عرض: عماد توماس – خاص الأقباط متحدون
إذا كانوا قد قالوا لك أن "المسيحيين ريحتهم وحشة" حتى أقنعوك، وإذا كان أحدهم قد أخبرك بيقين أن الأديرة تعج بالأسود والنمور لتأديب المرتدين عن المسيحية وصدّقت أنت ذلك، وإذا كانوا قد رددوا كثيرًا على مسامعك أن الكنائس لم تعد كنائس بل صارت مخازن أسلحة وذخيرة حتى صرت تنزعج من وجود الكنائس، إذا كنت صدقت أن "الأقباط خونة"، أو أن رجال الدين المسيحي يلبسون ملابس الحداد حزنًا على دخول الإسلام مصر، وإذا قالوا لك أن "الإخوان المسلمون" يتعرضون للتمييز أكثر من "الأقباط" وإذا اعترضوك بان الكنائس تفتح 24 ساعة والمساجد تغلق مباشرة بعد أداء فريضة الصلاة.. فيمكنك أن تتابع عرض هذا الكتاب.
إنه كتاب "حارة النصارى" للكاتب المهندس والمدون شمعي أسعد، الذي كتبه بجرأة محسوبة في محاولة لتوضيح بعض المفاهيم المغلوطة في فهم المسلمين للمسيحيين، بعضها عادات وتقاليد توارثها بعض المصريين المسلمين نحو شركاء الوطن من المصريين المسيحيين عبر الزمن، والأخرى نتيجة الجهل بالآخر وعدم معرفته حق المعرفة كما يعبر عن نفسه.
عنوان الكتاب "حارة النصارى" ليس إقرارا بمعناه الحرفي، ولكنه يحمل خوفًا ورفضًا من أن يتحول الوطن إلى مجرد حارة، أو يتحول الأقباط إلى مجرد نصارى ذميين، أو اشارة إلى ذلك المجتمع المغلق المسدود.
كتب شمعي كتابه لا لكي "يجرح" بل لكي "يضمد" فالمصالحة تبدأ بالعتاب، وتحول عتابه إلى كلمات ظهرت في هذه الكتاب. يتميز شمعي في كتابه بأنه لا يقع في خطا "التعميم" فعندما ينسب حدوث بعض المشكلات ينسبها لبعض المسلمين وليس عمومهم. ويخترق شمعي أمور مسكوت عنها ببراعة الأسلوب، بحيث لا ينفر القارئ المسلم منه، ولا ينافق القارئ المسيحي.
الكاتب والكتاب
الكاتب هو المدوّن والناشط شمعي أسعد وهو صاحب مدونة قصاقيص ورق ومحرر صفحة المدونات بجريدة الجيل كما سبق ونشرت له تدوينات في سلسلة مدونات مصرية للجيب، وله عدة مقالات منشورة في مواقع الكترونية مثل اليوم السابع وموقع الأقباط متحدون.
أما الكتاب "حارة النصارى" فقد صدر مع بدء معرض القاهرة الدولي للكتاب 2010 عن دار "دَون" للنشر. ويقع الكتاب في 166 صفحة من القطع المتوسط.
يحتوى الكتاب على قسمين.
الأول: مقالات فكرية، يتحدث فيها عن صور التمييز الديني الذي يقابله المسيحي في المجتمع. من خلال بعض المقالات مثل: مصر المصرية بتغني، ما الفرق بين الطفل المسيحي والطفل المسلم ،دعني أصلي، الأقباط لا يمثلون الغرب، ما بين الاضطهاد العالمي والاضطهاد المحلي، العزلة، الهوية الدينية، وفاء قسطنطين، أقباط المهجر، الإعلام والسينما، السلام عليكم.
والقسم الثاني: شرح لبعض المفاهيم المسيحية بدون الدخول في العقيدة، مثل مفهوم "الكنيسة" و"الإسرار الكنسية" و"الأصوام والأعياد" و"ملابس الكهنة" وتعريف المسلمين ببعض المصطلحات المسيحية مثل الأسماء المسيحية واللغة القبطية.
مصر المصرية
ينطلق شمعي في كتابه، من كون مصر مصرية، فهي ليست إسلامية أو مسيحية أو وهابية لكنها مصرية تجمع كل المصريين حولها.
دعوا الأطفال
لا يرى الكاتب، أن مشكلة الأقباط في مصر في الخط الهمايوني المتحكم في بناء الكنائس، أو عدم تولى الأقباط مناصب مهمة، لكنه يرى أن المشكلة في حالة التوتر والتغيير في المناخ العام بين المسلمين والأقباط.
يندهش الكاتب كونه من مدينة الإسكندرية التي كانت توصف بأنها "مدينة كوزمو بوليتان" أي المدينة المتعددة الثقافات، أن يحدث بها أحداث فتنة طائفية، ويعبر عن قلقه عندما استمع إلى طفلة صغيرة تشكو لأمها أن زميلتها في المدرسة قالت لها: مش هالعب معاكي عشان انتي مسيحية!!
ويستاءل: مَن علم الأطفال هذا الخلاف؟ من قال لهم أنهم مختلفون؟ ولماذا أصبحنا بهذه القسوة؟
مجيبًا: إن التعليم في مصر أصبح في مأزق وان بعض المعلمين يطعمون أفكار الأطفال والتلاميذ بأفكار متطرفة.
دعني أصلي
عن مشكلة بناء الكنائس، يرى الكاتب أن المتطرفين صاروا طرفًا حاسمًا في المشكلة، حيث يستشيطون غضبًا كلما سمعوا عن خبر بناء كنيسة جديدة، كأن إيمانهم سينقص أو يتزعزع كلما بنيت كنيسة. وبسبب هذا الطرف الثالث -بجانب الدولة والأقباط- صرنا نسمع كل فترة قصيرة عن خبر حرق كنيسة على وشك البناء أو بيت يصلى فيه أقباط قرية أو منطقة لعدم وجود كنيسة، ويشير المؤلف إلى وقوع هذه الحوادث بعد صلاة الجمعة من شباب متطرف فرغ لتوه من إتمام شعائره، ويتساءل الكاتب: لا اعرف كيف يقسون صلاتهم بجريمة كهذه، وإذا كان التحريض يتم من شيخ الزاوية التي كانوا يصلون بها فكيف يقبل عموم المسلمين هذا لتصرف الذي يسيء إليهم.
الأقباط والإخوان - مقارنة غير عادلة
يجيب شمعي على تساؤل متكرر كلما حدثت مشكلة أو تمييز ديني نحو الأقباط، يسارع الإخوان بالقول أنهم مضطهدون أكثر من الأقباط فأتباعهم لا يعينون في وظائف معينة لأنهم ملتحون، أو الفتاة التي لا تجد عمل لأنها منقبة. أو تعرضهم لمطاردات أمنيه كونهم إخوان بينما لا يتم سجن الأقباط ولا يطاردهم أحد.
هذه المقارنة يرفضها الكاتب، فالأقباط ليسو حزبًا ولا كتله وليس لهم مشروع سياسي مثل الإخوان، فلا يمكن المقارنة بين مواطنين عاديين لهم مشاكل ما بكتله لها أهداف سياسية؟ ويرى أنها مقارنة غير عادلة لأن من شأنها تفتيت حقوق الأقباط العادلة فضلاً عن أنها لن تنصف الإخوان في قضيتهم.
وعن ترديد البعض بأن الكنائس مفتوحة طوال اليوم والمساجد لا تتمتع بتلك الميزة، يوضح الكاتب إن بعض الجماعات المحظورة تتخذ من المساجد أماكن تجمع لها، ولا يحدث هذا في الكنائس حيث لا جماعات مسيحية سياسية أصلاً.
اختفاء الفتيات المسيحيات
يقترب الكاتب بجرأة محسوبة إلى هذا الملف الشائك، لاختفاء الفتيات المسيحيات واكتشاف أسلمتهم وتزويجهم من شباب مسلم، ويرى إن هذا أدى إلى شعور الأقباط بأن هناك حركة أسلمه تستهدف الفتيات المسيحيات، بينما يتم تصوير الموضوع من الجانب الآخر بأن الفتاة هربت برضاها، وأنها أسلمت لأنها آمنت وليس لأن شابًا أغواها أو في أحيان أخرى تم خطفها.
ويعلق الكاتب أن الجدل يدور في هذه القضية الحساسة بين طرفين أحدهما يشعر أنه مستهدف ويرى الآخر أن الدستور يكفل حرية العقيدة، ويضيف الكاتب أن النوايا الحقيقة تبقى غير معلنة ويصعب إثباتها، بينما يراها الجانب القبطي مثبتة بحكم تعدد الحالات وتشابه أسلوب الهروب أو الاختفاء.
الأقباط لا يمثلون الغرب
يفند المؤلف ربط البعض بين كل ما يحدث من أمريكا تجاه العالم العربي، وبين تحميل مسيحيو مصر ما يفعله الغرب. كما لو كان مسيحيو مصر جالية أجنبية لأمريكا، ويعتب على شيوخ الفضائيات وشيوخ بعض المساجد في إذكاء تلك الروح الغاضبة والحديث الدائم عن الحرب بين الإسلام والغرب المسيحي. وتفريغ طاقة الغضب الذي شحنوه في شركائهم في الوطن المسيحيون الذين هم في النهاية يقع عليهم من الضرر ما يقع على المسلمين.
هناك فرق
يرى شمعي أن أهم فرق بين مشاكل الأقباط ومشاكل المسلمين هو في كون مشاكل الأقباط محلية بينما مشاكل المسلمين عالمية. ويوضح أن الأقباط عندما يتحدثون عن اضطهاد أو تمييز فهم هنا يتحدثون بصفتهم مصريون مسيحيون لهم مشاكل داخل مصر فقط، لذلك يكثر استخدامهم لكلمة "أقباط" كنوع من الخصوصية المصرية لمشاكل الأقباط، أما مشاكل المسلمين فتبع من كون المسلم يؤمن بمفهوم "الأمة الإسلامية" وبالتالي يضم إلى مشاكله كل مشاكل المسلمين في العالم، فالمسلم يشعر بالاضطهاد لأن إسرائيل احتلت فلسطين ولأن أمريكا غزت العراق، ولأن رسامًا دانماركيًا قام بنشر رسومًا مسيئة للإسلام وهكذا.
ويوضح الكاتب إن مشاكل الأقباط محلية، إلا أنها تستمد أهميتها من كونها تمس أمن وسلام المجتمع ككل، فهي مشاكل بين أبناء الوطن الواحد.
عزلة الأقباط
يفسر المؤلف نجاح الأقباط في الأعمال الخاصة بسبب تعرضهم لتمييز في الأعمال العامة، فبعد أن أغلق باب الوظيفة الميري في وجه الجميع، بدأ الاتجاه للعمل الخاص من قبل كثير من المصريين وخاصة الأقباط
يشبه المؤلف العزلة عزلة الأقباط داخل المجتمع بتلك العزلة التي تحدث أحيانا بين الإخوة في نفس الأسرة أو بين الزوج والزوجة، كلاهما ينتظر من الآخر المبادرة والمباداة، وإذا لم يبدأ احدهم أو يبادر ستبقى العزلة قائمة لسنوات طويلة.
القمص زكريا بطرس
قبل الخوض في الحديث عن القمص زكريا بطرس، يؤكد المؤلف أن تجريح اى عقيدة هو أمر غير غير مرغوب فيه، والبرامج التي تحمل سخرية من عقيدة الآخرين لا تتفق مع روح المسيحية ولا تعبر عن الفكر المسيحي، وإن كان يرضي شغف بعض المسيحيين الذين يعانون من عقدة الاضطهاد ويعانون من ظلم إعلامي كبير.
ويتذكر المؤلف الإهمال الطويل من الإعلام الرسمي للدولة والاكتفاء بإذاعة قداس العيد الذي دائمًا ما كان يُذاع قبل الموعد الذي تم التنويه عنه، والتهنئة الخطأ على شاشة التلفزيون بعيد القيامة باعتباره عيد الميلاد، والازدراء بالمسيحية من خلال بعض دور النشر في معرض القاهرة للكتاب. بالإضافة إلى أحاديث "الشيخ الشعراوي" الذي لم يدخر جهدًا في مهاجمة العقيدة المسيحية، بالإضافة إلى كتابات محمد عمارة وزغلول النجار، ويشير الكاتب إلى أن هذا الجو الغير عادل بالمرة وتحت سمع ومرأى إعلام منحاز، يعطى كل الحقوق لطرف ويبخل على الطرف الآخر، لم يكن أمام الأقباط إلا الصمت مع فشل كل المحاولات الفردية للنشر أو الرد على ما كان ينشر.
وزاد من "عزلة الأقباط" وتقوقعهم على أنفسهم، حتى ظهرت القنوات الفضائية والانترنت، فلم يكن مستغربًا أبدًا أن يجد فيها الأقباط فرصة للتنفيس والرد بأثر رجعي على كل ما فات من حظر ومنع. وهذه العوامل في رأي الملف كانت سببًا مقبولاً لظهور القمص "زكريا بطرس".