بقلم : القمص اثناسيوس فهمى جورج
تسمي الكنيسة فطر صوم يونان بالفصح ، لأنه رمز لموت المسيح وقيامته في اليوم الثالث ، فالمسيح استعلن نفسه علي فم الأنبياء قبل مجيئه بأجيال كثيرة ، لان الله تعهدنا بأنبيائه القديسين ، وهو صاحب المبادرة في أستعلان حقيقة نفسه ، علي أساس انه يعلن ذاته علي قدر مستوي نمو وترقي الوعي البشري وإدراكه علي مدي الزمن.
فيبلغ بنا من الطفولة حتى نبلغ النضج التدريجي ، وفقآ للاستعلان المتدرج ، إنه إله أستعلان ينتظرنا مهما كنا ،وعلي أي وضع نحن ليعلن لنا سره ، وليعطينا ملء الحياة مشخصه في عشرة شخصه الإلهي الحبيب ، ودعوته لنا في كرازة يونان النبي الكارز تكتسب أبعاد ووعي جديد لكل من يقبل كلمه كرازته الأبدية ، عندما أتي إلينا علي الأرض وعاش بيننا صائرآ في شبه الناس ونادي ببشارة الملكوت والمصالحة بفصحه الجليل .
إن الغلاف الذي ظهرت فيه الكرازة والصورة التي نقبل بها بشارة الخلاص ، تلزمنا أن لا نؤجل أو ننشغل بالحقائق وأستقراء النتائج والاستكشاف ، بقدر ما تستلزم المخافة والطاعة وأستعداد التوبة .... لان مسيحنا حاضر علي الدوام وبغتة وأيضاً في كل أوان . يأتي إلينا وينادينا ويقرع الباب بعد نهار الشقاء وأتعاب
الزمن المضني ، فهو تنازل إلي أعماق الأرض وما تحت الأرض حتي الي الجحيم ، ليطلب كل غنمه ضاله ويرفعها من الحضيض ويستردها الي بيت الآب ...
آخلي نفسه وأفتقر وتنازل من علو مجده وتذلل للغاية ، من أجل حبه ومن أجل أن يكون في متناول أدراكنا ، فشابهنا لنتشبه به وأخذ طبيعتنا ليخدم لنا الخلاص ، ونتسم بسماته ونأتي اليه ، بعد أن أتي هو إلينا ، ليبتلع الخالد والباقي والدائم كل فاني وزائل وفاسد ، وليغلب بحياته الموت الذي فينا ، ويفتدي العالم كله بدم نفسه الشافي المحيي الماحق الموت : فصحنا الذي ذبح لاجلنا.
وهو الذي مكث في باطن الارض ثلاثة أيام وثلاثة ليال ، والذي هاجت عليه أمواج بحر هذا العالم حتي الصليب ، وهبط إلي مغاليق الارض وسلب الجحيم وبشر الأرواح الموجودة في السجن ، وفتح الأبواب الموصدة ، وعاد إلي الحياة مرة آخري ، ليخرج الحق إلي الامم ، ويمنحنا كنز ومعجزة خلاصنا التي أتمها لاجلنا ... فكان الحوت ليونان بمثابه القبر للمسيح ، وكما خرج يونان حيآ هكذا خرج المسيح من القبر حيآ ، بعد أن ذاق الموت بالجسد .فلننظر كيف يعلمنا الله بالتدريج ويمهد لنا كي نؤمن وكأننا نصعد علي سلم نكون فيه في درجه تقودنا إلي الثانيه لنبلغ إلي الاخيرة.
. أنها رسالة الله لنا وها قول الرب صار لجميعنا ، حتي نقوم ونذهب ونبشر في مناداة الكرازة باسمه ، ولنحترس كي لا نهرب إلي ترشيش ، لان في الهروب ريحآ شديدة ونوء عظيم وانكسار لسفينة الحياة ، ولنفحص أنفسنا كل واحد أمام الله ، ولنطرح عنا الأمتعة التي تثقلنا بها للغاية والتي أغرقتنا ، ولنرجع من هروبنا الذي أنزلنا الي حضيض الجوف في الاسافل ، فجعل غفلتنا ثقيلة ، بينما القرعة قد وقعت علينا ضمن خطة الله لخلاصنا ، وسنكتشف أنه لا يمكننا الهروب أبدآ من حضرته ، عندما نقر أننا السبب في الأنواء العاتية المحيطة بنا ، صارخين لله حتي لا نهلك وحتي لا نعثر أخوتنا ، وتكون علينا دماء برئيه ( نجني من الدماء يا الله اله خلاصي. ) .
خائفين الله مقدمين له نفوسنا ذبيحة علي مذبحة المقدس الناطق السماوي ، مع نذور الطاعة والتكريس والاتكال ... لان كل شئ قد أخضعه الرب لنا ، وهو قد أعد الحوت العظيم واللجج والطرق واليقطينه والظل والدودة والرياح والافلاك والازمنه والمناخ وكل شئ من أجل أن يخلصنا ، وتدابيره التي تحوطنا لا يمكن أن يدركها أحد بسهوله .
إن العالم كله المحاط بالصخب والغرق وقوي الشر ، جاء إليه مسيحنا ليكون له فصحآ : يكرز ويشفي ويقدس إلي التمام ، فصحآ شريفآ فصحآ برئيآ من العيب ... يهدأ العواصف وتطيعه الريح ، فصحآ قام لينقذنا فصحآ محررآ إيانا من الجحيم كافة ، نصلي إليه وندعوه ونصرخ نحوه وننظر هيكل قدسه ، من بعد إعياء مراعاة الأباطيل الكاذبة ، فنحمده ونعترف له ونمجده وننذر له النذور من أجل نعمه الجزيله .
فصحنا حي وقائم كأنه مذبوح ، لا يري فسادآ ويجعلنا نصير ما صاره هو لاجلنا ، وقد أفتدي ربوات الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم ، فصحنا يزيل غمنا فنراه ونفرح فرحآ لا ينتزع منا، فصحنا لا يشاء هلاكنا وقد أعد كل شئ من أجل العرس، وقد أبعد عنا معاصينا كبعد المشرق عن المغرب ، وهدم حصون وأعطانا السلطان وأطفأ السهام وبه وحده نغلب .
إن نبوءة يونان هي أشارة مبدعة إلي المصالحة التي كان الله مزمعآ أن يصنعها بين جميع أمم الأرض بدم صليبه ، الذي به صالح الشعب مع الشعوب والنفس مع الجسد ، وما يونان النبي إلا رمز وآيه لهذه المصالحة التي تمت بالآلام الفصيحة ، التي تثبتت عندنا بالكلمة النبوية ، والتي نفعل حسنآ إذ انتبهنا إليها كما إلي سراج منير في موضع مظلم إلي أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبنا