الأقباط متحدون - أنا.. و«المستشار».. وهواك!
أخر تحديث ٠٧:٤٩ | السبت ١ مارس ٢٠١٤ | أمشير ١٧٣٠ ش ٢٢ | العدد ٣١١٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أنا.. و«المستشار».. وهواك!

مفيد فوزى
مفيد فوزى

أنطوى على احترام رجال القانون منذ زمن بعيد. منذ عرفت أحدهم فى مطلع العمر فى بنى سويف وكان من «القضاء الواقف» شديد الاستقلالية وظل مخلصاً للمحاماة حتى مات. غازلته المناصب فازداد تشبثاً بالروب الأسود. كان الأستاذ يواقيم غبريال المحامى قد شارك فى صياغة أول دساتير مصر. رأيته مرة وأنا صبى فى المحكمة يترافع، وكنت أحبس أنفاسى أثناء المرافعة حتى نطق القاضى الجليل بالحكم. مشهد قابع فى رأسى يطفو على السطح كلما رأيت محامياً- فى هذا الزمن- يشتريه محامى الخصم أو قاضياً متدنى السلوك.

استدعيت هذه الذكريات من مرقدها وأنا فى الإسكندرية ضيف فندق شهير يطل على بحر سيدى بشر ويملكه «مستثمر قطرى». وجئت بدعوة كريمة من طبيب متخصص فى أحد فروع الجراحة النادرة «جراحة الأطفال الرضع». طلب الرجل منى أن أكون متحدثاً واخترت موضوع «خبرات حياتية» بعد أن طال السأم الناس من السياسة وسنينها. وكما كنت إنساناً محدداً فقد اتفقت على زمن الندوة ومكانها فى الفندق ونوعية جمهور هذا التجمع ونزلت من غرفتى متحمساً للقاء، فقد تعودت على الجمهور السكندرى وأسئلته غير الاعتيادية.

دخلت القاعة التى تناثرت فيها الموائد، والجمهور ساكن يترقب، وتوجهت إلى المنصة وإن كنت أفضل أن أستخدم كلمة أخرى غير «المنصة» بعد أن ساءت سمعتها وصارت كريهة، وعندما كنت أهم بالجلوس لاحظت أن شخصاً يحتل مساحة كبيرة من الفراغ وقد انكفأ على المائدة المستطيلة ولم أتبين ملامحه فألقيت السلام فغمغم بالرد ولم يقف كجنتلمان للتحية، وعرفت بعد ثوان أنه المستشار حاتم بجاتو ولم أفهم سبباً لوجوده ولأن الطبيب الذى دعانى ليس احترافياً فقد ترك المسألة تمضى دون فهم الأدوار، لكننى قلت إنه شخصية عامة أو يمت بصلة لمنظمى الندوة. وأخذت أربط بين إشارات متناثرة.. مستثمر قطرى يملك الفندق ووزير إخوانى، وربما كان الداعى متعاطفاً مع التيار الإسلامى، فكم من الخلايا الإخوانية النائمة «الراقدة فى الدرة» لها وجود. طيب وأنا مالى بهذه التركيبة وما كدت أجلس حتى اندفعت أقول بثبات: «الراجل اللى قاعد شمالى ده، لما كنت فى حوار على شاشة صدى البلد مع المتألقة رولا خرسا استأذنتها فى دقيقة أتكلم مع الله «!» فقالت اتفضل بين دهشة وذهول.. ورفعت رأسى للسماء وقلت: يا رب اغفر للمستشار حاتم بجاتو أفعاله. اغفر له ضعفه البشرى للاستوزار لقد كان ترزى الإخوان يوماً فكوفئ بالوزارة، ربما كان يتصور أن الإخوان سيحكمون ٤٠٠ عام فاستجاب للمكافأة بعد أن زرعهم فى أرض مصر بسيناريوهات سيكشفها التاريخ. لم يتخيل بجاتو أن عمر الإخوان أقصر مما تصور، اغفر له هذا الرهان الخطأ». ثم قلت: أسمع أسئلة حضراتكم ولكن المستشار كان يرد على نقطة فاضحة فى تاريخ مصر وهى حرمان قرى مسيحية من التصويت لترجيح كفة مرسى العياط. كان بجاتو يشرح ويفند وينهى الفضيحة بأن الإدارة لم تتلق بلاغاً واحداً يفيد عرقلة خروج المسيحيين من بيوتهم للتصويت فى تلك القرى المحددة بالاسم، وأثناء «مرافعة» بجاتو عن زمن الإخوان وانتخاباتهم «النزيهة» «!» نقلت نفسى من المائدة المستطيلة إلى مقاعد المتفرجين وفهم الحاضرون «الرسالة»، وقالت لى إحدى السيدات الفضليات «جئنا لنسمعك، ففهمنا أنك جئت لتحاور المستشار». وهنا انتبهت للفخ وأدركت أن الندوة اختارت لى دور «المحاور» لا «المتحدث»، وقلت للسيدة الفاضلة همساً: أنا لا أحب تجميل الوجوه القبيحة قد يجملها النسيان أو الزمن، وقد يزيدها قبحاً، لكنى أحب- مهنيا- أن اختار من أحاوره ولا يفرض علىّ، فأنا كنت على استعداد للتحاور مع بطرس غالى الكبير أو عبدالعزيز حجازى أو د. مصطفى سويف إن فى المهنية قدراً من المشاعر الشخصية. وبهدوء انسحبت من المكان وفتحت تليفونى المغلق وتذكرت حوارى مع المتحدث الرسمى للمحكمة الدستورية العليا المستشار ماهر سامى فى «المصرى اليوم» حين سألته: ما رأيك فى قبول المستشار بجاتو منصب الوزير فى حكومة هشام قنديل، وقال ماهر سامى: «يتحمل مسؤولية ومردود اختياراته». كان المستشار سامى لبقاً وشديد الكياسة ويحافظ على زمالة العمر وهو يعلق على قبول المكافأة. وياليت المحامى الكبير شوقى السيد كان حاضراً هذه الندوة لكان بأسانيده القوية الشاهدة على نجاح أحمد شفيق أشبه بوابور الزلط يدوس الحصا والحجر ويسفلت طريقاً ملأته القمامة والنقر.

