بقلم يوسف سيدهم
ناولت الأسبوع الماضي في هذا المكان الفتوي الصادرة عن إدارة الأزهر بشأن ترسيخ حقوق المسيحيين في العبادة وحماية كنائسهم القائمة وإتاحة تدعيمها وإعادة بنائها إذا استلزم الأمر ذلك,وكانت الفتوي واضحة في عدم إجازة التعرض للكنائس بالمنع أو بالاعتداء أو بالهدم...
استعرضت كل ذلك وخلصت إلي أن السماحة التي عكستها الفتوي حازت مني تقديرا وعرفانا كبيرين لكني لا أزال متمسكا بحقوق المواطنة التي يرسخها الدستور والقانون والتي يجب أن تضمن ذات المعايير التي انطوت عليها الفتوي,ذلك لأن الواقع المعاش والذي يعاني منه الأقباط منذ زمن طويل لايتفق مع روح الفتوي,ويستمر يتسلط علي كنائسهم بالمنع حينا وبالاعتداء حينا آخر دون تدخل من السلطة الدينية الإسلامية أو من السلطة المدنية علي السواء...أي أننا نسعد بصدور الفتاوي السمحاء لكن لا نري لها أي صدي علي الواقع المعاش!!
وتزامن مع مقال الأسبوع الماضي مانشرتهوطني حول ملفتعاقب الأنظمة...وأوجاع المسيحيين مستمرة وهو ملف سيجري عرض محتوياته علي حلقات,وكانت الحلقة الأولي منه بعنوانالمتشددون يغلقون الكنائس والحكومة عاجزة...وزخرت تلك الحلقة بالأدلة الحية علي حالات بعينها من الكنائس المنتشرة عبر محافظات مصر والتي تم غلقها بواسطة السلطة الأمنية عقب تحرش العناصر المتطرفة بها-وكلها عناصر تدعي انتماءها للدين الإسلامي- واعتراضها علي وجود كنيسة في مدينتهم أو قريتهم,فما كان من السلطة إلا أن انحازت لهم وقامت بإغلاق الكنيسة ومنع الصلاة فيها بمقولة إ إن استمرار فتحها للصلاة يهدد السلام الاجتماعي والأمن والاستقرار في الناحية!!!...وسواء كانت السلطة التي أغلقت الكنيسة راضية عن ذلك أو مستسلمة صاغرة لضغوط المتشددين فالنتيجة واحدة في الحالتين,أنها قدمت هدية للتطرف وطعنت حقوق المواطنة في الصميم واستمرأت أن تبقي علي إغلاق الكنيسة إلي أجل غير مسمي...وأعود وأتساءل:ماجدوي الفتاوي السمحاء الصادرة عن الأزهر إذا كانت تظل أسيرة الورق الذي كتبت عليه ولم تر طريقها إلي التنفيذ والتفعيل؟!!
الحقيقة المغلقة التي تطفو علي السطح ونحن نفتح ملف استمرار أوجاع الأقباط أنه منذ قيام ثورة25يناير 2011 والأقباط يتطلعون إلي الخروج من نفق الهموم الذي أسروا فيه طويلا...شاركوا بإخلاص وفاعلية في الثورة وقدموا الصالح الوطني علي مطالبهم كأقباط,واثقين أنه بعد نجاح الثورة حتما سيأتي الإصلاح التشريعي والإنصاف لهم,لكن للأسف تم وأد آمالهم مع اختطاف الثورة وانزلاق مصر في سطوة وحكم جماعة الإخوان المسلمين حتي تم الخلاص منها في ثورة30يونية العام الماضي,فعاد الأمل يشرق أنه مع إنقاذ مصر سيأتي الفرج للأقباط من أوجاعهم ومتاعبهم وهمومهم.
الآن مصر لها دستور عظيم ومشرف تنص في مادته الأولي علي أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها جمهوري ديمقراطي يقوم علي أساس المواطنة وسيادة القانون,كما ينص المادة(235) منه علي أن يصدر مجلس النواب في أول دور انعقاد له بعد العمل بالدستور قانونا لتنظيم بناء وترميم الكنائس بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية.
لكن للأسف الشديد لم يتغير واقع كنائس الأقباط حتي اليوم بالرغم من كل ذلك,وكأن السلطة بجميع مستوياتها تقف عاجزة في انتظار التشريعات التي سيصدرها البرلمان, بينما لايجب أن يفوت السلطة أن الإجماع الشعبي الذي ثبت في صياغة الدستور وفي إقراره هو سلاحها الأقوي الواجب أن تستخدمه ولا تنتظر التشريعات البرلمانية,فالتشريعات المنتظرة ستعني ببناء الكنائس وترميمها,لكن ماذا عن مناخ التعصب والتشدد السائد والذي يفرض وصايته علي الكنائس؟...وماذا عن رضوخ السلطة ذاتها له وقيامها بغلق الكنائس القائمة لإرضائه؟...أليس في ذلك خرق للدستور وطعن لما ينص عليه من كفالة حرية العبادة وحماية دور العبادة؟...أليس في ذلك إعلاء لروح التعصب والتشدد علي روح السماحة الصادرة عن الأزهر؟...أليس في ذلك منتهي الضعف من جانب الدولة تصدره للمتطرفين فيزدادوا قوة وصلفا وتطرفا؟...وأخيرا أليس في ذلك إعادة للمواطنين الأقباط إلي النفق المظلم الكئيب الذي كانوا فيه وكأن ثورة30 يونية لم تقم ولا دستور2013 صدر؟...
إن أوجاع الأقباط لاتزال مستمرة...ولعل أكثرها إيلاما ليست بسبب المتشددين أو المتطرفين,بل بسبب عجز الدولة وضعفها وتقاعسها عن حمايتهم وترسيخ حقوق المواطنة...والكارثة أن ترسيخ حقوق المواطنة يجب أن يكون معاشا وطبقا بكل حزم وصرامة بينما تتركه الدولة رهينة استرضاء التطرف والإرهاب.