لن ينسي المصريون يوم 19 مارس 2011 ، يوم الإرادة الشعبية، وهو "حدث تاريخي" بكل معني الكلمة. والحدث التاريخي – كما يقول (جاك دريدا) ليس حدثا وحسب، بل هو اللحظة التي تصدع الزمان وتفتح الباب أمام أحداث أخري قادمة لا يمكننا توقعها أو التنبؤ بها أو تعريفها. لأول مرة توضع الإرادة الشعبية للمصريين في قلب المعادلة السياسية، بعد أن أقصيت في مختلف العهود والانظمة السابقة، ناهيك عن تزييفها وتزويرها بنسبة 99.9% .
فقد مارس المصريون في ذلك اليوم قبل ثلاث سنوات، حقهم – لأول مرة - في الاقتراع علي التعديلات الدستورية (العسكرية – الإخوانية)، التي أجرتها لجنة برئاسة المستشار طارق البشري، وجاءت نتيجة الاستفتاء (مخيبة لآمال معظم المصريين) وصدمة بكل المقاييس وانتكاسة لثورة 25 يناير 2011، أو قل (بداية النهاية) .. ويا فرحة ما تمت!
لماذا؟
في أعقاب إعلان نتائج انتخابات 19 مارس (77% لصالح التعديلات مقابل 23% ضدها) – والتي صبت في صالح جماعة الإخوان المسلمين المنظمة جيدا وجاءت بالرئيس المعزول محمد مرسي عام 2012– كتبت " ريفا بهالا " مديرة الأبحاث في مؤسسة سترانفور الأمريكية المتخصصة في الاستخبارات وتحليل الأوضاع في الشرق الأوسط: " ان ما حدث في مصر عملية مدروسة نفذها العسكريون بعناية لنقل السلطة، واستغلوا مظاهرات الشباب لاجبار مبارك علي الرحيل، وهي حالة فريدة تطابقت فيها المصالح الاستراتيجية لكل من العسكريين والولايات المتحدة وإسرائيل، والكل سعي للمحافظة علي النظام المصري وسياسته الحالية". علينا أن نعترف – بصراحة وأمانة – بأننا لا نملك حتي الآن "مراكز تفكير" حقيقية، ولا توجد لدينا (خلايا أزمات) قادرة علي مواكبة التحولات السياسية في مصر والمنطقة والعالم، لكننا نمتلك – من حسن الحظ – ذكاء شعبيا فطريا (وخفة دم) لا مثيل لها، من أطرف التعليقات المتداولة علي شبكات التواصل الاجتماعي (ولا أعرف مصدرها): أن مصر تعرضت لأكبر عملية (غسيل سياسي) في تاريخها الحديث، وهي ضربة معلم لعصفورين بحجر واحد (مبارك والإخوان) أو قل (حرق) الجزء الهش من نظام مبارك: الحزب الوطني ورجال أعمال جمال مبارك، و(المعارضة الصلبة) لهذا النظام جماعة الإخوان المسلمين (فزاعته أمام العالم وأقوي مقوم لوجوده واستمراره).
يؤيد هذا الطرح ما قاله المحلل السياسي "أليكسي تشيسناكوف" في حواره لصحيفة "روسيسكايا غازيتا" الروسية: إن الأحداث في المنطقة العربية تختلف عما يعرف بـ"الثورات الملونة" في أوروبا في التسعينيات من القرن الماضي. ذلك أن المعارضات العربية، تهدف إلي التخلص من الماضي، وليس إلي بناء المستقبل، لذلك هي أقرب في تفكيرها إلي ابن لادن أو مبارك أو القذافي، منها إلي الشباب الذين يأتون بها إلي السلطة"
. وهو ما تدركه المؤسسة العسكرية جيدا ووظفته بمهارة، وكأن ما حدث عبر ثلاث سنوات ليس (تغييرا لنظام الحكم) وإنما هو ثورة بين فريقين كلاهما ينتمي إلي نفس النظام، حيث تم استخدام الجميع: بدءا من الشباب الطاهر الثائر، إلي جماعة الإخوان المسلمين (المنظمة والمحكنة) وكافة فصائل الإسلام السياسي (بأطماعها في الحكم بإسم الدين)، ناهيك عن القوي المدنية (غير المؤثرة في الشارع) والتي لا تظهر إلا إذا وقفت علي أكتاف العسكر، لنحقيق هدف واحد (استعادة الحكم من مبارك وإبنه) أو نقل السلطة إلي المؤسسة العسكرية مرة أخري، كما قالت " ريفا بهالا ". مشكلة المشاكل هنا – والتي ستظل لفترة – هي جماعة الإخوان المسلمين التي تم التلاعب بها (بمزاجها ورغبتها)، كيف سيتم التخلص منها؟ وهل سيتم دمجها في العادلة من جديد (وتعود ريما لعادتها القديمة).. أتصور أن المسألة أكبر من العقل الذي خطط ودبر لكل ما حدث ويحدث وسوف يحدث، وهو ما يظهر جليا في حالة الارتباك الشديد والتخبط والتضارب في سياسة من يحكمون الآن.
ويبدو أن حسم ما يجري من (فوضي) علي أرض مصر، لن يكون سريعا أو بأسلوب تفكير هذا (العقل) التقليدي الذي أغرق البلد في دوامة من الأزمات المتراكمة أدت إلي إنسداد الأفق السياسي بالضبة والمفتاح! هل يكفي إعلان المملكة العربية السعودية جماعة الإخوان المسلمين (جماعة إرهابية) ومساندتها للجيش المصري؟ هل ستؤدي الضغوط العربية والخليجية علي دويلة قطر إلي التخلي عن استضافة وتمويل أقطاب هذه الجماعة؟ هل سيتكفل " بوتين " روسيا (بعد موقعة القرم) بمحاصرة (تركيا) الداعم الأكبر للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، واجبارها علي ما يريد (بمباركة الغرب)؟ في كل الأحوال فإن ورطة 19 مارس 2011 لن يخرجنا منها من تسبب في توريطنا فيها!
نقلا عن إيلاف