تعيش مصر، منذ فترة، عصر انتخابات واستفتاءات متتالية، وتعيش معها زمنًا من الجنون واللا منطق.. والخطر هو أن يأتى اللا منطق بنتائج لا منطقية. ونتأمل..
أكثر من ٥٢% يعيشون تحت خط الفقر. والمطلوب من مرشح النواب ألفا جنيه رسم ترشح ورسم نظافة، فيستبعدون من حق الترشح.
فى النواب يدفع المرشح ألفى جنيه وفى انتخابات الرئاسة يدفع فقط ألفا. سقف الإنفاق فى الرئاسة عشرة ملايين، وطالبوا زيادتها لعشرين. سؤال من يمتلك من المرشحين عشرين مليوناً أو عشرة؟ ونسبة التبرعات لا تزيد على ٢%. فكيف سيغطى المرشح النفقات؟ والمعلوم أن تدفق الأموال الأجنبية قد بدأ، فهل ثمة تعقب لها، كى نعرف من أين؟ ولمن؟ وكم؟
العقوبات على تلقى الرشاوى الانتخابية فى الرئاسة غرامات. فيأخذ المرتشى من الخارج، ويدفع الغرامة مما يتلقاه.. يعنى «من دقنه وافتل له حبل». ولماذا شطبت عقوبة الحبس؟ ولماذا لا يشطب المرشح المرتشى؟
أنا وغيرى كثيرون، وقبلنا جميعاً أجهزة أمنية لديها أرقام، ومن أين؟ ولمن؟ وكم؟ عما حدث فى الماضى، فهل تسكت كما سكتت فى الانتخابات الرئاسية السابقة؟
الدستور قلص سلطات الرئيس، وحاصرها لحساب النواب. فماذا لو أتى نواب أغلبيتهم أنفقوا مئات الملايين؟ وماذا لو تصدى أغنياء الأغنياء من النواب لمحاولات الرئيس فى تحقيق «عيش- حرية- عدالة اجتماعية- كرامة إنسانية»؟ وماذا لو اختاروا رئيس وزراء مثلهم؟ وماذا لو صوتوا لحساب من مولهم؟ والناس لا تعرف إلا الرئيس. وقد سئموا من الجوع والفساد والإفساد والبطالة وفشل الحكومات وعجزها عن مواجهة جشع المليارديرات؟
البعض من الأحزاب المدنية تمتلك بعضاً من مال، ويخيل إليها أنها قادرة على أنفاق يمكنها من الحصول على مقاعد كثيرة، وهؤلاء لا نخشاهم، بل نخشى عليهم من منافسين سينفقون أضعاف أضعاف ما تنفقه هذه الأحزاب. وفى المزاد الانتخابى يكسب المقعد من ينفق أكثر. فمصر بالنسبة لأمريكا وطهران وتركيا وقطر والاتحاد الأوروبى تساوى كثيراً جداً جداً.
تلال الأموال جاهزة من أكثر من مصدر، والإخوان جاهزون بالخلايا النائمة وبالمتأخونين الذين يجرى التربيط معهم. والبعض ممن وقفوا ضد ٢٥ يناير- تم خلعهم من دائرة النفوذ- ثم تظاهروا بتأييد ٣٠ يونيو بأمل أن يعودوا إلى النفوذ. وهؤلاء وأولئك لن يصوتوا فى البرلمان مع حتمية العدل الاجتماعى، بل ضدها، فهل تتفجر مصر فى فترة قادمة بثورة جياع لا تبقى ولا تذر؟
وبعد كل هذه المفارقات المخيفة أسأل: هل ثمة عقل وبعض منطق ينصفان حق الفقراء فى الترشح، ويضع عقوبات حاسمة وصارمة وقاصمة لمن يرتشى من الخارج أو الداخل ولمن يحول الناخبين إلى مرتشين! إنفاق محدود ومحدد سقفه القانونى، ويتلاءم مع شعب أكثر من نصفه فقراء، وإصرار على فضح التمويل الخارجى والداخلى. وقانون يشطب كل من يفعلها.
وأخيرًا، فى عام ١٩٥١ وضع خالد محمد خالد روشتة لإنقاذ مصر مما بها من فساد، وصاح فى الختام: «هذا أو الطوفان!» ولم يهتم الحكام، فجاء الطوفان بعدها بعام واحد، فهل تعقلون، أم الطوفان تنتظرون؟
نقلا عن المصري اليوم