بقلم : د/ صفوت روبيل بسطا
ونحن نحتفل في هذه الأيام بحلول الذكري العطرة.. (الذكرى الثانية).. علي نياحة القديس العظيم .. الأسطورة .. معلم الأجيال .. الأب الحقيقي.. شمعة القرن العشرين .. ذهبي الفم الثاني ... عبقري المودة ... الإنجيل المعاش ... حامي الأيمان الأرثوذوكسي .... أثناسيوس القرن العشرين والواحد والعشرين ... حبيب الملايين
شفيعنا في السماء القديس " البابا شنودة الثالث " مثلث الطوبي
يعجز القلم ويعجز اللسان وتتوقف المعاني للكتابة أو التعبير عن صفات وخصال هذا " الأب " (النادر في أبوته) الذي وإن كان رحل بالجسد عن عالمنا الأرضي الفاني وإنتقل إلي فردوس النعيم متمعاً (عن إستحقاق) بعشرة الشهداء والقديسيين وهنيئاً بأحضان المسيح ، ولكن روحه الطاهرة تحوم حولنا وسيرته العطرة وتعاليمه السامية تقودنا وترشدنا وتُضيئ لنا دربنا وتعيننا إلي أخر نسمة في حياتنا
تاركاً لنا عطر سيرته وعظيم أعماله ونتاج خبرته ورهبنته وأبوته
وهذه هي فقط التي تعزينا وتقوينا وتصبرنا علي فراقه بالجسد
الكثيرون يتحدثون ويكتبون ويتذكرون وبالتأكيد سوف يعجزون لإيفاء حق " البابا شنودة" لأنه تميز من عظيم الخصال والمواهب التي يعجز الأنسان أن يدرجها أو يعبر عنها
من أجل ذلك سأختار صفة وحيدة في هذا الطرح لأتحدث عنها من وجهة نظري المتواضعة والتي بالتأكيد ستكون أيضاً كأنها قطرة من محيط هذه الصفة المعنية
علاقة أبوية نادرة بين الأب وأبنائه
بدأت علاقة البابا شنودة بشعبه من بدايات حياته العملية والروحية منذ أن كان مدرساً في مدارس الأحد ، وأستاذاً في الكلية الأكليريكية مروراً برهبنته وعندما كان أسقفاً للتعليم ، حتي إعتلي كرسي الشهيد العظيم " مارمرقس" الأنجيلي والرسول .. وعلاقة الحب والتفاعل مع شعبه تستمر وتنمو وتزيد حتي وصلت إلي أن يُطلق عليه .... حبيب الملايين... وأستمرت ونمت وتأصلت هذه العلاقة بين الأب وأبنائه علي مدار أكثر من أربعون عاماً
إجتماع الأربعاء
وكان إجتماع الجمعة من كل إسبوع وقداسته أسقفاً ، والتي تغيرت فيما بعد إلي يوم الأربعاء من كل إسبوع وعلاقته مباشرة ومستمرة مع شعبه وأبنائه وبناته حتي كانت أخر عظة لقداسته يوم الأربعاء الموافق ( 7 مارس 2012 ) والتي كانت أكبر مثال علي هذه العلاقة النادرة بين الأب وأبنائه ، والتي فيها أصر علي اللقاء بشعبه وحضر (وهو علي كرسي متحرك)!! بالرغم من الأمراض الكثيرة والألام الرهيبة التي كان يُعاني منها ، والتي جعلته في نهاية الأجتماع يقول لنيافة الأنبا بطرس... (بسرعة يا أنبا بطرس أنا حاسس أن عظامي بيتفتت) .... هل رأيتم مثل هذه العلاقة !!؟؟
الأجابة علي أسئلة الشعب
كانت من أهم شيئ بإجتماع الأربعاء هو.. "الأجابة علي أسئلة الشعب"..والتي كانت أكبر دليل علي هذه العلاقة الأبوية والمحبة والتفاعل مع شعبه والتي كانت تصل إليه من كل مكان من داخل مصر وخارجها ، ففي صبر كبير يتصفح جميع الأسئلة بل ويفرز الأوراق ويضع الخاص والهام منها في ( سيالته) كما كان يذكر دائماً ، وبعض الأسئلة يوجها مباشرة وأمام الملايين إلي الأباء الأساقفة المتخصصين لبحث أي شكوي أو أي مشكلة أو أي إستفسار
وكان لا يترك أي أمر يحتاج ..(إيضاح).. حتي ما يُريح الجميع ولا يترك أبنائه عرضة للشائعات أو اللبس من أي موضوع يحيرهم أو يؤثر عليهم من أي فكر قد يعرضهم للمخاطر النفسية وكثرة الأقاويل أو الشائعات
وغطي كل المواضيع التي تخص الشعب من أمور روحية وتفسيرية ، إجتماعية ،وعقائدية والكثير ، ولم يكتفي بذلك بل أوصي بطباعة الكثير والكثير من هذه الأسئلة والأجوبة في سلسلة كتب (سنوات مع أسئلة الناس) .. بالأضافة إلي ألاف الفيديوهات من عظات وأسئلة عامة
التصفيق والزغاريد
إعترض الكثيرين علي هذه النقطة بالذات في إجتماع الأربعاء ، وكان ردي لبعضهم (في حينها) أنها وإن كانت غير محببة ولكن هذه أيضاً كانت لأكبر دليل أخر علي التفاعل الكبير والحب المتبادل والرضا والقبول بين الأب والأبناء
وقلت في هذا الصدد أنها عبارة عن حالة تفاعل حيوي بين الأب والأبناء ، وحالة من المودة الشديدة ، ومادام لم تخرج عن حدود اللياقة وإحترام بيت الرب فلما لا !! وخاصة أن الشعب كان يجد في أبيهم الصدر المتسع والقلب الكبير والذي يسمح بتبادل التحية والتفاعل ، ولا يوجد تعبير أخر للشعب غير التهليل والتصفيق وإظهار مشاعرهم نحو أبيهم الحنون
كانت الكاتدرائية تمتلئ وتضيق بالشعب بالرغم من سعتها (6 أو 7 ألاف نسمة) ، ولا تجد مكان لموضع قدم سواء داخل الكاتدرائية بأدوارها أو خارجها ، وحتي من حول أبيهم كانوا يحيطون به ليتباركون ويلتقطون الصور والأمضائات ، وقداسته كأب للجميع أبداً لم يزعل أحداً أو يكسر بخاطر أحداً ،،، هل يوجد تفاعل بين الأب وأبنائه مثل هذا !!!؟؟؟
موقف شخصي وصدق ولابد أن تصدق
في سنة 2010 قام أحد الأباء الكهنة بتوقيع عقوبة (الحرمان من التناول) علي أحد أقاربي بالكنيسة ، بل وأراد أن يطرده من الكنيسة !!؟؟ فأنا غضبت جداً وقلت بغضب ( لا يحق لك ، مش من حقك تطرده من الكنيسة) ... وفي نفس اليوم كتبت رسالة إلي قداسة البابا شنودة وأوضحت لقداسته الموقف بكل دقة وأمانة ، بل وطلبت الحل من قداسته علي خطأي ورفع صوتي بالكنيسة
صدقوني (ويشهد الله علي كلامي) لم تمض 24 ساعة حتي فوجئنا بإتصال هاتفي من نيافة الأنبا أرميا (سكرتير البابا شنودة) وعن طريق سكرتير مجلس كنيستنا في حينها ، ويتصل بي السكرتير ويطلب رقم قريبي فأعطيته ، وبعد دقائق
فوجئنا أن نيافة الأنبا أرميا يقول لقريبي المحروم من التناول ...( سيدنا لا يوافق علي اللي حدث معك ورفع عنك هذا الحرمان ، وأعطاك الحل من فمه الطاهر ويقول لك تذهب إلي الكنيسة هذا الأسبوع وتتناول ) ........هكذا كان البابا شنودة متمثلاً بسيده وسيدنا كلنا السيد المسيح -له كل المجد- الذي ترك ال99 وبحث عن الخروف الضال ، وعلي نفس طريق المسيح إهتم الأب الحنون بإبن من أبنائه (من وسط الملايين من شعبه) والذي يبعد عن مصر بألاف الكيلومترات ورفع الظلم الواقع علي إبنه ورفع عنه الحرمان وأعاده إلي كنيسته بكل حب وحنان أبوي لا مثيل له
علاقتي الحقيقية بقداسة البابا شنودة
تباركت بأخذ بركة "البابا شنودة" في كل حياتي ثلاثة مرات وكانت كلها في عام 1994 م
مرتان في مطار أثينا الدولي ، ومرة ثالثة في إجتماع الأربعاء من نفس العام ، ولا أنسي أول لحظة وأنا فيها أشاهد البابا شنودة ونحن منتظرينه في إستراحة كبار الزوار بمطار أثينا الدولي ، وأراه أمامي وجهاً لوجه وهو خارج من الأسانسير وأنا أمام العظيم في البطاركة
أجمل موقف مع قداسته عندما أتي دوري لأخذ البركة ولاحظت أن صاحبي الذي أعطيته الكاميرا لم ينتبه لي فقلت له ...( بسرعة وركز معي لتأخذ لي الصورة ).... فنظر إلي قداسته وبإبتسامته الرقيقة وقال لي ...أنت عاوز الصورة ولا البركة ؟ فأنا قلت ...الأثنين يا سيدنا وكمان أطلب أن تصلي لي .... فأبتسم وأعطاني البركة (التي أحتفظ بها حتي اليوم والتي كانت عبارة عن ميدالية عليها الختم البطريركي من جنب والجنب الأخر عليه صورة والدة الأله إم النور
وعلي مدار أكثر من ساعتين وأنا أتأمل في هذه الشخصية النادرة في كل شيئ ، ويومها أخذت بركة من يديه الطاهرتين وأخذت الصور التذكارية ، بل ويضع يديه علي رأسي ويصلي لي ... كانت من أجمل لحظات عمري
ولكن علاقتي الحقيقية الدائمة بقداسته فهي يومية من يوم ما وعيت علي نفسي وأنا أحتفظ بكل شرائط الكاسيت القديمة ، وأعيد سماعها يومياً ، والأن عن طريق اليوتيوب الذي أبحث فيه دائماً عن الكنوز التي تركها لنا البابا شنودة
أي أن علاقتي بقداسة "البابا شنودة" أعتبرها بالنسبة لي علاقة خاصة جداً وكأنني إبن وحيد له ، وأنني متأكد أن ملايين المسيحيين يشعرون بنفس الشعور
لذلك ..... أحس أنني شخصياً إفتقدتك كثيراً يا بابا شنودة
بل أقولها بكل ثقة ...أننا كملايين المسيحيين
إفتقدناك كثيراً جداً جداً .... يا بابا شنودة
من قصيدة البابا شنودة بعنوان ...أب أنت
الأبيات
وأب أنت ونحن يا أبي عشنا بالحب علي صدرك نحبو
هكذا كنت حبيباً شائع لك صدر واسع الأرجاء رحبُ.
أنت قلب واسع في حضنه عاش جيل كامل أو عاش شعب
أنت نبع من حنان دافق أنت عطف أنت رفق أنت حب