الأقباط متحدون - رَاهِبَةٌ عَلَىَ مَسْرَحِ الغِنَاءِ
أخر تحديث ٢٠:٠٠ | الخميس ٢٧ مارس ٢٠١٤ | برمهات ١٧٣٠ ش ١٨ | العدد ٣١٤١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

رَاهِبَةٌ عَلَىَ مَسْرَحِ الغِنَاءِ

بقلم : القمص أثناسيوس چورچ.

 

(رؤية تحليلية مجردة)
قامت راهبة كاثوليكية بالظهور في برنامج عالمي شهير اسمه The voice في مسابقة الأصوات .
نادت على الجمهور قائلة لهم : إن الله لا يأخذ منا ؛ لأنه لا يأخذ ما عندنا بل يعطينا أكثر ... وبكلمات قليلة أرسلت رسالة عطاء ومحبة وسخاء الله للعالم كله ، وهي بذلك تود أن تعلن للعالم أن الله يقدس المواهب ويُثرﻱ الطاقات ، إنه لا ينزعها أو يطفئها أو يمنعها عن أحد ، فحتى المكرسون للخدمة ؛ لا يُفقدهم التكريس مواهبهم الموهوبة لهم ، بل يقدسها (يُمَسْحِنُهَا) لتكون لحسابه ولمجد اسمه القدوس ، كي إن عاشوا له يعيشوا ؛ وإن ماتوا له يموتوا ، فإن عاشوا أو ماتوا فله؛ ولمجده المبارك يكونوا ؛  "ليس لنا ليس لنا ؛ بل لاسمك القدوس نعطي مجدًا".
غامرتْ هذه الراهبة بالغناء أمام أربع فرق غنائية عالية الشهرة والاحتراف ؛ إلا أنها بالرغم من ذلك أبهرتهم بصدقها وجسارتها واقتحامها لعالمهم .. فبكوا وانهمرت دموعهم ، ليس فقط من أجل حلاوة صوتها وموهبتها ؛ لكن من أجل نقاوتها ورداء نذرها الرهباني... حيث أنهم رأوا وجهها الملائكي وبساطتها وانطلاقها في حرية مجد أبناء الله ، الوجه والزﻱ الذﻱ لم يعهدوه في أوساطهم الصاخبة الصارخة ، كان لهم بمثابة بوق ومنبر كرازﻱ مثلما كان الأريوباغوس في زمن بولس رسول الأمم.
 
صرخ السامعون Devil in holy water ؛ وهو عنوان كتاب عن الثورة الفرنسية ، وكان صراخهم الفورﻱ والتلقائي نتاج شعورهم المباغت لبوق الكرازة، التي ارتأتها هذه الراهبة لتكرز بها ، وكأنها سامرية ومجدلية ومريم مصرية جديدة. أتت لتكلمهم بلُغتهم حيث هم وأينما كانوا ، وقد كانت استجابة الناس تلقائية ولسان حالهم هل هكذا الله جميلٌ ؟! ويحب الفن ؟! ولا يحتقر المواهب ؟! ولا ينبذ الأشرار والبعيدين ؟! بل ويأتي إلينا حيثما كنا... غمرتهم البهجة والانبهار بأن إله المكرسين لا يمنعهم من مخالطة الخليعين والمتفرنجين وأصحاب الذهنيات الأرستقراطية ؛ بل يأتي حتى إلى الراقصين والمغنيين ، صائرًا لهم كالباقين حتى أن عضو لجنة التحكيم قال للراهبة "لو أعلم أن في الكنيسة من هم بهذه العقلية ؛ ما تركتُها !! ". وقد ردت الراهبة جهاريًا وقالت (أنا هنا لأشهد لله).
 
لقد لاحظت أن هذه النفوس البعيدة  حائرة خائرة ، وقعت تحت الغواية وذهبت بعيدًا في الخواء ؛ لكنها عطشىَ وجوعىَ إلي المعنى وإلى ماء الراحة وخبز الحياة. إنها نفوس تنتظر الشبكة المطروحة ، والكرازة التي تخلص على كل حال قومًا... تحتاج إلى خطاب بشارة ؛ له أمثاله وحواراته وعظاته ومعجزاته التي تقدم إله العشارين والخطاة. 
 
بالتأكيد إن هذه ليست دعوة للجميع ؛ لكنها دعوة خاصة جدًا ، فالراهبة هذه لا بُد أن تكون خضعت للصلاة وطلب المشورة ؛ لأن الأمر لا يتعلق بها ؛ بل بالرهبنة والتكريس والكنيسة كلها ؛ إذ أن طرح الفكرة نفسها على مجمع الراهبات، ليس بالأمر السهل ولا المقبول من حيث الشكل (مشهد غريب وغير مألوف / دموع وانبهار / مشاعر روحية مختزنة / الفرح الغامر المطلق / حوار الراهبة ولجنة التحكيم كحوار بين الكنيسة والعالم / صدام الحضارات والأفكار / الصورة النمطية للرهبنة / الأحكام المسبقة / الحقيقة التي تتلون وتتغير وفقًا للرؤى وخلفيات  الثقافات / الكاريزما بين بركة الوقار ومظاهر الفن / هل هو اجتراء أم وسيلة مبتكرة تتحاور مع العقلية الغربية). فلا بد أن يفحص كل أمر بالإفراز والحكمة وروح الصلاة ؛ لأن المسألة تحتاج إلى إيضاح وحسم.
 
إننا في كنيستنا شاهدنا القديس يحنس القصير الذﻱ ذهب إلى بيت دعارة ليدعو بائيسة الخاطئة ، والقديس بيصاريون الذﻱ قدم خدمة هجومية صاروخية إلى معاقل الشر من أجل توبة تاييس ، كذلك مريم المصرية وزوسيما القس ، والقديس فليمون الزمار ، وبروفريوس الساحر ، وذلك الراهب الذﻱ كان يقدم استعراضات مستخدمًا قرد أمام أيقونة المسيح الملك. 
 
إن الملح والنور لا بد أن يواجها ميوعة أنصاف المتدينين والبعيدين ؛ ليرداهم إلى معرفة الله وعبادة الروح والحق ، فبالرغم من أن مواطني الملكوت في نظرهم ، محتقرون وموضع تهكم وسخرية وازدراء ؛ إلا أن رسالتهم ضرورة لازمة لسكان الأرض من المستهزئين والساخطين والمتمردين على كل ما هو إلهي.
الملح والنور يردَّان غضب الله ويشفيان عمىَ الجهالة وغطرسة العناد ، هما لازمان لحفظ العالم من الفساد ولتنوير العميان... يحفظان وينيران ؛ دون تعالٍ أو انعزال أو تمادٍ ؛ حتى لا يتحول الملح إلى ميوعة ؛ ويكون غير قادر على التأثير الصالح ، وحتى لا يصير خافتًا ضبابيًا ؛ بل مشعًا عاليًا مرتفعًا ؛ غير منحصر تحت مكيال.
 
الملح والنور يحفظان مذاقة هذه الحياة ومناخها من أعمال الفساد والظلام ، لدعوة الخطاة إلى التوبة... كعمل الطبيب المداوﻱ ؛ لا مَعَ الأصحاء بل مع المرضى... ومن هنا فالكنيسة ليست متحفًا للقديسين ؛ بل حظيرة ومستشفى وفُلك ومركب إنقاذ، حيث تُصلح النفوس بالملح ؛ وتعلمهم كيف يحاربون عن أنفسهم ؛ بعقار عدم الموت - "ترياق السموم عديم الفساد" - القادر على إيقاف ميكروب الفساد والظلام ؛ للإمساك بالحياة الأبدية . 
إننا مدعوون لإنارة العالم بمعرفة الخلاص وسط جيل معوج وملتوٍ ، وللإضاءة بينهم كأنوار في العالم... هذه هي رسالة الكنيسة ؛ ليست  رسالة علمية ولا اقتصادية ولا اجتماعية ولا أخلاقية ؛ بل رسالتها مختصة بحمل نور خلاص المسيح ؛ ونشر ملح نعمة البشارة المفرحة ؛ ونقلها كمركز لرصيد حياة التقوى في المسيح يسوع وحده ؛ الذﻱ ليس بأحد غيره الخلاص .
 
سروج على المنارة تضيء لجميع الذين في البيت ، منارتنا هي أعمالنا التي تتبعنا ، مضاءة بكلمات النعمة التي تبدد الإلحاد والفتور والجفاف والخلاعة وظلمة فساد العالم الخانقة.. نور للفجَّار والزناة والسكارىَ والبائسين... حيث يتراءىَ المسيح ويذاق مجده وطيبته وغفرانه وغناه الذﻱ لا يُستقصىَ.
إننا نور للعالم وملح للأرض كلها ؛ أﻱ أننا لا ننحصر داخل أنفسنا ، بل نخرج للحصاد ، وننقل البشارة لكل أحد ؛ لأن الضرورة موضوعة علينا ، وويل لنا إنْ كنا لا نبشر... بشارة مثمرة لها سلوك مشهود ، صارخة في البرية وحاضرة في العالم ، بتقديم الثمار وحياة التقوى ، والمبادرة  ناحية الخليقة كلها.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter