الأقباط متحدون - عيد أهل الفن السابع والمغنى!
أخر تحديث ١٥:٢٤ | السبت ١٥ مارس ٢٠١٤ | برمهات ١٧٣٠ ش ٦ | العدد ٣١٢٩ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

عيد أهل الفن السابع والمغنى!

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

بقلم مدحت بشاي
 لا تقولوا إنه عيد الفن والفنون ومبدعيها، فالفنون ليست غنوة وفيلم ومزيكا فقط، مع بالغ تقديري واحترامي الهائل لتلك الفنون العظيمة ومبدعيها ودورها الإنساني والحضاري في تشكيل

حائط صد أمام حرامية الهوية المصرية في كل عصر وأوان، ففيها فخارنا، وبنفرح لما يتقال لينا أنتم من بلد سومة وعبدالوهاب ويوسف شاهين وغيرهم، لكن عيب قوي قوي قوي وكمان قوي خالص في بلد حضارتها من سبعة آلاف سنة قامت على حروف الأبجدية اللي هيه رسماية، والرسماية صارت لوحات ملونة بألوان تراب أرضنا لا تبلى ولا تروح، ما أبدعها على جدران المعابد تحكي حضارة شعب عظيم.. بلد حضارتها ومجدها التاريخي نراه في فنون العمارة (أهرامات ومعابد)، والنحت (تماثيل وجداريات تم بها نحت حكاوي الناس، ونظم الحكم، وطقوس العبادات، وإنجازات حضارة المصري عليها).

في البدء، قام المواطن المصري في عصور صراعه مع الحيوان لاصطياد ما يأكل لكي يعيش بتوثيق تلك المعارك على جدران الكهوف الداخلية برسوم غاية في التمكن من فن الرسم بشكل فطري ومن غير علام أكاديمي، وفي ظلام الكهوف وعتمتها، إلى حد تداخل الرسوم (رسمه على رسمه)، ولكن كل رسماية متكاملة البناء والتكوين وكمان مرسومة بعبقرية.

وكل اللي قلته ده أنا كاتب السطور دي، تاريخ مقروء ومتشاف، وعليه تعيش السياحة وبرامجها، وعلى السياحة ودخلها تعتمد مصر واقتصادها ويقتات أهلها خيراً باعتبارها واحدة من مواردنا المالية الرئيسة بجانب دخل قناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج، فإذا أضفنا، إبداعات الفنون الشعبية (على الجص والسجادة والفخار والخيام والقماش وغيرها) وهي فنون ناجحة عالمياً لتميزها وروعة هويتها، فنحن أمام فن وفنان مصري عالمي أيضاً.

معقولة يتم تجاهل الفنان التشكيلي والنحات والحزاف والفنان التطبيقي والشعبي والجرافيتي والجداري والناقد الفني يوم احتفال مصر بعيد الفن، رغم البعد الحضاري لتلك الفنون، ورغم أنها الفنون اللي أصحابها وصلوا بأعداد كبيرة للعالمية، ومقتنياتهم قابعة في أعظم متاحف العالم، بل وتم تكريم الكثير منهم في احتفاليات عالمية، وتضن جهات التكريم المصرية عليهم!

وأكتفي هنا بفقرة مما كتبه الدكتور طه حسين حول عبقرية الفنان المثال محمود مختار للتدليل على عبقرية وعالمية واحد من نجوم فن النحت.. يقول طه حسين: كان مختار ابن العمدة يلقب بين أصدقائه باسم «العمدة»، وكان يسبق هؤلاء الثوار في معرفة باريس وطباع الفرنسيين.. يعرف اللغة والكثير من الشخصيات الهامة الفنية والسياسية.. كان هؤلاء الطلبة يكونون «الجمعية المصرية» التي تتولى الدعاية ضد الاستعمار الإنجليزي، وتلقى معاونة مختار «العمدة» ومدير متحف «جريفين».

ووضع الفنان فكرة تمثال «نهضة مصر»، وعرض النموذج المصغر على زملائه من الطلبة المصريين في باريس فتحمسوا له وجمعوا له التبرعات فيما بينهم لينفذ الفنان هذه الفكرة في الرخام.

وعندما سافر «الوفد المصري» برئاسة سعد زغلول إلى باريس للدعوة لقضية استقلال مصر، يتعرف أعضاء الوفد على مختار وعلى نهضة مصر، فيعودون إلى القاهرة متحدثين عن الفنان «النابغة» وعن تمثاله، وتبدأ الحملة للتبرع لإقامته في أحد ميادين القاهرة.

ويتقدم الفنان بتمثاله إلى معرض صالون باريس، فيكون ضمن 60 تمثالاً تم قبول عرضهم بالمعرض الكبير من بين ألفي تمثال تم تقديمها.. لقد كان أول معرض صالون يقام في باريس بعد توقف طوال فترة الحرب، وقد افتتحه رئيس الجمهورية الفرنسية، وإذا بالطلبة المصريين يصطفون هاتفين للتمثال ولاستقلال مصر خلال موكب رئيس الجمهورية. ويفوز المثال بإحدى جوائز المعرض، ويتحدث عنه نقاد الفن على صفحات «الفيجارو» و«الالسترتسيون» و«الطان» و«المجلة الحديثة للفنون».. فتهتز مصر فخراً وطرباً بالفلاح «محمود مختار» ابن القرية، الذي قدم تمثالاً يعبر فيه عن مطالب بلاده.. كان ذاك عام 1920 عندما قرر مختار أن يعود إلى الوطن.

وتصاحب عودة مختار حماسة شعبية تنعكس في حركة الاكتتاب لإقامة التمثال.. فقد نشر «مجد الدين حفني ناصف» مقالات متتابعة بجريدة «الأخبار» عن محمود مختار والنهضة الفنية في مصر.. وتوالت المقالات التي تدعو المواطنين للاكتتاب: الدكتور حافظ عفيفي والأستاذ أمين الرافعي وويصا واصف باشا وواصف بطرس غالي ومحمد حسين هيكل ومصطفى صادق الرافعي ومي وإبراهيم عبدالقادر المازني.. ومن الشعراء مطران وشوقي وأحمد زكي أبوشادي.
وعرض نموذج التمثال بدار جريدة «الأخبار» التي كان يملكها المرحوم «أمين الرافعي» وارتكزت الدعاية لمختار ولتمثال نهضة مصر في نقطتين عبر عنهما صاحب جريدة الأخبار أصدق تعبير.. الأولى: إقناع العالم بأن مصر لا تزال تعنى بالفنون الجميلة فهي ساعية إلى استعادة مجدها القديم.. والثانية: الإعلان عن القضية المصرية بطريقة تلفت الأنظار أفضل من غيرها.. انتهى كلام عميد الأدب العربي والحديث عن الفنان ودور فنه وعالميته.
أين نقابات الفنون التطبيقية والجميلة والشعبية لإعلان الغضب والاعتراض على تجاهلهم، ولا أنتم إيه دوركم؟!


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter