علي سالم | الاثنين ٢٤ فبراير ٢٠١٤ -
٣١:
١٠ ص +02:00 EET
علي سالم
عبد المنعم مدبولي أستاذ الكوميديا الهزلية (Farce) رحم الله الجميع، في إحدى مسرحياته القديمة، وفي مشهد يلعب فيه دور المحرر الذي يملي خبرا ليس متأكدا من صحته، قال وصف الشخص المقصود: وبدأ يفكر ويفكر.. ثم أخذ يفكر ويفكر..واستمر يفكر ويفكر.. ثم طفق يفكر ويفكر. ثم ظل يعزف هذه التنويعات، بينما الجمهور ينفجر في الضحك. قوة النكتة هنا مصدرها أن عملية التفكير ليست مقصودة لذاتها، ولا تهم الناس في شيء، وأن الهدف من التفكير هو الوصول إلى الفكرة وطرحها على الناس. ليس مهما أن تعرف الناس أنك مفكر أو تفكر، المهم هو ما تصل إليه من أفكار تجعل الحياة بالنسبة لهم أكثر سهولة.
ما يميز صاحب أي فكرة هو «الاهتمام». سنتوقف هنا للحظات لفهم هذه الكلمة لنتعرف على أبعادها وعناصرها كما حددتها اللغة العربية، فيها الهم وفيها الهمة كما أن فيها أيضا قوة الرغبة العاطفية والانفعالية «هم بها وهمت به» وفي غياب هذه العناصر لا توجد فكرة ولا تفكير ولا مفكر ولا يحزنون. توجد فقط أفكار باردة شائعة وسقيمة من نوع «من حفر لأخيه حفرة وقع فيها» و«يا بخت من بات مغلوب ولا بات غالب» و«هنيئا لك يا فاعل الخير».. المطلوب هو تدمير مصر وجيشها وتفتيتها وتقسيمها.. إلخ.. إلخ.
الفكرة هي الفعل الصحيح وقد عبر عن نفسه في كلمات. ومن الطبيعي أن تكون جديدة، أي ليست مطروحة في الأسواق، غير أن الوصول إليها يتطلب استعراض كل ما هو قديم في سوق الأفكار لتفادي كل ما أدى إليه من خسائر. الفكرة إذن تفتح الباب على مصراعيه أمام الناس للدخول في مرحلة جديدة يكونون فيها بفضل الفكرة الجديدة أكثر قوة وقدرة على حل مشكلاتهم.
غير أن جمال الفكرة وصحتها ليستا ضمانة بتنفيذها على الوجه الأكمل، بل لا بد من تفعيل عنصري الاهتمام والهمة لنجاحها، لا بد من تمهيد الأرض لها، وإحاطتها بكل عناصر الحماية. الحياة في نهاية الأمر ليست أكثر من رحلة على الأرض، تماما كتلك الرحلة التي قامت بها جماعة من الشبان المصريين لتسلق جبال سيناء في منطقة سانت كاترين، كانوا جميعا مسلحين فقط بالرغبة في الرحلة وليس بالأدوات التي تكفل لهم الاستمتاع بالرحلة والإفلات من أخطارها. لذلك مات أربعة منهم بفعل البرد والعاصفة الثلجية.
لم يهتموا بدراسة المكان ولا احتمالات الأخطار المتوقعة، وكأن الفكرة ستقوم بتنفيذ نفسها بنفسها. هناك جملة شهيرة وهى دعاء أيضا نقوله في مواجهة الخطر «استر يا رب.. ربنا يستر» نعم.. الله سبحانه وتعالى هو الساتر وهو الحامي، ولكن يسبق ذلك أن تقوم أنت بستر نفسك وحمايتها. يا لعبقرية المقولة الشعبية على لسان الذات الإلهية: «اسع يا عبد وأنا أسعى معاك» هذه المقولة هي أخطر المفاتيح لفهم طبيعة رحلتنا على الأرض.. لا بد أن نسعى نحن أولا كبشر.. عندها ستتدخل إرادة الله لإنجاح مسعانا.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع