مرسي الشيخ: قد تتدخل الثوابت الدينية لتؤثر على حكم القاضي النهائي.
ابراهيم نايل: القوانين والإجراءات الجنائية وضعت قبل الثورة ولا يجب تدخل الدين في أحكام القضاء.
قد تطعن النيابة على حكم البراءة في قضية ديروط إذا اكتشفت أن المحكمة أخطات في الحكم.
ماجد حنا: الحكم صادم ويجعلنا نتساءل بشدة عن دولة القانون، فإن كانت القضية قضية دفاع عن الشرف، فلا يمكن بأي حال أن يقتص الأشخاص من بعضهم البعض وإلا عدنا لقانون الغاب.
بيتر النجار: الجريمة المنسوبة للشاب مبالغ فيها، ولم يُقبض عليه وهو يمارس الرذيلة.
تحقيق: حكمت حنا - خاص الأقباط متحدون
ردود أفعال متباينة أثارها الحكم القضائي الأخير الصادر من محكمة جنايات أسيوط، ببراءة أربعة مسلمين متهمين بقتل مسيحي من ديروط، على خلفية إدعاءات بتورط نجله في علاقة آثمة مع إحدى الفتيات، ذات الصلة بالجناة، والتي اعتبرها البعض قضية رد شرف، مما يستوجب قتل أسرة الشاب وقتله هو أيضًا، إلا أن البعض قد نفى اقترانها بالشرف، كون الشاب لم يُضبط في فعلته مع الفتاة، كما أن اللجوء للقضاء يمحي فكرة اقتصاص الأشخاص من بعضهم البعض، وقد جاء هذا الحكم ليثير غضب الأقباط ويُفجر باقي الملفات المشابهة، والتي سبق وأن قام القضاء بالبت فيها، وأصدر فيها عقوبة الإعدام بحق أشخاص مسيحيين، سواءً كان ذلك من قبيل الصدفة، أو العمد، ليشعر الأقباط أن القضاء أداة غير عادلة في الحكم ضدهم واستلاب حقوقهم.
فإذا عدنا للوراء وبالنظر إلى تاريخ تعامل القضاء مع مثل تلك النوعيات من القضايا، فإننا سنرى ظلمًا شديدًا وجورًا مجحفًا قد وقع على الأقباط وضد حقوقهم، ففي قضية قاتل الأميرية مثلاً، لم يراعِ القضاء فيها أنها كانت دفاعًا عن الشرف، أو أنها لم تكن قتلاً عمدًا، بل ضربًا أفضى إلى الموت، وذلك حتى تخفف العقوبة، وهناك أيضًا قضية الكشح الشهيرة، الأولى والثانية، والتي لم يصدر فيها حكم واحد بإدانة مسلم من جموع مسلمين قتلوا 21 مسيحيًا، فماذا لو كان العكس، ماذا لو كان المسيحيون هم الذين قتلوا 21 مسلمًا، تُرى هل كان الوضع سيكون كذلك حينها؟؟!!.. سؤال يطرح نفسه على القائمين على القضاء المصري الذي اتهمه البعض بالكيل بمكيالين فاقدين بذلك الثقة في أحكامه.
وفي هذا الشأن يقول المستشار مرسي الشيخ رئيس محكمة الاستئناف السابق:
"إن القاضي يحكم بناءًا على ما يطمئن إليه وجدانه وضميره، وقد يعترف المتهم بجريمته، وفي الوقت ذاته يصدر القاضي حكمًا ببرائته، ويُنحي الاعتراف جانبًا، وهذه قواعد متعارف عليها في القانون الجنائي، وقد يطمئن القاضي، فيحكم بالبراءة، وقد لا يطمئن فيُصدر حكمًا ضد المتهم، إذا لم يجد سلامة الإجراءت التي قامت عليها عملية القبض عليه، وبناءًا على هذه القواعد، قد يطمئن القاضي إلى حكم البراءة وقد لا يطمئن"..
وعن تدخل معيار الدين في وجدان القاضي، قال المستشار مرسي الشيخ:
"من الوارد جدًا أن يتدخل الدين في وجدان القاضي، وكذا ثوابت أخرى يعيشها ويؤمن بها، وعمومًا لا شيء يحكم القاضي سوى ضميره، فقد تتدخل الثوابت الدينية، وبالتالي تؤثر في حكمه، لأن القاضي في النهاية بشر"..
أما الدكتور إبراهيم نايل أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة عين شمس، فيرى أن نصوص القانون حين وضعت لم يكن لها علاقة بالدين، ويرى أن قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات، قد وضعوا قبل قيام الثورة، أي قبل حدوث أي توترات أو مشاحنات دينية، وبالتالي لا يمكن القول إنها وضعت حينها كي يأخذ بها القاضي فيحكم لصالح المسلم دون المسيحي، أي أنها قوانين مجردة لا علاقة لها بمسلم أو مسيحي، وما أكثر المسيحيين والمسلمين الذين ارتكبوا جرائم، وأوضح دكتور نايل أنه ليس بالضرورة أن تكون عقوبة الإعدام هي العقوبة الوحيدة لكل جريمة قتل، وأن تلك العقوبة لا تُطبق إلا عند القتل مع سبق الإصرار، والقتل العمد مع الترصد، والقتل بالسم، والقتل بغرض إرهابي، إنما جريمة الضرب الذي يفضي إلى موت، أو القتل بغرض الدفاع عن الشرف، فإن مقترف أيٍّ منهما لا يُعاقب بالإعدام.
وأضاف دكتور نايل أنه إذا اتضح في قضية قاتل الأميرية أنه لم يقصد القتل، وأن الأمر كان ضربًا أفضى إلى الموت، فإنه يمكن في هذه الحالة إعادة محاكمته، بل وإلغاء حكم الإعدام، وقال إنه لا يجب إقحام الدين بأي شكل من الأشكال في أحكام القضاء، وإذا كان القاتل قد قتل زوج شقيقته دفاعًا عن الشرف، فإن هذا لا يؤخذ به هنا طالما أن شقيقته تزوجت بآخر هو محلل لها، إذا كان مسلمًا، لأنه لا يجوز ارتباط مسلمة بمسيحي، لكن العكس هو الصحيح، وطالما كان هناك شهود على عقد زواج عرفي، فلا يعتبر الأمر حينها دفاعًا عن الشرف، إذ لا يُشترط قيام مأذون لتوثيق الزواج طالما توافرت هناك عناصر الشهود وموافقة العروسة، وأضاف أن قاتل الأميرية لو كان يعلم أن شقيقته ليست متزوجة، وقام بقتل زوجها، لكان من الممكن أن يؤخذ ذلك في الاعتبار على أنه كان حسن النية ولا يعلم، وبالتالي يمكن أن تترواح عقوبته من 24 ساعة إلى 3 سنوات، أما إذا كان يعلم بأنها متزوجة وقتله، فستعتبر الجريمة حينها مستوجبة لعقوبة الإعدام، خاصة إذا كان قد شرع في قتل شقيقته، فتصبح الجريمة جريمتين.
وأشار د. نايل إلى أن المحكمة قد تكون قد استندت في قضية ديروط إلى وقائع لا نعرفها في حكم البراءة، وقد تطعن النيابة بالنقض في الحكم إذا أخطأت محكمة الجنايات في تطبيق القانون، مثلما فعلت في قضية ممدوح اسماعيل حتى تراجعت المحكمة، وقضت بحبسه 7 سنوات.
واستكمالاً للحديث في تلك القضية، يقول السيد ماجد حنا المحامي بالنقض والإدارية العليا:
"إن قضية ديروط، لو افترضنا أنها كانت دفاعًا عن الشرف، فلا يجب بأي حال من الأحوال أن يقوم الأشخاص بالقصاص لأنفسهم وبأنفسهم كما فعل أقارب الفتاة، فإذا افترضنا أن كل قضية دفاع عن الشرف، لن يتم فيها اللجوء إلى القضاء ومحاكم الجنايات، وأن الناس سيقتصون لأنفسهم دون الرجوع للقانون، فإننا بذلك نكون قد أعدنا قانون الغاب لبلادنا، لأن الأصل هو تطبيق القانون، أما إذا اقتص الشخص لنفسه من الآخرين فلا حاجة إذن للقانون، أما هذا الحكم الذي قضى ببراءة من قتلوا والد شاب ديروط، فقد أذهل حقا جميع الناس لأن جريمة نكراء قد ارتكبوها بالفعل، وهنا يجب أن نتساءل: "هل ماتت دولة القانون؟".
وأكد حنا في نفس السياق أن هذا الحكم قد خيّب الآمال، فظن البعض أنه قد صدر بحق فئة معينة من الناس، رغم أن الدولة من المفترض أن القانون يحكمها، خاصة وأن الجريمة جريمة تستوجب عقوبة مغلظة، فالقضاء من المفترض فيه أن يحكم على الأشخاص دون النظر إلى جنسهم أو دينهم ومفترض فيه أيضًا أنه يُطبَّق على جميع فئات المجتمع دون تميز، وأضاف: أستطيع القول بأن هناك قاضيًا عادلاً يمكنه أن يُفرّق بين الظلمة والنور، بين الشر والخير، يمكنه أن يعطي كل شخص حسب أعماله، لأنه قاضٍ ديان وعادل، فإذا لم يأخذ المظلومون حقهم على الأرض، سيأخذونه في السماء والحياة الآخرة.
أما السيد بيتر النجار المحامي بالنقض، فيرى أن القضاء يحكم بمكيالين، فيرى أن جريمة الدفاع عن الشرف التي نسبت لشاب ديروط، كانت مبالغًا فيها، فالدفاع عن الشرف هو من حدود الدفاع الشرعي، وله مبرراته في القانون، بمعنى أنه لا يجوز لشخص أن يتجاوز حدود الدفاع الشرعي، مرتكبًا جريمة، وقد حدد القانون حدود الدفاع الشرعي، متمثلة في حق الشخص في الدفاع عن نفسه في حال تعرض لاعتداء على ماله وشرفه ومسكنه، بحيث يكون هدفه فقط رد الاعتداء عن حقوقه، أما شاب ديروط، فلم يتم القبض عليه في أثناء ممارسته للرذلة مع الفتاة، أي أن حدود الدفاع الشرعي غير متوافرة، فكان من المفروض حينها الإبلاغ عنه مباشرة، لكن أقارب الفتاة قد شرّعوا العقوبة، واتخذوا لأنفسهم قانونًا خاصًا، وارتكبوا جريمتهم، ومع ذلك أنصفهم القضاء بحكمه.
وأكد النجار أن الحكم صدر ولم توّضح أسبابُه إلى الآن، والمفتروض أن توضح الأسباب خلال 30 يومًا، وأضاف أنه إذا كانت المادة 230 من قانون العقوبات تعاقب بالإعدام على كل من قتل نفسًا عمدًا مع سبق الإصرار والترصد، وتعاقب على القتل والجرح والضرب دون قصد بعقوبة الأشغال الشاقة، فإنه يجب إنزال تلك العقوبات على فِعلة المتهمين في قضية ديروط، لأنه كانت هناك نية مبيتة لعلمهم أنه ارتكب الفحشاء مع أختهم، فكان وجوبيًا تطبيق نص المادة 230 من قانون العقوبات، لكن العكس يحدث يوميًا بانتهاك حقوق وشرف الأقباط دون رقيب أو راداع، مثلما حدث مع رامي عاطف وعمه، الذين ثأروا لشرفهم، فتم إيقاع العقوبة بهم دون رحمة، فكال لهم القضاء بمكيالين.