الأقباط متحدون - الكحل أو الرحيل
أخر تحديث ٠٩:٠٩ | الاثنين ١٠ مارس ٢٠١٤ | برمهات ١٧٣٠ ش ١ | العدد ٣١٢٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الكحل أو الرحيل

علي سالم
علي سالم

 ازداد توتري في الفترة الأخيرة، قلّت ساعات نومي وبدأت أرى أشياء لا يراها الآخرون، فبدأت أشعر بالقلق، ولكي لا ينتهي الأمر بي إلى الانهيار العصبي أو ما هو أفظع، رأيت أن أعرض حالتي على طبيب نفسي صديق.. استمع الطبيب إلى شكواي ثم سألني: هل المشكلة هي أنك ترى أشياء لا يراها الآخرون.. أم أنك تراها بشكل مختلف؟ وهل يريحك أن تراها مثلما يرونها بالضبط.. أم أنك تريد منهم أن يروها مثلما تراها أنت؟

 
أجبته: حقيقة، لست أعرف الإجابة عن سؤالك.
 
حدّق الطبيب في عيني طويلا ثم سألني فجأة: ألا تستخدم الكحل؟
 
أجبته في دهشة: وهل الرجال يستخدمون الكحل..؟ النساء فقط هن اللاتي يستخدمن الكحل. ضحك الطبيب طويلا ثم قال لي في ود وكأنه يشرح لطفل صغير: أنت تتحدث عن الأزمنة القديمة، عندما كانت النساء يستخدمن الكحل لتجميل أعينهن، أما الآن فالناس كلهم يتكحلون. صحت في دهشة: لم ألاحظ ذلك..
 
قال: ذلك لأن الكحل الآن لم يعد أسود.. هو كحل عديم اللون، ولم تعد وظيفته تجميل العينين، بل مساعدة العين على أن ترى الأشياء بالضبط كما يراها الآخرون.. ستظل ترى الأشياء بشكل مختلف ما دمت لا تتكحل.. هذا هو سر توترك وقلقك النفسي. أزعجتني فكرة وضع الكحل في عيني حتى لو كان عديم اللون، قلت له ذلك فأجابني: من الأفضل أن تنزعج عدة دقائق في الصباح بدلا من أن تفقد عقلك طول اليوم.. أعدك بأن الكحل سيساعدك على أن ترى كل الأشياء كما يراها الآخرون بالضبط.. ستصبح جزءا من الكل، واحدا من المجموع، فردا في الطابور.. ترسا في الماكينة.. قالب طوب في المبنى.. عند ذلك لا يضايقك شيء، ويزول توترك وتستعيد توازنك النفسي.
 
قلت: ولكني لا أحب الكحل، ولا القطرة، وعيني حساسة جدا للصابون وللضوء الشديد والمناظر الكريهة.
 
فقال بنفاد صبر: اسمع.. لا تحاول الإفلات أو الخروج عن القاعدة.. القاعدة هي.. اللي عاجبه الكحل يتكحل.. واللي مش عاجبه يرحل، هذه هي القاعدة في الحياة.. في الدنيا.. في السياسة.. في التاريخ..
 
قلت له في تحدٍ: يعني أنت لا تريدني أن أتكحل فقط.. أنت تريدني أن أعجب به.. أن أسعد به.. أن أتحمس له..
 
قال: صدقني.. أنا لا أريد منك شيئا، أنا فقط أذكر لك القاعدة لكي تكون على بينة من أمرك..
 
قلت: يا صديقي الطبيب.. لقد ابتعد بنا الحديث عن السؤال.. السؤال هو.. هل ما أراه حقيقي.. أم هو غير حقيقي..
 
أجاب: من وجهة نظر الصحة النفسية، ليس هناك شيء حقيقي وآخر غير حقيقي.. لا أهمية من الناحية العملية للعثور على إجابة لهذا السؤال.. كما أن الإجابة تخرج عن اختصاصي.. عملي هو إعادة التوازن النفسي إليك، الأمر الذي لن يحدث إلا بعد أن تتكحل.. أؤكد لك أنك ستشعر بعدها براحة كبرى... البديل الوحيد هو أن ترحل. يا إلهي.. إلى أين أرحل وعامان فقط يفصلانني عن سن الثمانين.. ماذا أفعل في بلاد الناس؟

نقلا عن الشرق الاوسط

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع