علي سالم | الاربعاء ١٢ مارس ٢٠١٤ -
٥٣:
٠٧ ص +02:00 EET
علي سالم
كان خالي عبده عالما في الاقتصاد وفي الكيمياء العضوية. حصل على الدكتوراه من جامعة موسكو في بداية الستينات برسالته الشهيرة «حتمية الحفاظ على القطاع العام والخطوات الواجب اتباعها لتحويله من خاسر إلى رابح»، كما حصل أيضا من جامعة صوفيا (صوفيا بلغاريا وليست صوفيا لورين) بعدها بشهرين على الدكتوراه في الكيمياء عن بحثه الشهير «التفكير العلمي ودوره في تحويل الفسيخ إلى شربات».
أقام بشقته معملا صغيرا. كان مشروعه وحلم حياته هو تحويل الفسيخ إلى شربات. وفي ندوة تلفزيونية، قال: «إن عظمة الإنسان تكمن في تحدي المستحيل، ولما كانت المقولات الشعبية عن تحويل الفسيخ إلى شربات تقطع باستحالة هذا التحول، إلا أنها مقولات يائسة ومعادية للابتكار والبحث العلمي. (المستحيل) كلمة ليست في قاموسي. اسمحوا لي بأن أعلن بعد بحث علمي شاق ومضن أنني توصلت بالفعل إلى نوع جديد من الشربات مصنوع من الفسيخ، ولقد أطلقت عليه اسم (شرباخ)، وهو يتميز عن الشربات العادي بأنه مهدئ ومضاد للاكتئاب ومقاوم للبرد والأنفلونزا ومخفض للضغط العالي ويرفع الضغط الواطي.. لقد جربته على نفسي وبعض أصدقائي، فوجدناه لذيذا إلى أقصى حد مع بعض المزازة والحموضة، والمرارة التي ستختفي بالتأكيد بكثرة الاستعمال والتعود».
ولم يسأل فيه أحد. وكما يحدث دائما، خطف الآخرون المشروع، دولة عربية اشتراكية شقيقة، قررت استغلال المشروع لكثرة ما بها من أفراح واحتفالات وليالي ملاح. على الفور، قامت شركة أوروبية بعمل دراسة جدوى للمشروع، كانت الأرباح المتوقعة خرافية، تم رصد الميزانية المطلوبة للمشروع، مبدئيا أربعمائة مليون للإنشاءات وحدها، أما المرتبات والحوافز والأجر الإضافي فسيتم صرفها مباشرة من الموازنة العامة.
تم عمل أحواض كبيرة مبطنة بالإسمنت وبعضها بالستانلس ستيل «للبوري الفاخر»، كما تم عمل مزارع سمكية، استوردت الزريعة الخاصة بها من شرق آسيا، كما تم تخصيص 100 ألف فدان في الصحراء لعملية التفسيخ نفسها، التي تحتم أن ينشر البوري على ساحات شاسعة ثم يرش عليه الملح قبل نقله إلى مصانع الشرباخ.
أصيب المشروع بكارثة في البداية، تم تجاوزها على الفور، فقد تم استيراد نصف مليون طن ملح خزنت في الصحراء، وفجأة ساد البلاد طقس بارد لأول مرة من سبعين سنة، أمطرت البلاد بغزارة لمدة ساعتين اختفى الملح بعدها.
لذلك، تم اتخاذ اللازم لنقل الملح بالطائرات من موانئ التصدير، على أن تقوم نفس الطائرات برشه على سمك البوري في منطقة التفسيخ نفسها، خرج الإنتاج إلى الأسواق مع حملة دعاية واسعة، وبعد أن لوحظ في الأسبوع الأول كثرة عدد المنقولين من الأفراح إلى المستشفيات صدرت أوامر، لا أحد يعرف مصدرها - أكيد مسؤول حاقد - استبعاد خالي عبده، ولكن المشروع استمر في الإنتاج، وفي الربح أيضا مع أنه لم يبع زجاجة شرباخ واحدة لمدة عام كامل، وذلك لأن عشرات ملايين زجاجات الشرباخ الموجودة في المخازن كانت ترصد في الميزانيات في خانة إيرادات متوقعة.
خالي لا يعرف اليأس. في مدينة دمياط الجديدة الساحلية، استأجر شقة حولها إلى معمل، مشروعه الجديد هو تحويل مياه البحر الأبيض المتوسط إلى طحينة بني.. كان الله في عونك يا خال.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع