الأقباط متحدون - أسر ضباط الشرطة والجيش تعيش في رعب
أخر تحديث ١٠:٤٦ | الثلاثاء ٢٥ مارس ٢٠١٤ | برمهات ١٧٣٠ ش ١٦ | العدد ٣١٣٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أسر ضباط الشرطة والجيش تعيش في رعب

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

بعد فتوى"عبدالمقصود" بمهاجمة النساء والأطفال
شيء من الخوف.. لابد أن يتسرب إلي قلوب الآمنين في بيوتهم.. خوف يهز مهد الرضع.. يرجف قلب الأمهات..

ويخطف النوم من عين الصغير والكبير.. لكن «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا».. رسالة طمأنة - قد يعقلها - البعض ويتوكل علي الله.. ويبقي الآخرون في انتظار صرخة تشق سكون الليل.. أو حادث يهز كيان الأسرة.. ويهدم أركانها.
في إطار حرب لا تعرف «شرفاً ولا رحمة» تتوالي فتاوي إهدار دماء رجال الجيش والشرطة وحرق ممتلكاتهم بل ومهاجمة أسرهم وترويع النساء والأطفال «الكفرة» وتدمير وتفجير المدارس وهدم الفصول علي رؤوس التلاميذ الصغار.. إنها «شرعية» الدم التي تبيح كل ما هو محظور ومحرم.. من أجل السلطة.
رغم عقيدة «التضحية» والفناء من أجل حماية الوطن.. وتقديم الأرواح في سبيل أمن المواطنين.. ورغم إيمان راسخ بأن «كل شيء بيد الله» وأن كل سيلقي مصيره الذي لا مفر منه إلا أن «رحاب» زوجة عقيد الشرطة لا تستطيع أن تداري قلقها الزائد علي أطفالها الثلاثة وأعمارهم تتراوح بين 6 و12 سنة.. كل يوم تودعهم وتذهب إلي عملها وهي تقول «اللهم إني أودعتك ما أودعتني إياه أمانة ووديعة فرده إلي وقت حاجتي إليه».. قالتها وهي تبكي.. وأردفت: صحيح أن هؤلاء الغرباء عنا الذين يبيحون دماءنا، ويستهدفون أمن المجتمع كله حتي صار كل من يسير في شارع أو يركب مترو معُرضاً للانفجار في أي لحظة، إلا أننا كأسر ضباط نعيش في المخاوف أكثر من غيرنا، خاصة أن شخصاً لا تعرف هويته اسمه «عبدالمقصود» ما تعرفش إخواني ولا سلفي ولا ملته إيه؟
قال لتابعيه: احرقوا بيوت الضباط واقتلوا عيالهم وحريمهم.. وتساءلت: هل هذا يرضي الله؟.. لقد أودعت زوجي أمانة بين يدي الله وهذه رسالته وهو يعلم وأنا أيضاً نعلم أنه يحمل روحه علي كفه.. وأسهر الليالي انتظر خبراً سيئاً في أي لحظة.. لكن المشكلة الآن في أولادي أصبحوا غير آمنين، خاصة أن مدرستهم معظمها من أبناء ضباط الشرطة والجيش.
تدخلت جارتها في الحوار وقالت السيدة مني حسن: أنا لست زوجة ضابط ولكن جيراننا كلهم ضباط وأولادهم أصحاب أولادي وبيروحوا مدرسة واحدة.. وخايفين عليهم جداً، خاصة أن المدارس تفتقد لأي نوع من أنواع الأمن وسهل استهدافها وفكرنا أكثر من مرة عدم إرسالهم إلي المدرسة، خاصة في التيرم الثاني، ومع ظهور فتاوي استهداف أهالي الضباط، لكن أولادنا رفضوا.
«إحنا مش أقل من العساكر الغلابة اللي بيموتوا علشان يحمونا».. كلمات قالها «محمد» ابن العشر سنوات.. وأضاف في براءة: أنا أقدر أحمي نفسي كويس أنا بألعب كاراتيه.
«بابا قالي ماحدش بيموت إلا لما ينتهي أجله».. هكذا أقنعت إنجى 12 عاماً والدتها التي تعمل أستاذة بالجامعة، وقالت: بابا لواء شرطة في منصب مهم.. وقاللي الموت بيجي لأي حد والإرهاب عاوزنا نقعد في البيوت.

.. وقالت ماجدة
أكثر ما سمعته وهز مشاعري بشدة هي كلمات ماجدة «بوابة» لأحد العمارات وابنها الوحيد «علي» مجند حديث، قالت وهي تتحلي بشجاعة فريدة: الواد علي صغير لسه يا دوب 19 سنة «عريس» وقاللي يا أمه أنا مش مهم الموت زي زمايلي ويضربوا علينا نار، أنا خايف عليكي أنت.
ثم ضحكت الأم ضحكة بائسة وقالت: يعني هيجوا يحرقوا العشة ويموتوني؟
أكدت لي زوجة نقيب في القوات المسلحة أن الخوف من الموت ليس هو القضية، وقالت: زوجات رجال الجيش والشرطة أولادهن ليسوا أغلي من أي فرد، حياته معرضة للخطر في الشارع ونحن تزوجنا ونعلم جيداً أن حياتنا ستكون مختلفة فزوجي لا نراه مرة أو مرتين في الأسبوع وأحياناً يذهب لمأموريات لا نعلم عنه شيئاً لأسابيع وربما لشهر كامل وكل ما يقوله: «ادعولي وخلي بالك من العيال»، ومن وقتها وأنا أعد نفسي لاحتمال «شيل المسئولية منفردة» وأحاول ألا أصبح عبئاً عليه ويكفيه ما هو فيه وربنا يقدره ويقويه، لكني بصراحة أخاف بالليل وكثيراً ما أبات عند ماما لكن في أيام المدارس صعب أعمل كده لأن الأولاد مرتبطون بالدروس، فأتوكل علي الله ودائماً أنبههم لعدم التأخر وأحسب مواعيدهم بالدقيقة والثانية، وكثيراً ما أصطحبهم بسيارتي مما أثر علي عملي بشكل كبير واضطررت من بداية التيرم وتحديداً من ساعة الفتوي الغريبة بحرق بيوت الضباط ومهاجمتهم، وحصلت علي إجازة بدون مرتب لأنني أخاف أن يحدث لهم مكروه وأنا بعيدة عن البيت، خاصة أن ما بين مقر عملي والبيت مسافة قد تستغرق أكثر من ساعتين ذهاباً ومثلها إياباً، فلا أحب أن أتركهم، خاصة أن والدهم متغيب عن البيت طوال الوقت.
أما السيدة فاطمة نبيه، والدة ملازم أول بالشرطة، قالت لي: ابني خايف يتجوز وأنا عايشة في قلق باستمرار أنا ووالده، خاصة أنه لا يتصل بنا بالأيام.. وابن أختي وراني ع «الفيس بوك» أسماء ضباط نشرها «الإرهابيون» وجماعات غريبة تستحل قتل الضباط والعساكر «ربنا ينتقم من اللي بيدبح ويخرب في البلد»، ويحرق قلب كل أم علي ابنها.. وقالت: قلبي بيتقطع وأنا أري أمهات الشهداء يصرخن لوعة علي أبنائهن وفلذات أكبادهن لكن بصراحة فيه تقصير ومافيش تأمين كفاية لا للشرطة ولأهلها ولا في الشارع.
وأضافت: اللي عاوز يعمل حاجة هايعملها والحكومة مش عارفة تلم الإرهابيين وما شفناش واحد حكم عليه بالإعدام جزاء له علي القتل والحرق والذبح.. فهل هذا يرضي أحداً؟.. وكيف نطمئن وهم يتركون الإرهابيين يتظاهرون ويحرقون سيارات الشرطة ويقتلون العساكر، هل الدولة ضعيفة لتوقف كل هؤلاء عند حدهم؟
وتساءل الحاج إبراهيم علي، والد ضابط برتبة مقدم: كيف يتركون هذا الرجل الذي أصدر فتوي القتل والحرق.. لماذا لا يحاكمونه حتي يرتدع الآخرون؟

إجرام!
وكان شيخ سلفي هارب قد أفتي بحرق سيارات الشرطة ومهاجمة بيوت الضباط جيشاً وشرطة وترويع نسائهم وأطفالهم، لتضاف هذه الفتوي الغريبة التي ليس لها سند من دين أو أخلاق، إلي سلسلة الفتاوي المتطرفة والغريبة التي تصدر عن غير أهل العلم بهدف استحلال دم حماة الوطن وترويع أسرهم.
والغريب أنه بعد صدور تلك الفتوي بساعات قليلة قتل 6 من رجال الشرطة العسكرية بمسطرد، وفور صدور الفتوي المتطرفة سارعت رجالات الرئيس والأزهر ودار الإفتاء بالرد عليهم واستنكارها، كما استنكرها شيوخ السلفية، وقد رد المتحدث الإعلامي باسم الدعوة السلفية علي هذه الفتوي بأنها استهانة بالغة بالدماء دونما بيان الأصل الشرعي الذي يمكن أن يستهدف شخصاً لمجرد ارتدائه زي الشرطة.. وقال: إن شقيق «عبدالمقصود» الذي أصدر تلك الفتوي كان لواء شرطة، فهل كان يرضي أن يستهدفه أحد أو يستهدف منزل الأسرة والعائلة؟.. فاستهداف شخص في بيته لا يجوز إلا في حالة الحرب أو المعاهد الذي غدر، كما في قصة كعب بني الأشرف، ولا يجوز حتي في قتال الطائفة الممتنعة القتل غدراً.
وأوضح المهندس عبدالمنعم الشحات أن استهداف البيوت وفيها النساء والأطفال لا يجوز فقط حتي قتال الكفار.
وقال: هذه الفتاوي ترتد علي أصحابها فتؤخذ هذه الفتاوي وتخرج بها فتاوي أخري، وقد استنكرت الدعوة السلفية هذه الفتوي الغريبة.
وكانت دار الإفتاء قد سبق وحذرت من الفتاوي المتطرفة التي تبيح دماء رجال الأمن وتحرم الصلاة عليهم أو دفنهم في مقابر المسلمين، مؤكدة أن رجال الأمن يقومون بواجبهم في حماية الوطن واستقلاله واستقراره ضد القتلة والمجرمين والخارجين علي القانون، وأن من يقتل منهم وهو يدافع عن أمن الناس وحماية أرواحهم وممتلكاتهم فهو شهيد بإذن الله، وأن استباحة الدماء والأعراض إفساد في الأرض يهدم الشريعة الإسلامية من أساسها.
من جهته أكد الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق، أن صاحب هذه الفتوي مجرم.. وقال: إنها فتوي سامة وغريبة وصاحبها لم يقرأ في الدين الذي يمنع القتل.. فقد قال تعالي: «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق».. إذن فقد خرجت هذه الفتوي عن إطار الدين الإسلامي وكل الأيان السماوية وخرجت عن العقيدة وخالفت الكتاب والسنة والأعراف وينبغي مقاومتها بل ومقاومة الرجل ذاته، ولا يوجد دين سماوي أباح اقتحام البيوت وترويع أهلها والاعتداء عليهم، وما صدر عن هذا الرجل أو غيره «كلام مجرمين» وفاشلين وفاسدين لا يعرفون الدين ولم يتفهموا ذلك الدين «القيم» الذي يدعو إلي تنشئة المجتمع علي التواصل والعلاقات الطيبة.. وقد قال الله تعالي: «ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين»، وكل ذلك لا يصح ولا ينبغي في مجتمع فيه الأزهر الشريف، لأن هذا الجرم والقبح والفحش ينبغي مقاومته بكل السبل.

منزلة الشهداء
سألت العقيد محمد صوابي، المتحدث الرسمي باسم نادي الشرطة، عن الحالة التي يعيشها أسر الضباط بناء علي هذه الفتاوي، فرد بثقة بالغة: «إحنا متعودين علي كده ومش فارقه معانا وأسرنا عايشة معانا لحظة بلحظة والشرطة قدمت إلي الآن 430 شهيداً و12 ألف مصاب والشهادة لكل من يعمل لحماية هذا الوطن منزلة نتمني بلوغها وكل منا يأخذ احتياطاته والوزارة تقوم بواجبها في حدود الإمكانات المتاحة، لكن هناك بعض الضباط مستهدفون بالاسم، وهؤلاء لهم إجراءات محددة في الأمن والحماية، كذلك هناك تأمين مكثف للمنشآت».
وقال العقيد صوابي: أنا شخصياً مش فارقة معانا وكلنا ملاقي قدره ولا مهرب من ذلك، أما بالنسبة للأطفال فمنهم من لا يستوعب هذه الأمور، لكن الكبار يكون لديهم بعض القلق وأقول لأسرتي كل يوم: إذا لم أتحدث إليكم بعد السادسة لا تطلبوني في التليفون لأن ذلك سيؤثر علي عملي، وكل أسر الضباط تعودت علي مثل هذه الأمور، ونحن نربي أولادنا علي حب البلد والتضحية من أجل الوطن.

