الخميس ٢٧ مارس ٢٠١٤ -
٢٨:
٠١ م +02:00 EET
كتب : د. جواد هاشم
وزير التخطيط العراقي الأسبق
قرأت قبل فترة مقالاً للدكتور عبدالخالق حسين بعنوان (ليكن الرئيس العراقي القادم مسيحياً). وفي الحقيقة كانت هذه الفكرة تدور في رأسي منذ مدة، وأنا أسأل نفسي، لماذا لا يكون رئيس الجمهورية من إحدى الأقليات، كأن يكون مسيحي، أو صابئي أو من أية أقلية أخرى. وبالمناسبة، هناك من يرفض إطلاق كلمة (أقلية) على المكون الذي ينتمي إليه ومهما كان صغيراً، خاصة إذا كانت هذه الأقليات من السكان الأصليين للبلاد. إلا إن هذا المصطلح وضعته الأمم المتحدة لأسباب قانونية من أجل الدفاع عن حقوق الأقليات وليس للتقليل من شأنها.
فأول وزير مالية في العراق كان حسقيل ساسون وهو يهودي، وأول رئيس لجامعة بغداد كان الدكتور عبدالجبار عبدالله، وهو صابئي مندائي، كما تم تنصيب مسيحيين وزراء في الحكومات السابقة والحالية. فهذه الأقليات هم أهل العراق الأصليون وبناة الحضارة الرافيدينية، سومر وأكد وبابل وآشور والكلدان ...الخ، الذين نعتز بهم اليوم لأنهم جعلوا العراق مهد الحضارة إنسانية.
وفي التاريخ المعاصر كان المسيحيون سباقين في نقل الحضارة الحديثة إلى العراق، ولهم مساهماتهم المشهودة في مختلف المجالات: الأكاديمية والعلمية والفنية والأدبية والصحفية،وغيرها، كما وكان لهم دورهم في الحركات السياسية، ودفعوا نصيبهم من الاضطهاد والمعاناة بسبب مواقفهم الوطنية من الأنظمة الجائرة.
فالعراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب واللغات، وبعد عشرات السنين من حكم الأنظمة الدكتاتورية الجائرة، واحتكار السلطة والمناصب العالية من قبل المكون الواحد والفكر الواحد، والحزب الواحد... فقد آن الأوان لتطبيق مبدأ دولة المواطنة قولاً وفعلاً، ولا فرق بين العراقيين في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص بسبب اللون والدين والمذهب أو القومية، وذلك بإنصاف الأقليات لتأخذ حقها في أعلى المناصب بما فيها منصب رئاسة الجمهورية.
لا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن العراق الديمقراطي بعد تخلصه من النظام الدكتاتوري عام 2003، هو أول دولة عربية وشرق أوسطية أختار رئيسها مواطناً كردياً، وهذه سابقة تاريخية جيدة تحسب للعراق. كما ويعتبر النظام العراقي الجديد أول دولة في المنطقة والعالم العربي والإسلامي خصص للمرأة كوتة لا تقل عن 25% من مقاعد البرلمان وعضوية مجلس الوزراء كحد أدنى ودون وضع حد أعلى.
لذا أرى أنه قد حان الوقت ليكون رئيس الجمهورية مسيحياً، على أن يليه في الدورات اللاحقة شخصية من الأقليات الأخرى. وفي هذه الحالة يكتسب العراق سمعة دولية جيدة وخاصة في الغرب الذي هو مسيحي بمعظمه، وبذلك يؤكد العراق أنه بلد ديمقراطي بحق ودولة المواطنة بحق.
قد يسأل سائل: ولماذا يكون مسيحي أو من أية أقلية أخرى، ولماذا لا نعتمد مبدأ الكفاءة في اختيار رئيس الجمهورية أو أي رئيس ومنصب آخر؟
الجواب هو: أننا نتمنى أن يأتي ذلك اليوم تكون فيه الأحزاب السياسية الكبرى وقد تخلصت من التخندق القومي والديني والطائفي ويمكن أن تحتل رئاستها شخصيات من الأقلية. ولكن لنكون واقعيين، فهذا اليوم مازال بعيداً في الظروف الراهنة، وعلينا أن نعمل بالممكن. وفيما يخص إعتماد الكفاءة، أقول إن الكفاءة ليست مقتصرة على مكونة دون غيرها، فلا بد من وجود شخصيات مرموقة تتمتع بكفاءات فذة في أي مكون، ومهما كانت نسبته صغيرة، مؤهل لمنصب رئاسة الجمهورية الذي هو منصب شرفي يمثل رمز الوحدة الوطنية ويقود الدولة في المناسبات التشريفية. ولذلك يمكن اختيار شخصية ذات كفاءة عالية وتاريخ مجيد من أية أقلية في كل مرة، ليصبح العراق نموذجاً لدولة المواطنة في المنطقة لا يميز بين مواطنيه في المناصب بسبب الانتماءات العرقية والدينية والمذهبية.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع