في أحد أحاديثه الخاصة للإعلامي المتميز "عمرو أديب" قال الفريق سامي عنان: أن أهم أسباب (فشل) المجلس العسكري و(نجاح) المشير عبدالفتاح السيسي، أن الأول كان – ولايزال - عديم الخبرة في التعامل مع الإعلام، بينما عرف السيسي كيف يتواصل مع المصريين من خلال الإعلام. عبارة الفريق عنان (صادقة وخطيرة)، من وجهة نظري، بل إن خطورتها تكمن أساسا في صدقها. ورغم أن هناك العديد من العوامل الأخري - التي يطول شرحها - أدت إلي فشل الأول ونجاح الثاني، تظل هذه العبارة تحديدا هي " مفتاح سر " السيسي، والذي سنعود إليه دائما لنفهم الأحداث القادمة في بر مصر. الخطورة التي أقصدها هنا تتعلق بهذا السؤال : من الذي يميل المصريون إلي تصديقه أكثر اليوم؟ .. الفنان أم الإعلامي أم الشيخ أم المشير؟ .. وهو سؤال "في الهوية" وليس عنها أو حولها.
وسبب هذه الخطورة هو أن " الحقيقة " لن تصبح من الآن فصاعدا هي المصدر الأساسي للصدق، وإنما " من يقولها " .. بمعني أن الفكرة المثالية الشائعة التي تقول بأن : : الحقيقة تتحدث عن نفسها أو تفرض نفسها بنفسها ...
ستذداد سذاجة وبلاهة في المستقبل. لن يوجد إعلامي في مصر – بعد اليوم - حتي لو أخذ شهرة وسخرية " باسم يوسف "، أو شيخ مفوه حتي لو كان " الشعراوي " أو " القرضاوي "، أو نجم من وزن " عمر الشريف " الذي تتدفق أشعة الليزر من عينه وصوته، يستطيع أن ينافس (كاريزما) المشير السيسي. وربما لهذا السبب أدرك الغرب قبل غيره – الذي يملك ترسانة من النظريات العلمية في علوم النفس والإدراك والتواصل والاتصال – أن الحل لن يكون في الصدام معه وإنما محاولة احتواء شعبيته بكل السبل، بعد أن (جربت) قناة الجزيرة كل السبل وفشلت فشلا ذريعا في تشويه صورة السيسي (الخائن) و(الانقلابي) و(العميل)! وبالمناسبة ... من أطرف التعليقات التي قرأتها حول هذه الاتهامات ما كتبه (أشرف السعد) صاحب أشهر شركات توظيف الأموال الإسلامية في الثمانينيات من القرن العشرين : " إذا قال لك الإخوان أن السيسي خائن وعميل .. قل لهم : الله يخرب بيت اللي عينه (دنيا وآخرة) هو وأهله وعشيرته! ".
الغرب يدرك منذ الأربعينيات في القرن العشرين أن التأثير في الجماهير واقناعها وحشدها " صناعة محكمة " وأن هناك ثلاثة مقومات لهذه الصناعة : " الشخصية الأخلاقية (للراسل) والحالة العاطفية للجمهور (المرسل إليه) وأخيرا منطق الحجة في (الرسالة)، ورغم تأكيد (أرسطو) في كتابه " الخطابة " علي أن " منطق الحجة " هو أهم هذه المقومات الثلاثة إلا أن العلوم المعرفية الجديدة أثبتت أنها أضعفها! لذا تظل شخصية (الراسل) وحالة (المرسل إليه) هما الأساس في هذه الصناعة اليوم.
من الأشياء اللافتة للنظر ولها دلالة كبيرة ما أعلن عنه أمس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء : أن المصريين زادوا (مليونا) في ستة شهور (3 يوليو 2013 إلي فبراير 2014) أي بعد ثورة 30 يونيو التي أطاحت بالمعزول والإخوان! .. ورغم الإرهاب والخراب والدمار وعدم الاستقرار والافتقار للأمن والحالة الاقتصادية المتردية. وقد يقول قائل أنه (الفراغ) والبطالة أو إنها (أرخص ليالي) وأرخص متعة للمصريين كما سماها عملاق القصة القصيرة يوسف إدريس، ربما، لكنني أتصور أن (الخوف) لم يعد له أي مكان في نفوس المصريين بل أصبح يهابهم .. أي والله ..
وتلك ميزة كبري سنجني ثمارها لاحقا وهي مؤشر جيد جدا علي : من هو القادر علي قيادة المصريين في المستقبل؟ ومن هو الذي أنحصر دوره في التأثير عليهم؟ بكلمة واحدة : لقد فقد (رجال الدين) تأثيرهم علي المصريين ولم يعد تخويفهم من " الموت " والحديث عن (جهنم في الآخرة) يستطيع السيطرة علي وجدانهم ونفوسهم – بعد ما شاهدوه وذاقوه – ولم يعد " عذاب القبر " شيئا أمام من يعاني "عذاب الدنيا "، ولا " الثعبان الأقرع " أخطر من التفجير والتفخيخ والحزام الناسف الذي يتوقعونه كل لحظة وفي كل مكان! شكرا للإسلام (السياسي) ومليون مبروك سيادة المشير الرئيس (السيسي)