عقاب صارم
في رأي اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز مباحث أمن الدولة السابق، أن مثل فتاوي إباحة دم الضباط وذويهم وحرق ممتلكاتهم وترويع أهلهم إنما هي خطر لا يقتصر علي الضباط وأسرهم فقط وإنما يمتد إلي المجتمع ككل، فمجتمع الشرطة والجيش محدود قياساً إلي المجتمع كله، وهذا الإرهاب يهدد كل مواطن في المجتمع.. وقال: منذ 50 عاماً وأنا أطالب بضرورة تجريم مثل هذه الفتاوي وأطالب بتشريع يحد منها ويمنعها، خاصة أنه لا أساس لها من صحيح الإسلام وتهز أرجاء المجتمع كله، وليس مجتمع الشرطة أو الجيش فقط.
وواصل: الإرهابيون كفروا من قبل الحاكم والحكومة والآن يستبيحون دماء الجميع ما عدا من ينتمون إلي فصيلهم الفكري أو جماعتهم، لذا لابد من التصدي لكل هذه الفتاوي ومن يصدرها ويجب أن تستيقظ الحكومة لمثل هذه الأفكار ولا تترك المسألة لكل من هب ودهب، لكل من يفتي وكل من ليس له حق الفتوي، فالفتوي مصدرها الوحيد هو الأزهر الشريف، أو أي جهة مختصة رسمياً بذلك.

أغلي من حياتي
عندما سألت الدكتورة حنان الشاذلي، أستاذ الصحة النفسية، عن مدي ما يمكن أن تثيره هذه الأفكار والفتاوي المتطرفة، قالت: إن أول ما نزرعه في نفس أي طفل يحلم بأن يصبح في مجال الشرطة أو الجيش هو أن حياة الآخرين أهم كثيراً من حياتهم وكثير من الأسر تربي أبناءها علي ذلك، وفكرة أنني يمكن أن أخرج اليوم ولا أعود موجودة لدي هذه الأسر، وأعتقد أن لهذه التنشئة دخلاً كبيراً في فكر الشخصية المحترمة اجتماعياً، ولكن هنا ينبغي أن ننبه أيضاً إلي خطورة تعميم الأفكار السلبية، فليس كل من عارضني يستهدفني ويوضع في سلة واحدة مع الإرهابيين، لابد أن نفهم أبناءنا خطأ التعميم وإلا سنخلق فجوة كبيرة في المجتمع وتكبر الانقسامات والتحزب، لابد أن تصل المعلومات واضحة وأمينة بأن من يصدر مثل هذه الفتاوي متطرف أو مختل وليس كل من يعارضني يستهدفني ويريد قتلي.
وعن سبل الحد من الخوف لدي البعض ممن يتأثرون سلبياً بهذه الأفكار، قالت الدكتورة حنان الشاذلي: لابد أن نربي أبناءنا علي معان كبري وأن نزرع بداخلهم الإيمان بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وأن الإنسان يلاقي قدره المقدر له أينما كان وبالطريقة التي كتبها الله له.. وإلا لو خفنا وتوحدنا مع حالة الخوف مع حالات مماثلة سنصاب بالشلل ولا نخرج من بيوتنا إذا قيل إنها مستهدفة ولا إلي مدارسنا، إذا كانت كذلك، فهناك في علم النفس ما يسمي بـ «الضحايا المباشرين والضحايا الثانويين» الذين يتأثرون تماماً كلما تأثر المتعرضون للأذي المباشر، لمجرد أن حالاتهم مماثلة، وهنا لابد للأم أن تبث رسائل الطمأنة لدي الصغار بشكل خاص مع أخذ الاحتياطات طبعاً، حتي لا تصل حالة الخوف إلي شكل مرضي يعوق ممارسة الحياة العادية، والأهم من ذلك أن نحارب الإرهاب من الجذور بدءاً من التطرف في الأفكار ونربي أبناءنا علي الاعتدال الفكري وحب الوطن والتآخي، فمحاربة الإرهاب تبدأ من تعليم الصغار سواء في المدارس أو الأسرة.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.