علي سالم | الاربعاء ٥ مارس ٢٠١٤ -
٠٠:
١٢ ص +02:00 EET
علي سالم
ومن بين أصدقائي الذين أحبهم وأرجع إليهم دائما في أصول الحكم وشؤون الدولة، مكيافيللي. وخاصة في كتابيه «الأمير» و«المحاورات» هو ليس رجل دولة فقط، بل هو أيضا فنان يكتب المسرحية الفكاهية وهو كاتب أديب له أسلوب جميل، كما أنه دبلوماسي من طراز فريد.
في كتابه «الأمير» يقول مخاطبا الأمير: «عليك يا مولاي أن تكون أسدا وثعلبا.. أعرف أن ذلك أمر شاق لا ترتاح له نفسك، ولذلك أطلب منك على الأقل أن تتظاهر بذلك.. إن هدفي يا مولاي هو أن أحميك من النصابين».
هذا رجل لا يتخيل أشياء لا وجود لها، وعندما يتكلم عن رغبته في حماية الدولة التي يمثلها الأمير من النصابين، فمن المؤكد أن خبرته الطويلة كرجل دولة أكدت له أن دوائر السلطة العليا تتعرض لهجمات النصابين شأنها شأن أي نشاط بشري آخر.
إن عمليات النصب لم تأخذ حقها من الدراسة، وأنا مهتم بكل عمليات النصب المبدعة لأنها حافلة بعناصر الدراما، وأؤكد لك أن بعض أعمال النصب المبدعة في مصر لا تقل إبداعا عن الأعمال الفنية الشهيرة وخاصة في المسرح، وأنا أعتقد أنني لو لم أكن مسرحيا، لكنت نصابا شهيرا تحكى عنه الحكايات.
رجل السلطة بوجه عام لا يتصور قدرة أي نصاب على اختراق حصون دائرة الحكم العليا، هو يستبعد الفكرة أساسا وهذا هو بالضبط ما يسهل عمل النصاب لأنه يتيح له التسلل إلى المكان بنعومة في غيبة عنصر الحذر من الجميع، إلى أن تحين الفرصة ليضرب ضربته، أو بمعنى أدق لتحقيق «النصباية» التي تشعره باللذة والانتصار. والنصاب، أي نصاب مهما بلغ حذره وإتقانه لعمله لا بد أن ينكشف أمره، نظرا لثقته الزائدة في نفسه، التي تدفعه إلى المبالغة الممجوجة، فينكشف أمره على الفور. وهنا يقول المثل الشعبي معلقا في عبقرية نادرة «سأله: كيف عرفت إنها كذبة؟ فأجاب: من طولها وعرضها» هذا هو الخطأ الذي يقع فيه الكاذب النصاب دائما، وبعد أن تحدث الواقعة تجد السلطة نفسها أمام خيارين؛ الأول هو أن تشعر، بدافع من الخجل، أنها مطالبة بالدفاع عنه أمام الرأي العام، هذا هو الخطأ الشائع الذي يظهر السلطة وكأنها شريكة في عملية النصب، ويترتب على ذلك أن تدفع هي الثمن وليس النصاب.
أما الخيار الثاني، وهو ما أراه الخيار الصحيح، فهو أن يفتك الأمير بالنصاب، أن يتم التحقيق معه وكشف كل «نصباياته» وأن تتم محاكمته وأن يتم ذلك كله في وضح النهار. هكذا تصل الرسالة بوضوح لكل الناس: نحن لا نحمي الفساد والمفسدين، ولن نسمح لأحد أن يخطئ في حق الشعب مهما كانت درجة قربه منا.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع