بقلم يوسف سيدهم
تأتي حكومة المهندس إبراهيم محلب بعد رحيل حكومة الدكتور حازم الببلاوي وسط مشهد سياسي واقتصادي وأمني مرتبك,ودعوني قبل الخوض في ذلك المشهد أذكركم بأن ذلك كان ذات الوضع الذي سبق وأن أتت فيه حكومة الدكتور حازم الببلاوي عقب ثورة30يونية والإطاحة بحكم محمد مرسي...
إذا نستطيع أن نقول علي وجه العموم إنه بالرغم من الإخلاص الوطني والنوايا الطيبة والخبرات العديدة للحكومة السابقة إلا أنها افتقدت الإدارة السياسية وسرعة الحسم في التعامل مع الأزمات,فلم يكن مستغربا أن ترحل باعثة الكثير من الارتياح لرحيلها سواء في الدوائر السياسية أو الحزبية أو في الشارع بين الجماهير.
وأذا تأملنا التشكيل الوزاري لحكومة المهندس إبراهيم محلب سنجد أنه يبقي علي عشرين وزيرا من وزراء حكومة الببلاوي بينما استبدل أو أضاف أحد عشر وزيرا فقط وذلك لايمثل تغييرا جوهريا في المجموعة الوزارية للحكومة,الأمر الذي يؤكد علي أن الخلل لم يكن في خبرات أو قدرات أعضاء الحكومة السابقة بقدر ماكان في ضعف وتردد ورخاوة يد رئيسها,وهذا عينه ما يتحتم علي المهندس إبراهيم محلب أن يدركه,أن الأوركسترا لم يتغير كثيرا لكن المايسترو هو الذي تغير وعليه تعقد الآمال في تغيير أسلوب قيادة الأوركسترا بالقوة والحيوية والوضوح الواجبين لتحقيق الخطة والتأثير الإيجابي في الجمهور.
أتصور أنه سيتم وضع السياسات التي تتسم بالعمل الجاد الشاق الذي يتطلق بلا هوادة لبلوغ نتائج ملموسة يشعر بها المواطن المصري,لكن أتصور أيضا أن هذا المواطن يجب التوقف عن تدليله وإفساده بالإسراف في الحديث عن الوعود البراقة نحو تحسين أحواله المعيشية في وقت قياسي...فعلي العكس تماما يلزم تبصيره ومصارحته بأن الواقع متأزم وتراكم المشاكل كئيب والجميع عليهم أن يعملوا بمنتهي الجدية وبلا كلل ولوقت غير قصير قبل أن ينظروا إلي مطالبهم في تحسين الأجور أو الحصول علي المكافآت والمزايا.وفي هذا السياق أظن أنه إذا بادر المهندس إبراهيم محلب بالذهاب إلي مواقع التوتر العمالي حيث الإضرابات جارية وتعطيل العمل جاثم علي صدر المصانع والمؤسسات فليكن ذلك من أجل طمأنه العاملين ومشاركتهم المتاعب التي يعانون منها ولكن مع تحذيرهم بالصرامة والواجبة أن الإضراب وشل العمل والإنتاج لا يمكن أن يكون وسيلة مقبولة لبلوغ أهدافهم أو تحقيق مطالبهم.
ولعل الأوان قد آن لإعطاء المثل الواجب في عدم تدليل وإفساد من يضربون عن العمل ويعطلون المصانع والمستشفيات وسائر مؤسسات الدولة-لأن ذلك لايحدث في القطاع الخاص-فيجب أولا العمل علي تأسيس مجموعات عمل أو كوادر أزمات قادرة علي التدخل السريع لتشغيل الوحدات الإنتاجية التي تشلها الإضرابات لحين إنهاء الإضرابات وعودة العاملين إلي مواقعهم-وذلك يبدو ملحا ومحتما في حالات إضراب الأطباء وإغلاق المستشفيات -كما أنه آن الأوان أيضا لترسيخ مبدأ تقييد حق الإضراب عن العمل بوضع ضوابط تمنع استمراء هذا الحق بلا مسئولية,فالإضرابات يجب أن تكون تحت مظلة النقابات أو الاتحادات العمالية لترشيد مطالبها والتفاوض بشأنها مع المسئولين,كما يجب أن تحدد لها مدد زمنية لاتتجاوزها بحيث تكون فترات التجاوز غير مدفوعة الأجر من جانب صاحب العمل وتتحمل عنه ذلك النقابة أو الاتحاد الداعيين للإضراب والمتشبثين باستمراره...أقول ذلك لأن المشهد الذي نعيشه في هذا الإطار والذي تجئ حكومة المهندس إبراهيم محلب لنتعامل معه هو مشهد عبثي بجميع المقاييس لايتناسب إطلاقا مع بلد يكاد يركع تحت وطأة المشاكل الاقتصادية وارتباك الأوضاع,وهو الأمر الواجب مصارحة المصريين به وتحذيرهم من مغبة الاستخفاف به أو اعتبار أن مسئولية الخروج منه ملقاة علي الحكومة وحدها!!!
كل ذلك مطلوب وبإلحاح حتي يستطيع المهندس إبراهيم محلب أن يركز ويتفرغ من أجل مجابهة قضايا الأمن والاستثمار والتعليم وهي القضايا الجوهرية التي بدونها لايتحقق أي استقرار...هذا في الأوضاع العادية,
فمابالكم وأن ذلك يجب أن يتم بالتوازي مع تقدم مصر علي مسار خريطة الطريق سياسيا,فلا ننسي أننا علي أعتاب الانتخابات الرئاسية التي تستحق أن ينشغل بها المصريون ويشاركوا فيها بإيجابية وفاعلية,والأهم والأخطر ما سوف يتبعها من انتخابات برلمانية محفوفة بالمخاطر ويجب إدارتها بالحكمة والحنكة للوصول إلي بر الأمان السياسي والتشريعي.
إذا فليدرك الجميع أن المهندس إبراهيم محلب لا يأتي حاملا عصا سحرية ولا يستطيع تحقيق معجزات مثلما يحدث في قصص الأطفال أو الخيال...العصا السحرية التي يحملها هي عصا المصارحة والشجاعة والصرامة والحسم...عصا السرعة والقوة والانطلاق..عصا الثواب والعقاب...ذلك عينه ما نحتاجه فكفانا إفسادا وتدليلا وبطءا.