مرة ثانية وثالثة، ما كنت سأقبل فكرة «التحاور» مع المستشار وعندى أسبابى وهى معلنة للجميع، وكنت أتمنى من حاتم بجاتو الصمت الساكن بدلاً من الصمت الثرثار، الناس يعرفون أن حاتم محمد عبدالله بجاتو كان فى منصب الأمين العام للجنة العليا للانتخابات، وكنا ننتظر بياناته على مدى شهور، وبعد أن صار د. مرسى العياط رئيساً لمصر وكان قبول بجاتو وزيراً للشؤون القانونية والنيابية، وهو الذى قال إن الرئيس مرسى «حريص على استقلال القضاء».

وحاتم بجاتو هو من سمع بأذنيه هتافات أمام المحكمة الدستورية تقول «إدينا يا ريس إشارة وإحنا نجبهملك فى شكارة»! الحصار الدامى والهتاف البذىء الذى أبكى تهانى الجبالى وأبكى ماهر سامى وكل قاض فى عروقه دم. ويوم سئل المستشار بجاتو لماذا قبلت المنصب؟ قال «للدفاع عن استقلال القضاء والحقوق والحريات»! الغريب أن «حماه» نصحه بعدم قبول الحقيبة الوزارية، ولكن «عبده مشتاق» حسم الأمر. لقد كان المستشار. ونحن نرصد تاريخاً، ينفى ليل نهار صلته بالمرشد محمد بديع أو بالقيادى عصام الحداد، حتى وصل الأمر إلى إعادة المستشار بجاتو لهيئة مفوضى المحكمة الدستورية بقرار من الرئيس عدلى منصور، طعن فى مشروعيته النائب حمدى الفخرانى. كان المستشار بجاتو يخاطب مرسى: «اتفضل يا باشا» بعد أن حلف اليمن أمام الرئيس يقول بصوت مسموع: متشكرين يا باشا!

ما أصدق الكاتب الرصين خالد السرجانى الذى قال «لقد وضح للإخوان المسلمين ضعف كوادرهم القانونية بما لم يمكنهم من تشريع القوانين المطلوبة، وكان لابد من الاستعانة بـ«صنايعية أسطوات» فاستعانوا ببجاتو الذى وضع مرسى على كرسى الرئاسة.

ما أصدق الكاتب حسن نافعة فى إحدى «تجلياته» حين قال إن تعيين بجاتو وزيراً أمر مثير للشبهات، يبدو الأمر وكأنه «مكافأة العمر» على أدوار معينة قام بها للإخوان المسلمين سواء فى المحكمة الدستورية أو أثناء عمله فى اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، كان رجل الإخوان فى المحكمة الدستورية ورجلها فى اللجنة العليا للانتخابات، وأنهى نافعة توصيفه بأن هذا التعيين «لا يضيف له بقدر ما يخصم من رصيده».

ومازلت لا أعرف من هو هذا الرجل الذى كان يجلس على شمالى: هل هو المستشار حاتم بجاتو، عضو المحكمة الدستورية العليا رفيعة المقام، أم معالى الوزير بجاتو فى حكومة قنديل «مدير مكتب وزير الرى محمود أبوزيد سابقاً»، أم العائد إلى مفوضية المحكمة الدستورية، أم هو المواطن المصرى حاتم محمد عبدالله بجاتو الذى سيحكم التاريخ على مسيرته. و... ورحم الله المستشار فتحى نجيب رئيس المحكمة الدستورية العليا يوم كانت ذات عصر الحصن الحصين.

إضافات:

١ - هو لن يسقط، لأنه فى القاع!

٢ - للموت جلاله، وقد راق لى جداً قرار النجمة الكبيرة ميرفت أمين حين جعلت العزاء فى والدتها فى بيتها لا فى سرادق أو جامع ومنعت التصوير تماماً. لهذا لم ألمح المصور الدؤوب سيد شعراوى الذى يدخل من حيطان أى مكان فى أى مناسبة فى أى ساعة.

٣ - كان نجيب محفوظ يقول لى «أنا لا أخاف الموت ولكنى أخاف المرض».

٤ - لحظة الكتابة عندى فى الفجر حيث شريط رأسى لم يكن قد سجل شيئاً من صخب الحياة.

٥ - بجوار أقراص الدواء والحقن، كانت ترقد دواوين صلاح عبدالصبور والأبنودى والبياتى ونزار.. أتحدث عن عبدالحليم حافظ الذى يشكل عصراً من الغناء.

٦ - المؤسسة الزوجية= مجموعة تنازلات على مر العمر!

٧ - قالوا لى: فى الصعيد إذا مات رجل، لا يحلق أحد ذقنه حتى وقت معين، ولا يطبخ بيت الجيران «ملوخية»، وإلا اعتبر هذا «شماتة فى الميت».. ظلام الجهل أشد سواداً!

٨ - كابتن. طاهر أبوزيد: ضربة جزاء!

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع