملغومة، فى أن تمارس لجنة الإشراف على الانتخابات الرئاسية ثم لجنة الانتخابات البرلمانية تجريس كل من تمول من الخارج، وأعتقد أن هذا من حقها تماماً فتنشر فى جريدتين يوميتين اسم الذى تمول،