بقلم ماجد كامل
من أجمل الموسوعات التي صدرت عن الفن المسيحي ؛ موسوعة "الدليل الي الفن المسيحي " والتي صدرت عن دار لوغوس ؛وهي موسوعة ضخمة شارك فيها أكثر من 16 عالما متخصصا في تاريخ الفن من جميع أنحاء العالم ؛وترجمها الي اللغة العربية كل من حنا يوسف ؛وماهر نكلس .ولقد غطت الموسوعة الفن المسيحي في جميع أنحاء العالم ؛وعبر جميع العصور ؛بداية من الجذور اليهودية واليونانية – الرومانية ؛ وحتي الفن الحديث والعاصر في أمريكا الشمالية ؛مرورا بعصر قسطنطين الكبير ؛وجستنيان ؛ والعصور الوسطي ؛وعصر النهضة وبزوغ الحركة الإنسانية ؛وعصر الإصلاح ؛والإصلاح المضاد ؛ثم العصور الحديثة في بريطانيا . وأمريكا . وأحتوت اللوحة علي العديد والعديد من اللوحات الرائعة وبالألوان الطبيعية التي تم رسمها بها .
ولقد كتب كثير من اللاهوتيين العظام عن قيمة الفن ؛ منذ عهد غريغوريوس الكبير ؛ ويوحنا الدمشقي ؛مرورا باللاهوتين الكبار في القرن العشرين مثل : "كارل بارث ؛ هانز كونج ؛ جاك ماريتان ؛ بول تيليش ..... الخ ؛ وعن الجذور الأولي للفن المسيحي في العصور اليهودية والرومانية ؛نجد في المجامع اليهودية رسومات من أدوات الهيكل تشمل "تابوت العهد " والشمعدان السباعي (المنارة الذهبية ) ؛كذلك أيضا بعض رسومات ومشاهد من التوراة .... الخ
ومن الرموز المسيحيبة المبكرة رمز السمكة ؛فالسمكة باليونانية معناها "اكسوس " وهي الحروف الأولي من كلمة يسوع المسيح بن الله مخلصنا " كذلك توجد رسومات للحمل رمز خروف الفصح ؛ والحمامة رمز السلام ؛ والطاووس رمز الخلود والقيامة ؛والسنبلة والكرمة رمز سر الافخارستيا (التناول ) وفي عصور الاضطهاد كان المسيحيون يتجمعون في سراديب تحت الأرض للإختباء من الرومان ؛وهي التي عرقت في كتب التاريخ ب"الكاتاكومب " ؛ولقد عثر في هذه السراديب علي صور رائعة لبعض المشاهد الكتابية مثل : آدم وحواء ؛ ذبح أسحق ؛فلك نوح ؛ الثلاثة فتية في أتون النار ؛يونان النبي في بطن الحوت ؛ قصة سوسنة والشيخان ؛ سجود المجوس ؛ معمودية المسيح ؛عرس قانا الجليل ؛إقامة لعازر من الموت .ومن أشهر هذه السراديب التي توجد فيها هذه الصور سرداب بريسكلا في روما .
نتتقل بعد ذلك |إلي عصر الملك قسطنطين الكبير ؛حيث أصدر مرسوم مسلان عام 313 م ؛وبموجبه تم الاعتراف بالديانة المسيحية كأحدي ديانات الأمبراطورية ؛وبذلك أنتهي عصر الاضطهاد ؛ومع بداية عصر قسطنطين ؛شيد العديد من الكنائس مثل كنيسة القديس بطرس في روما ؛وكنيسة اللاتيران ؛وكنيسة المسيح المخلص ؛كما شيدت كنيسة أجيا صوفيا في بيزنطة ؛ وكانت زخارف هذه الكنائس تخلد موضوعات كثيرة من العصور القديمة ؛ولقد شيدت في القرنين الرابع والخامس العديد من الكنائس التي زينت بالعديد والعديد من روائع الفن المسيحي ؛نذكر منها فسيفساء ترجع لعصر البابا أنوسنت الأول (401- 417 ) وتحوي أسماء العديد من قدييسي الكنيسة المعروفين وقتها ؛ كما تحول مبني مدني من عصر قسطنطين إلي كنيسة علي أسم القديسن قزمان ودميان في عهد البابا فيلكس الرابع (526- 530 ) ؛وأضيف إليها فسيفساء رائعة ؛وتم ترميمها جزئيا خلال القرن السادس والسابع عشر
كما يوجد في ميلانو المعمودية الأثرية التي تعمد فيها القديس أغسطينوس علي يد القديس أمبروسيوس أسقف ميلان في ذلك الوقت .
