الأقباط متحدون - حوار مع 7 جثث !!!
أخر تحديث ١٣:٤٩ | السبت ٨ مارس ٢٠١٤ | أمشير ١٧٣٠ ش ٢٩ | العدد ٣١٢٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

حوار مع 7 جثث !!!

بقلم: ليديا يؤانس
 
سلامُ لكُم .. جاءني صدي الصوت رهيباً ممزوجاً بعبق الرهبة والخُشوع .. سلامُ لكِ !
أُريد التحدُث معكُمْ .. تحركت الأجساد المُلقاه علي الأرض بِخفة لتُفسِح لي مكاناً وسطهم !
 
جلستُ علي الأرض وسطهُم والألم يُمزق أحشائي،  دمائهم الذكية إختلطتْ مع الرمال فبدت وكأنها حبات ياقوت مُتلألئة تُضيئ ظُلمة العالم مِنْ حولنا، رائحة دماؤهم الذكية المُختلطة برمال الشاطئ نفاذة لها شذي يُسكِر مَنْ يشتمها، البعض مُلقي علي وجهُه، والآخر علي ظهره، وكل مِنهُم فقد جُزء مِنْ جسده أو تشوه جُزء آخر،  هذا بنصف وجه وآخر بدون عين،  وآخر بدون كتف! 
 
المكان خلاء علي إحدي الشواطئ بالبلد المُسمي ليبيا .. البلد المُجاور والشقيق لمصر! 
شاطئ البحر مكان للبهجة والمتعة يجمع بين السماء والبحر والرمال التي تتجاذب وتتباعد في تناغم مع المياه.  ولكن المكان أصبح مُوحشاً خَيّم عليه الضباب والسواد مع نعيق الغربان،  وبالرغم مِنْ ذلك تُشعِرك الجُثث المُلقاه على أرضه برهبة وقُُدسية المكان!
 
جسدي يرتعد بعُنف مِنْ هول المنظر، دموعي تحجرت في عيوني وكأنني أُشاهد فيلماً مُرعباً،  أُريد أن أشاهد الحدث ولكنني لا أستطيع!!!  عيوني تتحرك بسرعة مكوك فضائي بين هؤلاء القديسين المقتولين وبين السماء مُتسائلة وبأي ذنب قُُتِلوُا!!!  
 
إلتفتُ إليهم وثبتّ نظري علي عيونهم المُسالمة وقُلت:
 
مُمكن توصفوا لي ما حدث لكُم وكيف أتيتُم إلي هذا المكان؟
 
نَحنُ أقباط مصريين،  وجئنا للعمل هنا مِنْ أجل لُقمة العيش،  ونَسكُن في شُقق مُتقاربه بنفس المبني.
في يوم 24 فبراير 2014 وجدنا مجموعة مُلثمة تحمل أسلحة بيضاء وآلية تقرع أبوابنا بعنف،  سألونا عن هويتنا، نحن مصريين.   ردوا بإستهزاء "أنعِمْ وأكرِمْ!"  هل أنتُم نَصاري؟  نحن مسيحيين!   قالوا يعني كُفار وتستحقوا كل إللي حيحصل لكم يا أولاد ال ... 
الرُعب والهَلع خَلخَل مفاصِلنا،  الدنيا إظلمت في عيوننا،  تفكيرنا إتشل ولم نجد لنا منفذاً للهرب، قيدونا بالسلاسل وساقونا إلى سياراتهم،  وأنطلقت السيارات في طرق غير أهلة بالسكان،  وأنطلقت معها  الأفكار السوداء تُصور لنا طُرق وحشية ومؤلمة لتعذيبنا وقتلنا!  
وصلوا بنا إلي شاطي بحر ونحن في إنهيار نفسي ورُعب مِنْ المصير المَحتوم الذي نجهله،  أوقفونا في صف ووجوهنا ناحية البحر وهُمْ خلفنا،  وعلي مايبدو أنها "القِبله" بالنسبة لهُم لأننا سمعناهم يصرُخون ويُكبرون وكأنهُم ذاهبون لحرب ضروس!
 
إنتهزنا نحن فرصة إنهماكهم في تقديم فروض عبادتهم لإلهم الشيطان!  وتكلمنا باللغة "القبطية" مع بعضنا وإتفقنا علي أن نُصلي كُلُ في داخلهِ "يارب لا تُدخلنا في تجربة، وإن شئت أن تُجيز عنا هذه التجربة ولكن لتكن لا إرادتنا بل إرادتك."
 
في التَو والحال شَعرنا بالسلام الداخلي وكُلُ مِنا وجد بجانبه ملاك بثياب ناصعة البياض، الملائكة يبتسمون وعيونهم تبعث في نفوسنا الهدوء.  إنشغلنا بالرسائل الغير مقروءة أو مسموعة مِنْ الملائكة نُحاول فِهما!   الأشرار صوبوا آلياتهم علي رؤسنا وأجسادنا،  وفجأة وجدنا أنفسنا في مكان أكثر مِنْ رائع ليس على الأرض! 
 
هل أنتُم غاضبون أو تودون الإنتقام مِنْ هؤلاء الأشرار؟
نحن فقط نَسألهم: لماذا كل هذا ومن أجل ماذا؟   نحن نُحبكم ولم نُسئ إليكم .. لماذا كل هذا ومن أجل ماذا؟   نحن لا نعرفكم ولا أنتُم تعرفوننا شخصياً .. لماذا كل هذا ومن أجل ماذا؟   دمرتُم عائلات، ويتمتُم أولاد، ورملتُم نساء، الحسرة والفجيعة ملأت قلوب أمهات وأباء .. لماذا كل هذا ومن أجل ماذا؟ إذا كان إلهكم يرضيه هذا فهو ما إلا شيطان وليس إله!!!
 
نحن نُصلي مِنْ أجلهم، نحن نُحبهم برغم تَجبُرهم وجبروتهم،  نحن نغفر لهم بالرغم من الألم وبشاعة الجُرم الذي إرتكبوه!  إلهنا يأمُرنا أن نُحب أعدائنا ونُبارك لاعنينا ونُصلي مِنْ أجل مَنْ يضهدوننا ويُسيئون إلينا.
نحن واثقين أن بشاعة مافعلوه ستكون سبب بركة لكثيرين،  وستفتح العيون على بشاعة هذا الفكر الشيطاني،   دماؤنا ستُحول الشر إلي خير،  وستزرع المحبة عوضاً عن البُغضاء والكراهية بين الناس.    
 
في رأيكم .. ما السبب الذي جعل هؤلاء الأشرار يقتلونكم؟
قالوا لا نعلم!  ولكن ربما لا يحبوننا بسبب سلوكياتنا وطريقة حياتنا!
 
كيف؟
واحداً قال: تعاقدت مع مالك عمارة لتشطيب الدهانات بها،  وإتفقت معه على أن الأحد يوم أجازتي  ووافق،  وبعد فترة فوجئت به يطلب مني العمل يوم الأحد وبضعف المبلغ للأيام العادية!  إعتذرت بأن يوم الأحد مُقدس بالنسبة لي كمسيحي فيه أذهب لأصلي بالكنيسة أو المنزل.  قال: "العمل عبادة!"  نعم ولكن المسيح أهم عندي من كل شئ وهو أول أولويات حياتي.   قال:  شغلك عندي إنتهي وإبقي خلي المسيح ينفعك يا صليب ال....    
 
الثاني قال: ثري عرض أن أكون مديراً لأعماله ولكن بشرط أن أغير ديني!  لا ولو علي رقبتي! أنا مسيحي للنفس الأخير ولو دفعت لي مال الدنيا كلها!  قال علي الأقل شيل الصليب من علي ايدك لأنه بينرفزني!  قلت، الصليب ده جوه قلبي وكياني قبل إيدي!  قال أخرج بره يا عظمة زرقاء...
 
الثالث قال: ثري سلمني مفتاح منزله لتركيب سيراميك، وسافر خارج البلد لحين الإنتهاء من العمل،  وأثناء عملي وجدت أوراق ماليه ومجوهرات مبعثرة في أرجاء المنزل. جمعت كل هذه الأشياء ووضعتها في صندوق وسلمتها للرجل حين عودته. الرجل قال إنت جاهل للدرجة، هذه الأشياء قيمتها تصل لمليون ونصف وأنت فقير!  قلت، أعرف ولكن أنا مسيحي!  قال،  سمعت كثيراً عن أمانة المسيحيين ولذا أردت إختبارك...
 
الرابع قال:  حدثت جريمة قتل في المصنع الذي أعمل به، فتم القبض علي العمال وأنا معهم،  وفي التحقيق طلبوا أن نقسم بالله العظيم،  فرفضت وقلت أنا لا أحلف وأقول الصدق!  لم يعجب ردي القاضي، وتم حبسي على أنني القاتل والكافر!  ولكن قبل الحكم النهائي عرفوا القاتل من الصور التي سجلتها الكاميرات!  وتم الإفراج عني، وقال لي القاضي إلهك خلصك لأنك تطيعة حتي ولو على رقبتك ...
 
الخامس قال: صاحب العمل الذي يشغلني طلب مني الإشتراك معه في تشويه سمعة فتاة لأنها تزوجت برجل آخر! رفضت وقلت أنا لا أستطيع أن أشهد زور!  فهددني بقطع رزقي، وحينما رأي إصراري على الرفض،  قال لي أُقدر أخلاقك ياقبطي ....
 
السادس قال: شخص طلبني لعمل سباكه بمنزله،  وأثناء عملي تحجج بشراء بعض المستلزمات وتركني بالمنزل مع أخته،  بدأت المرأة تراودني عن نفسها وبالمصادفه كان معي جهاز كاسيت صغير فضغطت علي زر التسجيل،  وبدأت أهم بمغادرة المنزل،  إلا وأخيها جاء فبدأت تصرخ وتدعي أنني حاولت الإعتداء عليها!   أخوها قال لازم تتزوجها،  رفضت،  فبلغ الشرطه وقدمت بدوري المسجل للشُرطة فثبتت براءتي،  وتمت إدانة الرجل وأخته وقالا لي نفدت من إيدينا يا قبطي ... 
 
السابع قال: شيخ يسكن أمامي وكلما رآني يبصُق علي ويقول كافر ملعون!   كنت أتضايق ولكن أصلي!   وفي يوم لم أراه وكذلك اليوم الثاني. عرفت أنه بالمستشفي، أخذت ورده جميلة وذهبت لزيارته،   وبمجرد رؤيتي شعر بالكسوف والخزي!   قلت له أنا بحبك!   فقام من سريرة يحضني قائلاً إنت ياقبطي طلعت أحسن مني لإن تعاليم دينك أساسها المحبة والغفران.
 
أستأذنت من أصدقائي الجثث أتركهم ينعمُون بما لم تره عين ولم تسمع به أُذن في السماء،   مع صلواتنا أن يُعطي الرب الصبر والسلوان لأهلهُم ولنا،   ونقول لهُم أنتُم أكاليل فخر وبركة علي رؤوس كل المسيحيين والمصريين. 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter