عماد الدين أديب
تلقيت درساً مهماً فى أخلاقيات العمل الإعلامى من الراحل العظيم على أمين عام 1975.
كنت فى لندن صيف 1975 وعلمت أن الأستاذ على أمين يخضع للعلاج فى مستشفى لندن كلينك الشهير، فقررت أن أقوم بزيارته للاطمئنان عليه.
ذهبت، وأنا الصحفى الشاب المبتدئ الذى يعمل تحت التمرين فى جريدة الأهرام، حاملاً باقة صغيرة من الزهور للمستشفى وتركت باقة الزهور مع بطاقة صغيرة.
وحينما كنت أهم بالانصراف وجدت الممرضة تلحق بى أمام باب المصعد وتدعونى إلى الدخول لغرفة الأستاذ على أمين، وحينما أعربت لها عن عدم رغبتى فى إزعاج الرجل، قالت لى «إنه يريد رؤيتك، تلك هى رغبته».
دخلت الغرفة الصغيرة، كان الراحل الكبير يجلس على مقعد خاص، بينما كان الحلاق يحلق له ذقنه، وبمجرد دخولى الغرفة دار الحوار التالى:
على أمين: أهلاً يا ابنى، إيه أخبار مصر؟
العبد لله: خير يا أستاذنا، الجميع يسألون عنك.
على أمين: يا ابنى الأخبار إيه؟ قولى إيه كان مانشيت الأخبار وإيه كان مانشيت الأهرام؟
وحينما شرحت له آخر الأخبار سألنى إذا كنت أجيد الإنجليزية، وقام باختبار قدرتى على التحدث بها.
وعاد الأستاذ «على» الذى يقابلنى للمرة الأولى يسألنى عن فندقى فى لندن وأسعاره، ثم سألنى فى أبوية إذا كنت أحتاج أى نقود تعيننى على تحمل ارتفاع نفقات رحلة السفر للندن.
بادرته شاكراً وحينما أردت الاستئذان سألنى بشكل مفاجئ: «انت عاوز تبقى صحفى كبير ومحترم»؟
تأملت السؤال: «كبير ومحترم»، إنها المعادلة الصعبة التى تجمع بين الشهرة واحترام النفس وآداب المهنة، فقلت له دون تردد «طبعا» يا أستاذ!
عاد وقال «فيه فرق بين الرغبة فى الشىء والقدرة على تنفيذه»!
سألته: طب إيه المطلوب يا أستاذ؟
قال على أمين على الفور: عشق المهنة يا ابنى.
ثم عاد وقال: «يجب أن تكون الصحافة هى حبك الوحيد الذى لا يعلو عليه شىء».
ثم عاد وقال: أنا وأخويا مصطفى بعنا العجلة والساعة بتاعتنا علشان نطلع أول مجلة فى الثلاثينات.
شكرت الأستاذ، وحينما أنا أصافحه مودعاً قام بإعطائى مجموعة من صحف الصباح البريطانية التى كانت تملأ غرفته، ثم قال لى متسائلاً: عارف ليه الإنجليز أسياد الصحافة فى العالم؟
وقبل أن أجيب قال فى مرارة دفينة: لأن محدش فيهم بيدبح الثانى زى عندنا فى مصر والعالم العربى.
ثم عاد وقال آخر كلماته مودعاً: اللى ما تحبوش يتنشر عنك فى الصحف إوعى تكتبه عن غيرك.
درس ما زلت أتذكره. رحم الله على ومصطفى أمين فى ذكرى مئويتهما.
نقلأعن الوطن