تنتقل بعد ذلك الي الشرق المسيحي ؛ ونبدأ بالفن القبطي ؛ فلقد ورث الأقباط المعابد الفرعونية القديمة ؛ فلم يشعروا كثيرا بالحاجة إلي إعادة زخرفتها ؛بل قاموا بإعادة تفسير اللوحات القديمة ؛ فمثلا التماثيل التي كانت تمثل أنوبيس وهو يزن نفوس الموتي أمام أوزيرس ؛تحولت إلي رئيس الملائكة ميخائيل وهو يحمل ميزانا في يده ؛ وتحولت صورة إيزيس وهي ترضع حورس إلي صورة للعذراء وهي ترضع الطفل يسوع ؛ وبحلول القرن السادس الميلادي ؛وضعت أيقونات المسيح والرسل فوق الحاجز المحيط بالمذبح (في المصطلح الكنسي يعرف بحامل الأيقونات ) وتحتوي جدارية دير السريان بوادي النطرون علي جداريات قبطية مبكرة تصور العذراء وهي ترضع الطفل ؛ وفي المتحف القبطي توجد جدارية رائعة مأخوذة من دير باويط تصور المسيح جالسا علي العرش ؛ومحاطا بالعديد من القذائف النارية التي تصور رموز البشيرين الأربعة ؛وبأسفل الجدارية تجلس العذراء والطفل محاطين بالرسل والقديسين المحليين . كما برع الأقباط في زخرفة الأناجيل ؛ ومن الملامح المميزة للفن القبطي عناقيد الكرمة التي غالبا ما تكون منقوشة في أفاريز خشبية أو حجرية . ولقد أثر الفن القبطي في الفن الإسلامي من خلال النقش الشبكي التقليدي ؛وتزيين الأبواب ؛ وقطع الأثاث الخشبية في مصر الوسطي والحديثة .
أما الفن الأثيوبي ؛ فمن أقدم المخطوطات الأثيوبية الباقية كتاب إنجيل تمت كتابته وزخرفته ما بين عامي 1400- 1401 ؛ وهو من صنع الأميرة زير جانيلا ؛ وتشمل زخرفة المخطوطة 26 صفحة كاملة من الصور ؛ و4 صفحات تمهيدية ؛وفهارس يعتقد أنها أقدم من المخطوطة تعود إلي القرنين العاشر والحادي عشر ؛ ومن الصور الجميلة الموجودة في المخطوطة مشاهد للصلب والقيامة ؛ ولقد كان للتدمير الذي شهدته المملكة الأثيوبية علي يد القوات الفرنسية والإنجليزية خلال القرن التاسع عشر أثره علي العديد من المخطوطات التي تم نقلها إلي المتاحف العالمية ؛ ولكن مع الحصول علي الاستقلال ؛أستعادت هذه الثقافة تأكيد نفسها من خلال الفنانين الأثيوبين المعاصرين .
وفي خلال القرن الثامن ؛أثيرت حركة محطمي الأيقونات ؛وهي حركة دعمها الإمبراطور ليو الثالث ؛بدأت عام 726م ؛بتحطيم تمثال السيد المسيح الموجود أمام باب القصر الملكي ؛ ولقد أستمرت هذه الحركة حتي عام 787م ؛ حيث دمرت العديد والعديد من الأيقونات ؛ولقد دافع بعض اللاهوتيين الكبار ؛مثل يوحنا الدمشقي عن الأيقونات ؛وله كتاب شهير بعنوان "الدفاع عن الأيقونات " .ونتيجة لذلك أنعقد مجمع في يمدينة نيقية عام 787 ؛ونادي بأهمبة وجود الأيقونات في العبادة ؛وبعدها ظهرت الإمبراطورة إيريني ( 797- 802 ) وقامت بترميم الأيقونات التي تحطمت علي نفقتها الخاصة ؛ وبصفة عامة يمكن تقسيم فن الأيقونات البيزنطي إلي ثلاثة فترات رئيسية : الحقبة البيزنطية المبكرة (من القرن الرابع حتي القرن الثامن )والحقبة البيزنطية المتوسطة بعد حركة محطمي الأيقونات (726- 787م ) ؛ثم الحقبة البيزنطية المتأخرة ؛وتبدأ منذ الاحتلال الصليبي للقسطنطينية خلال الإمبراطورية اللاتينية قصيرة الأجل ( 1204- 1261 ) .
ونواصل تقليبنا في صفحات الموسوعة ؛حتي نصل الي عصر عمالقة عصر النهضة العظام ؛ ليوناردوا دافنشي ؛ مايكل انجلو ؛رافائيل سانزيوا .
فليوناردوا دافنشي ( 1452- 1519 ) هو واحد من أعظم فناني عصر النهضة ؛ ومن أشهر لوحاته لوحة العشاء الأخير ؛ وقام برسمها خلال الفترة من ( 1495- 1497 ) وهي موجودة في دير سانتا ماريا ؛وكان يحظي برعاية خاصة من دوق ميلانو ؛ ولقد أبدع دافنشي في تصوير المسيح والرسل وهم جالسين علي مائدة طويلة ؛ ويوحنا الحبيب صوره في صورة فتي صغير بدون لحية ؛ويظهر وجه يهوذا وعلامة الخيانة مرسومة علي وجهه ؛وأيضا طريقة جلوسه . ومن أعماله الأخري الموناليزا . ولقد سجل دافنشي في مذكراته الكثير من الأعمال الخيالية التي صارت حقيقة بعد ذلك ؛مثل حلم الإنسان بالطيران ؛ وفي مخطوطة أخري محفوظة في المكتبة البربطانية تتوارد رسوم ترتبط بتأثير القمر علي حركة المد والجزر .
العملاق الثاني هو مايكل انجلو ( 1475- 1564 ) وهو سليل أسرة فلورنسية متوسطة ؛ ومن أشهر أعماله تمثال الرحمة ؛ حيث يصور العذراء في صورة فتاة صغيرة ؛ وهي تحمل جسد المسيح بعد صلبه وهي في حالة أسي شديد ؛ وعندما سأله أحد الشباب لماذا صورة العذراء في صورة فتاة صغيرة ؛ بينما المنطق يتطلب تصويرها في الشيخوخة ؛ فأجاب مايكل أنجلو أنه أراد تقديم حجة لاهوتية مفادها أن الخطية تقود إلي الشيخوخة والهرم ؛ أما العذراء فهي كلية الطهر والقداسة وبالتالي لا يليق تصويرها في صورة أمرأة عجوز . ومن الأعمال الرائعة الأخري لمايكل أنجلو ؛تمثال من الرخام لداود النبي ؛بدأه عام 1501 ؛وأنهاه عام 1504 .أما درته الكبري ؛قهي سقف كنيسة سيستين في الفاتيكان ؛ وهو العمل الضخم الذي كلفه به البابا يوليوس الثاني عام 1805 ؛ وأستمر مايكل أنجلو يعمل أربع سنوات كاملة ( 1508- 1512 ) وهو مستلقي علي سقالة ؛ وهي لوحة رائعة تصور مشاهد من بداية الخلق حتي ذبيحة الشكر التي قدمها سيدنا نوح بعد الطوفان ؛أما الفراغات التي بين النوافذ فتشغلها أشكال بارزة لأنبياء العهد القديم . ومن أعمال مايكل أنجلو الخالدة أيضا عمارة كنيسة سان بيتر في روما ؛حيث بدأها عام 1546 وهو في سن الواحدة والسبعين ؛وأستمر في العمل فيها حتي قرب موته في أواخر الثمانينات من عمره .
العملاق الثالث من عمالقة عصر النهضة هو رافائيل سانزيوا ( 1483- 1520 ) ؛حيث بدأ تدريبه الفني في سن مبكرة مع أبيه الذي كمان رسام البلاط ؛ ومن أشهر لوحاته "عذراء الصخور " عام 1507 ؛ وفي عام 1708 أنتقل الي روما لخدمة البابا يوليوس الثاني ؛وهناك كلفه برسم جداريات مكتبة البابا ؛ وهي اللوحة المعروفة بأسم "مدرسة أثينا " وفيما بين عامي 1515- 1516 ؛صمم بعض الأنسجة الزخرفية ( وهي محفوظة حاليا في متحف فيكتوريا بلندن ) ومن أعماله الرائعة أيضا عذراء سيستين (ما بين عامي 1512- 1514 تقريبا ) وعذراء دي فوليغنو عام 1512 ؛ وهي محفوظة في كنيسة سانت ماريا ؛وهناك لوحة شهيرة للعائلة المقدسة وشجرة النخيل عام 1513 ؛ وفي نفس العام رسم لوحة للبابا يوليوس الثاني ؛ولقد توفي رافائيل في سن مبكرة (37 سنة ) ولم يعمر طويلا مثل قرينيه الكبيرين الآخرين ؛ ومع ذلك فأن أعماله أكتسبت شهرة عالمية كبيرة .
نتتقل مع الموسوعة بعد ذلك إلي عصر الإصلاح الديني ؛ففي 31 اكتوبر 1517 ؛قام مارتن لوثر بتعليق 95 احتجاجا ضد ممارسات الكنيسة الكاثولوكية علي سقف كنيسة ويتنبرج بألمانيا ؛ولقد أبدي لوثر تحفظا كبيرا علي الصور ؛حيث قال في أحدي عظاته " نحن نتمتع بحرية الإبقاء عليها أو التخلي عنها في حين أنه سيكون أفضل بمراحل عدم امتلاكها علي الاطلاق ؛ فهي تمثل تلك الأشياء التي لم يأمر بها الله أو نهي عنها " في حين أعلنت الكنيسة الكاثولوكية في مرسوم رسمي صدر عن مجمع ترنت في يوم 4 ديسمبر 1563 ؛حيث أجيزت عقيدة صور المسيح والعذراء والقديسين علي أساس تساعد في تعليم الأميين ؛اتساقا مع تعاليم البابا غريغوريوس الكبير ( 590- 604 ) بأن شعب الكنيسة غير المتعلم يقرأ من خلال الصور والأيقونات .
وفي عصر التنوير الذي بدأ خلال القرن الثامن عشر ؛بدأ الاهتمام بالفن المسيحي يأخذ طابعا علميا ومنهجيا ؛ فأسس البابا البابا كليمنت الحادي عشر ( 1700- 1721 )أول متحف مؤسساتي للفن المسيحي في القرون الوسطي ؛ وعين له فرانشيسكو بيانشيني (1662- 1729 ) مدير له ؛ فجمع النقوش االمسيحية من جميع العصور من الكنائس والأديرة الأثرية في جميع أنحاء روما ؛وفي عصر البابا بيندكت الرابع عشر ( 1740- 1758 ) أنشأ عدة أكاديميات علمية لدراسة الآثار والتاريخ والفنون . ومع بداية القرن التاسع عشر ؛افتتح عالم الآثار جيوفاني باتيستا دي روسي ( 1894- 1822 ) متحفا كبيرا للفن المسيحي في لاتران ؛وكان ذلك عام 1854 . وبضل جهود دي روسي ؛أصبح علم الآثار المسيحية علما قائما بذاته ؛ونشر روسي نتيجة أبحاثه في ثلاثة مجلدات كبيرة . وفي نفس الوقت أهتمت مجموعة من العلماء في فرنسا بدراسة الأيقونات الزيتية للفن المسيحي ؛كما ظهرت الدوريات المتخصصة التي تدعمها غالبا السلطات الكنسية ؛كما ظهرت العديد من المتاحف في ألمانيا ؛ ولقد جمع كاهن ألماني يدعي " ألكسندر شينلين (1843- 1918 ) المئات من القطع الأثرية من العصور الوسطي ؛ وقام بتصنيفها ما بين كئوس والملابس الكهنوتية والصور الزيتية ... الخ . وفي القرن العشرين ظهر مجموعة من مؤرخي الفنون مثل " أدولف غولدشميث " ( 1863- 1944 ) وويلهم فوغ ( 1868- 1952 ) حيث قاموا بترتيب الأعمال الفنية من القرون الوسطي بأتباع مناهج جديدة مقتبسة من العلوم الطبيعية ؛كما أستحدثوا مناهج جديدة مثل "تحليل الأيقونات الزيتية " والفحص الدقيق لكل لوحة علي حدة .
ومن أشهر فناني القرن العشرين نذكر بابلو بيكاسو ( 1881- 1975 ) وكانت لوحته الزيتية الأولي بعنوان "التناول الأول " وتم رسمها عام 1896 ؛ وله لوحة شهيرة بعنوان " الأم والطفل " حيث أستلهم عناصرها من صورة العذراء وهي تحمل الطفل يسوع ؛ أما تحفته الكبري "الجورنيكا " فهي مستوحاة من الحرب الأهلية الأسبانية ؛ وهي لوحة قوية ومعبرة عن وحشية الإنسان ضد الله والإنسانية والطبيعة في حالة الحرب ؛ ولقد أنضم بيكاسو الي الحزب الشيوعي ؛وكان يواظب علي حضور مؤتمرات السلام سنويا خلال الفترة من (1948 -1951 ) ومنح جائزة لينين للسلام مرتين ؛ وجاءت لوحته المطبوعة علي الحجر بعنوان "الحمامة " وتم رسمها عام 1949 حيث أصبحت رمزا عالميا للسلام .
وأيضا من فناني القرن العشرين العظام ذكرت الموسوعة سلفادور دالي ( 1904- 1989 ) . وجاءت لوحاته الأولي مستوحاة من التقاليد الطويلة للكنيسة الكاثولوكية في أسبانيا ؛ ومن أشهر لوحاته لوحته المعروفة ب"الصلب" وتم رسمها عام 1954 ؛ وفيها يحوم جسد السيد المسيح فوق سطح صليب مكعب ؛بينما يتأمل المشهد بسكون كل من السيدة العذراء والقديس يوحنا الحبيب ؛ وفي العام التالي مباشرة (1955 ) رسم لوحته الشهيرة "سر العشاء الأخير" ؛ووصفها بأنها نظرية كونية حسابية فلسفية مستندة علي الرمزية المرتبطة بالرقم اثنا عشر .
الثلاثة فصول الأخيرة عرضت للفن المعاصر في بريطانيا وأمريكا الشمالية ؛ثم أثر ظهور الفنون المرئية والسمعية علي تطور الفن المسيحي .