الأقباط متحدون - بؤساء الصعيد!
أخر تحديث ١٩:٤٢ | الثلاثاء ٢٥ فبراير ٢٠١٤ | أمشير ١٧٣٠ ش ١٨ | العدد ٣١١١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

بؤساء الصعيد!

بقلم منير بشاى
    فى سنة 1862 نشر فيكتور هوجو روايته الشهيرة "البؤساء"  Les Miserables وهى تعكس حالة المجتمع الفرنسى فى الفترة التالية لسقوط نابليون حيث انتشر الفساد وغابت العدالة.  والرواية تتناول بالتحليل عددا من الشخصيات تعبر عن نماذج بشرية فى الحياة لتلك الفترة.  من هؤلاء كانت شخصية بطل الرواية جان فالجان وهو رجل فقير سجن بسبب سرقة رغيف خبز ليقتات به هو وعائلته. 

ونتيجة السرقة حكم عليه بالسجن 5 سنوات امتدت الى 19 سنة بسبب محاولته الهروب المتكرر من السجن. 

وفى مقدمة الرواية يذكر هوجو هدفه من الرواية، ومنها هذه الكلمات "تخلق العادات والقوانين فى فرنسا وضعا اجتماعيا هو نوع من الجحيم البشرى.  وطالما توجد لا مبالاة وفقر على الارض تصبح هناك ضرورة لمثل هذا الكتاب"

    مضى 150 عام تقريبا على نشر رواية "البؤساء" فى فرنسا.  ولكننا اليوم بصدد بؤساء من نوع جديد يعيشون فى صعيد مصر وهم يعانون فعليا هذا الجحيم البشرى الذى كتب عنه هوجو فى مقدمة روايته.  هؤلاء بشر حقيقيون يعيشون على مسرح الحياة، وليسوا كما فى رواية هوجو نتاج خيال كاتب فى رواية تتمتع بقراءتها او مشاهدتها على المسرح.  رواية هوجو منحت صاحبها أعظم تقدير فى الادب، بينما قصص بؤساء أقباط صعيد مصر تدمغ مجتمعهم باكبر وصمة فى (قلة) الأدب.

    الاعتداءات على الكنائس والبيوت والمتاجر للاقباط فى قرى الصعيد مثل دلجا والحوارتة والديابية ونزلة عبيد وساحل سليم ودير مواس والبدرمان وغيرها تكاد تصبح اعمالا يومية.

وفى جو معبأ بالكراهية لا تحتاج سوى شرارة صغيرة ليحدث الانفجار فيتحول ما كان مجرد حادث فردى شخصى مثل فتاة مسلمة تقع فى حب شاب مسيحى الى عقاب جماعى ضد كل اقباط القرية. والمصيبة ان الاعتداءات غالبا لا تلقى صدى من الأمن ربما سوى التشجيع من بعض العناصر داخل الأمن نفسه التى تتواطأ لصالح الارهابيين.  وعندما تزداد شكوى الاقباط وتضطر قوات الامن للتحرك غالبا ترسل هذه العناصر اشارة من داخل الامن الى الارهابيين للهرب المؤقت من مسرح الحوادث ثم تعود مرة اخرى بعد مغادرة الامن. 

وفى النهاية يكون دور الامن فرض صلح عرفى على الجميع يضطر فيه الاقباط المعتدى عليهم الى التفريط فى حقوقهم مقابل ان يتمتعوا بسلام وقتى.  واحيانا يجبر الامن الاقباط على تنفيذ شروط مجحفة مثل ان يهاجروا بلادهم التى عاشوا فيها منذ الاجداد تاركين بيوتهم وارضهم واعمالهم ليعيشوا فى اماكن اخرى دون ان يكون لديهم المال الذى يمكّنهم من الحياة.

    حالات الخطف وتحصيل الفدية اصبحت سيفا مسلطا على رقاب اقباط الصعيد.  وفى الظروف الاقتصادية المتردية اصبح فرض الفدية مهنة يقتات منها البلطجية الذين للاسف يتحركون تحت حماية شركاء لهم داخل قوات الامن.  الأعداد اصبحت مهولة ويعتقد البعض انها بمعدل حالة اختطاف كل 12 ساعة. 

وهى عملية ذات حدين احدهما الاغتناء على حساب هؤلاء البؤساء والثانى افقار اقباط الصعيد باجبارهم على دفع اتاوات تصل الى ملايين الجنيهات تضطر معها أسر الضحايا الى بيع ارضهم وبيوتهم والاقتراض من الاقارب والاصدقاء.  وفى حالة العجز عن الدفع تكون النتيجة قتل المخطوف.

    ولا يوجد اصعب من ان يرى اقباط الصعيد بناتهم القصر يستهدفون للخطف والاسلمة القسرية  بل امتد الخطف لسيدات بالغات مع اطفالهن باستخدام اساليب لا يقرها عرف او قانون مثل الاستدراج والخداع والتغرير والاجبار فى ضوء الغاء جلسات النصح وتحت سمع وبصر السلطات بل وحمايتهم.
    بؤساء اقباط مصر عامة والصعيد خاصة يعانون ما لا طاقة للبشر. 

وقد وجدوا انفسهم مؤخرا فى موقف لا مخرج منه.  فبعد اسقاط حكم الاخوان وفض اعتصامى رابعة والنهضة، انطلقت جماعة الاخوان والموالون لهم كالثيران المجنونة فى عمليات عنف نال الاقباط منها النصيب الأكبر.  كانت استراتيجية الاخوان تراهن على ان الاقباط سيقابلوا العنف بعنف مقابل وبالتالى تحدث فتنة طائفية يستطيعوا من خلالها ان ينفذوا لاسترداد الحكم.  ولكن الاقباط فطنوا للطعم المقدم لهم ورفضوا ان يستخدمهم الاخوان لتحقيق اهدافهم.  ونتيجة ضبط النفس هذا لاقى الاقباط امتداح الجميع على وطنيتهم وتضحياتهم وتغليب صالح الوطن فوق ما يعانوه من ارهاب.  ولكن المعاناة زادت والدولة ما تزال تجازى الاقباط بمزيد من المديح دون ان تحرك ساكنا فى محاولة وقف او حتى التخفيف من معاناتهم.

    عار على الوطن ان يبرر اخضاع المستضعفين من المواطنين الأقباط للمذلة بدعوى انها برهان وطنيتهم.  وطنية الاقباط يجب ان يقابلها محاولة جادة من الدولة لرفع معاناتهم، وليس تركهم فريسة سهلة  للمجرمين.  وفى ضوء هذه اللامبالاة من جهة المسئولين، واذا اضطر قبطى للدفاع عن نفسه وعرضه، أتمنى ان لا يوصم هو، أو الاقباط جميعا، بنقص فى الوطنية!
 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter