تناقلت وسائل الإعلام تصريحاً لوزير التعليم، د. محمود أبوالنصر، يُنذر فيه بالفصل لواضعى امتحانات الثانوية العامة، إذا تم إقحامهم السياسة والدين فى الأسئلة.
وحسناً فعل وزير التعليم. ولكن الأهم هو ما يتم ضخه فى عقول التلاميذ طوال العام الدراسى، فكما نقول فى علم الاجتماع التربوى، إن المدرسة هى تلميذ، ومُعلم، وكتاب، ورفاق. وما الامتحانات فى نهاية العام الدراسى إلا نشاط واحد فى يوم واحد أو يومين، فى مواد اللغة العربية والدين والمواد الاجتماعية، أى التاريخ والجغرافيا، والتربية الوطنية، وربما الفلسفة وعلم الاجتماع.
وقد شهدنا فى السنوات الأخيرة طُلاباً (ذكوراً) وطالبات (إناث) مُراهقين ومُراهقات، أى بين العاشرة والثامنة عشرة، وقد كشفوا صراحة عن انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين. وإمعاناً منهم فى تأكيد هذا الانتماء، فقد حرصوا على تبنى شعار مسجد رابعة العدوية، الذى شهد اعتصام المئات من الإخوان المسلمين فى صيف ٢٠١٣، واستمر قرابة الأربعين يوماً. ولم يتم فضه إلا بالقوة. وسقط فيه المئات من المُعتصمين والعشرات من أفراد الشُرطة. وصوّر زُعماء الجماعة واقعة رابعة العدوية بالغزوات النبوية والجهاد فى سبيل الله. كما شهدنا فتيات فى عُمر الزهور، اعتصمن بدورهن فى جامعة الإسكندرية لعدة أسابيع. إن استماتة المُعتصمين فى ميدان مسجد رابعة العدوية، وميدان النهضة أمام جامعة القاهرة، وكذا فتيات الإسكندرية، لم يكن ليحدث لولا غسيل المُخ الذى تعرض له شباب وشابات جماعة الإخوان المسلمين. وهو ما يتم التمهيد له فى مراحل التنشئة الاجتماعية المُبكرة، فى الأسرة، أو فى المدرسة.
وهو يتم فى الأسرة عادة، إذا كان أحد الوالدين، أو كلاهما من المُنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين. ويتم فى المدرسة بواسطة مُعلمين ينتمون إلى الجماعة.
ولقد كان مؤسس الجماعة نفسه، وهو حسن عبد الرحمن البنا مُعلماً للغة العربية، وقد درس أصول وقواعد التربية فى كلية دار العلوم. ويؤكد الذين أرّخوا لمسيرة الجماعة، أن معظم أعضاء الرعيل الأول للجماعة كانوا من مُعلمى المرحلتين الابتدائية والثانوية، فى أواخر عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين.
وقد لمست هذا الحِرص الإخوانى على التمركز فى المدارس وفى مؤسسات التعليم عموماً، أثناء دراساتى للتيارات الإسلامية فى سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، فقد لاحظت أن نسبة كبيرة منهم بدأوا مسيرتهم التعليمية فى كليات عملية مُتميزة، مثل الطب والهندسة والصيدلة. ثم تأتى لهم الأوامر، إما بتغيير المسار الدراسى إلى كُليات التربية والمُعلمين. أو حتى إذا تخرجوا من الكليات العملية المتميزة، فإنهم يعودون للالتحاق بكليات التربية، ليحصلوا على مؤهل تربوى، يُمكّنهم من التقدم لوظائف مُعلمين، رغم أنها أدنى قليلاً فى نظر المجتمع من المهن الطبية والهندسية والصيدلانية. ولكن منهج السمع والطاعة الذى نشأ عليه أعضاء الجماعة هو الذى يجعلهم يمتثلون.
ولأن الإخوان أخذوا هذا المنحى المهنى مُبكراً، فإنهم بحكم الأقدمية الوظيفية وصلوا إلى مواقع حاكمة فى المؤسسة التعليمية، بما فى ذلك لجان وضع المناهج، وتأليف الكُتب المدرسية. وقد تنبهنا فى مركز ابن خلدون لهذه الحقيقة فى دراساتنا عن جذور التطرف، منذ ثلاثين عاماً. وتحديداً، خلال تولى كل من الدكتور أحمد فتحى سرور، ثم الدكتور حسين كامل بهاء الدين، منصب وزير التربية والتعليم. وللعدالة والإنصاف، حينما أطلع الوزيران على تلك الدراسات، أمرا بتنقية المناهج من كل ما يحض على كراهية «الآخر»، المُختلف نوعاً، أو ديناً، أو مذهباً، أو عِرقاً.
وفى نهاية المطاف، طلب د. حسين كامل بهاء الدين من مركز ابن خلدون أن يقوم هو بإعداد مناهج بديلة. وهو ما قمنا به على امتداد سنة كاملة، وبالاعتماد على كتيبة من التربويين المُستنيرين قوامها مائة أستاذ، منهم د. كمال مُغيث، ود. أحمد صُبحى منصور.
وتزامن ذلك مع بداية دخول عدد من الإخوان المسلمين، مجلس الشعب، فى ثمانينيات القرن الماضى، منهم د. محمد مُرسى، ود. عصام العريان، فشنوا حملة شعواء على الوزير فى مجلس الشعب، وفى الإعلام. وهو ما دفع الرئيس محمد حسنى مبارك فى ذلك الوقت إلى أن يطلب من د. حسين كامل بهاء الدين، أن يصرف النظر عن المشروع، وأن يتبرأ من العلاقة بمركز ابن خلدون. واتصل بى الرجل (د. حسين كامل بهاء الدين) وأعدنى نفسياً لما سيضطر أن يقوله فى مجلس الشعب، بناء على أوامر الرئيس مبارك. وطبعاً التمست للرجل هذا العُذر، وقبلت نفيه وتبرؤه من علاقتنا.
تذكرت هذا كله حينما تبرأ مكتب الشيخة موزة، والدة حاكم قطر، من طلب كان قد صدر منها بالفعل، وإلا ما هو الذى تحدثت معى فيه. ومرة أخرى، فإن البيّنة على من يدعون.
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
المصرى اليوم