الأقباط متحدون - الغلاسة
أخر تحديث ١٣:٢٧ | الأحد ١٦ فبراير ٢٠١٤ | أمشير ١٧٣٠ ش ٩ | العدد ٣١٠٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الغلاسة

علي سالم
علي سالم

الغلاسة.. منطقة غامضة في طبيعة البشر وسلوكهم، لا تحظى بعناية الباحثين على الرغم من أهميتها القصوى وتأثيرها السلبي في حياة الأفراد والمجتمعات. وحتى الآن لم نتوصل لتعريف دقيق لها يمكن الاعتماد عليه في شرح هذه الظاهرة، ومن ثم التعرف على طرق تجنبها أو الوقاية منها. وإذا كانت للإنفلونزا أنواع فالغلاسة أيضا كذلك، وإذا كان فيروس الإنفلونزا قادرا على تطوير وتحوير وتغيير نفسه ففيروس الغلاسة له أيضا نفس القدرة. والكلمة فصحى فنقول: «غلس الليل» بمعنى أنه جاء وهبط وأسدل أستاره، وهو بالضبط ما يفعله الشخص الغلس بأفراد دائرته الضيقة أو بمجتمعه. الشخص الغلس قادر على إشاعة الظلمة فيمن حوله وإفساد لحظاتهم ودفعهم تدريجيا إلى الاختناق إلى الدرجة التي تجعلنا نصف شخصا غلسا بأنه استهلك كل الأكسجين الموجود في المكان، وهو أيضا ما يفسر التعبير الشهير الذي يقول إننا تنفسنا الصعداء عندما غادر فلان الجلسة.

 
والشخص الغلس يعرف أنه غلس وأنه يغلس عليك أي يحول لحظاتك إلى سواد تفقد فيها استمتاعك بالحياة. غير أنه عاجز عن مقاومة غلاسته لأنها بالتحديد مصدر شعوره باللذة، هو إذن بالغلاسة يعيش وبالغلاسة يتحقق. لقد خضت معارك كثيرة تبدو في الظاهر سياسية أو ثقافية غير أنني اكتشفت في النهاية أنه لا توجد في هذه المعارك سياسة أو ثقافة أو يحزنون..

إنها الغلاسة. هي إذن درجة من العدوان الجبان الذي يخشى صاحبه الإعلان عنه. ولا توجد مشكلة حقيقية في ذلك، لأنك تستطيع الابتعاد عن الغلساء أو تقصير زمن اللقاء معهم عندما يحدث بالصدفة، غير أن الأمر دائما ليس بهذه السهولة، فمنذ نصف قرن مثلا كان من السهل عليك أن تعرف بالتحديد الشخص الغلس في القرية أو المدينة أو الحي أو على المقهى. كان عدد الغلساء في ذلك الوقت في حدود النسبة المسموح بها دوليا، أما في عصر التلوث البيئي الذي نعانيه الآن فنسبتهم تزايدت إلى الدرجة التي تجعل منهم خطرا حقيقيا على رصيد الظرف وخفة الدم المصرية المشفوعة بحب الحياة والرغبة في الاستمتاع بها.
 
هل تصدق أنه في تسعينات القرن الماضي في مصر صدرت فتاوى عن شباب الجماعات المتطرفة تحرم بيع الباذنجان والكوسة، واستندوا في ذلك إلى أن عملية (التقوير) لهاتين الثمرتين تشبهان ما يحدث بين الذكر والأنثى، ولم يكتفوا بذلك، هاجموا أسواق الخضار واعتدوا بالضرب على الخضاراتية، الذين يبيعون الباذنجان والكوسة والخيار أيضا. بعد ذلك انتقلوا إلى هدف آخر هو برج القاهرة مطالبين بهدمه لأن به إيحاء بما يثير الفتنة.. هل تتصور فكرة دينية من أي مذهب ومن أي فرقة خارجة أو مارقة، وراء هذا النوع من التفكير؟ مستحيل.. إنها درجة عليا من الغلاسة تتيح لهم العدوان على البشر تحت غطاء ديني. أستطيع أن أصف لك مئات أفعال الغلاسة المتسترة بالدين والسياسة غير أني لست من هواة الدخول في معارك خاسرة مع أطراف استولت على مواقع حاكمة تطلق منها مدافع الغلاسة على البشر.

نقلا عن الشرق الاوسط

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع