بقلم: ميرفت عياد
يُعد العقاد من أهم -إن لم يكن أهم- الأدباء المصريين في العصر الحديث، فقد اجتمع له ما لم يجتمع لغيره من المواهب والملَكَات، فهو كاتب كبير، وشاعر لامع، وناقد بصير، ومؤرخ حصيف، ولغوي بصير، وسياسي حاذق، وصحفي نابه.
أشرقت الشمس الحارقة لمحافظة أسوان يوم الثامن والعشرون من شهر يونية من عام 1889 على ميلاد عباس محمود العقاد، وبسبب إيمان والده بأهمية التعليم والعلم ألحقه بالمدرسة الابتدائية التي قضى فيها أربع سنوات فقط، وكانت تلك السنوات هي ختام دراسته التعليمية وبداية رحلته الطويلة من التثقيف الذاتي. خاصة بعد ان استقال من وظيفته الحكومية وتفرغ الى موهبته الأدبية، وبدأ بالكتابة في الصحافة مدافعًا عن الديمقراطية، ثم عمل محررًا في جريدتي "الدستور" و"البيان" وقام أيضًا بكتابة مقالات نقدية إلى جريدة "عكاظ".
مدرسة الديوان.. والتجديد في الشعر
ألّف العقاد أكثر من 102 كتابًا، تغطى قضايا فكرية وأدبية، وأثناء الفترة من 1916 وحتى 1958 قام بتأليف 11 جزءًا من الشعر، حيث يعتبر أحد رواد الإبداع الشعري الذين يؤمنون بأن الشاعر لا بد أن يظهر خصائصه الفردية. وإيمانًا بهذا أسس بالتعاون مع ابراهيم المازنى "مدرسة الديوان" حيث كانت هذه المدرسة من أنصار التجديد في الشعر والخروج به عن القالب التقليدي العتيق.
وبرغم موهبة العقاد الأدبية وغزارة انتاجه الشعري إلا أنه لم يقم بتأليف غير رواية واحده تسمى "سارة"، وفيها يحكي العقاد تجربته الشخصية في حياته مع المرأة الوحيدة التي أحبها، كما كان يقدر المرأة كثيرًا ويحترمها فكتب ثلاثة كتب دعا فيهما إلى المشاركة الكاملة للمرأة في المجتمع. وهكذا الحال بالنسبة إلى القصص فلم يكتب غير قصه وحيدة لفيلم "أغنية القلب" عام 1931، وبسبب ايمان العقاد بأن الزعماء والمفكرين هم الذين يصنعون حضارة الشعوب قام بكتابة 15 سيرة ذاتية عن شخصيات بارزة كثيرة مثل الزعيم المصري سعد زغلول والفيلسوف العربي ابن رشد وبنيامين فرانكلين وفرانسيس باكون وآخرون موضحًا في كتاباته أسباب عظمة هؤلاء الشخصيات. كما قام في عام 1954 بترجمة الكثير من روائع الأدب العالمي في جزئين وخصص إحداهما إلى القصص القصيرة الأمريكية.
فلسفته مبنية على العقل والروح
اتسم العقاد كفيلسوف بعدم التأثر بأي اتجاه، فكانت فلسفته الفردية تقوم على العقل وبتناسق كامل مع الوعي الروحي والشعور، فكان يؤمن بحرية النقد الأدبي فألف 11 جزءًا في هذا المجال منهم "مقدمة إلى شكسبير" في عام 1958.
في عام 1940 تم اختياره كعضو في مجمع اللغة العربية، وأصبح أيضًا عضوًا في المجلس الأعلى للأدب والفنون في عام 1956، وتقديرًا لإسهاماته الأدبية، مُنح العقاد جائزة الدولة التقديرية في عام 1960.
وكتب العقاد عشرات الكتب في موضوعات مختلفة، فكتب في الأدب والتاريخ والاجتماع مثل مطالعات في الكتب والحياة، ومراجعات في الأدب والفنون، وأشتات مجتمعة في اللغة والأدب، وساعات بين الكتب، وعقائد المفكرين في القرن العشرين، وجحا الضاحك المضحك، وبين الكتب والناس، والفصول، واليد القوية في مصر.
كتب العقاد في السياسة عدة كتب يأتي في مقدمتها: "الحكم المطلق في القرن العشرين"، و"هتلر في الميزان"، وأفيون الشعوب"، و"فلاسفة الحكم في العصر الحديث"، و"الشيوعية والإسلام"، و"النازية والأديان"، و"لا شيوعية ولا استعمار".
كما وضع في الدراسات النقدية واللغوية مؤلفات كثيرة، أشهرها كتاب "الديوان في النقد والأدب" بالاشتراك مع المازني، وأصبح اسم الكتاب عنوانًا على مدرسة شعرية عُرفت بمدرسة الديوان، وكتاب "ابن الرومي حياته من شعره"، وشعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي، ورجعة أبي العلاء، وأبو نواس الحسن بن هانئ، واللغة الشاعرية، والتعريف بشكسبير.
وفي 12 مارس 1964 رحلت شمس الصحافة والفكر والأدب والشعر، رحل المفكر المصري البارز عباس محمود العقاد عن عالمنا.