عرض / سامية عياد
المجهول.. هو أكثر الأمور إثارة لخوف الإنسان وشعوره بعدم الأمان، ومن هنا استمد الموت رهبته إذ أنه بوابة يعبر منها الإنسان الى قمة المجهول ، نيافة الأنبا يوسف أسقف تكساس قال أن الخوف من المجهول هو المحور الأساسى الذى ارتكز عليه كل اختراع للأنسان وكل تقدم علمى ، فعلوم الطب تهدف الى أقصى تأجيل ممكن لمواجهة الإنسان للموت ، بينما تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التى تتطور تطورا رهيبا تهدف الى ازاحة الستار عن كل ما هو مجهول حتى صار الشعار السائد هو المعرفة قوة والبقاء فى ظلمة المجهول هو الضعف.
لقد صار المجهول جزءا لا يتجزأ من التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية ، فالخرائط وإرشادات الاستعمال ومكونات المواد الغذائية المطبوعة عليها والنشرات الإخبارية وما الى ذلك تهدف جميعها الى تجنب الإنسان مشقة اكتشافه للمجهول وزيادة الشعور بالأمان ، بل نجد أن الإنسان قد يتجه الى التنجيم وقراءة الطالع لمعرفة المجهول كما يظن .
لكن إذا كان قانون العالم القائم على البرهان والضمان قد انطبع بشدة على الكيان الإنسانى حتى جعل كل منظومته تنص على "لا تخرج قبل أن تعرف أولا ما أنت خارج إليه" ، فإن قانون السماء الذى لا يقيم وزنا للمجهول الذى ينص على "اخرج أولا بحركة الإيمان وبعد ذلك تأتى المعرفة" ، السيد المسيح نفسه قد أكد على أسبقية الإيمان على المعرفة والفهم عندما قال لبطرس "لست تعلم أنت الآن ما أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد" ، إبراهيم رجل الإيمان قد وعى هذا القانون فخرج وهو لا يعلم الى أين يأتى ، موسى النبى لم يشترط على الله قبل الخروج أن يمده بخطة العمل والبرامج المسبقة والجدوال الزمنية وخارطة الطريق بل اشترط عليه "إن لم يس وجهك فلا تصعدنا من هنا".
فى حضور وجه الله المستمد من الصلاة القلبية الدائمة الضمان الأوحد الذى يبدد كل خوف من المجهول ، يقول المزمور "وأنا بليد ولا أعرف ، صرت كبهيم عندك ولكنى دائما معك" ، الإيمان وحده تتحطم عند صخرته كل معرفة الإنسان وتدابيره ، الإيمان يهييء الطريق لحياة التسليم الوديعة ، بدونه لا نستطيع أن نرضى الرب ، هيا نطلب من الله القدوس أن يعطينا ثمرة الإيمان الذى به نبدد كل خوف من المجهول.