ربما لأننى لست من قبيلة مستخدمى الفيس بوك، ولست حتى معجباً بكثير مما تأتى به من عبارات وتفاعلات وأخبار، كثير منها غير دقيق وربما غير صادق. ولأننى شخصياً عندما طالعت ما هو منشور عن سيرتى الذاتية فى مواقع الانترنت وجدت أنهم يتحدثون عن شخص آخر، فالمعلومات كلها خاطئة فى «البدعة» التى جعلت منى إنساناً غير متحضر فى نظر البعض، لأننى لا أتعامل مع العنكبوتية، حتى كان ٢٥ يناير ٢٠١١ وما حققته هذه الشبكة من قدرة مبهرة حشدت الألوف من المصريين أتوا يحملون همومهم وأحلامهم ويفجرون طاقتهم الثورية طلباً للتغيير. وظلت مخيلتى مشغولة بكيف؟ ولماذا؟ والى أى مدى؟ حتى طالعت
كتاباً جميلاً عنوانه أغرانى من «القبيلة إلى الفيس بوك» والمؤلف أغرانى كذلك فهو د.جمال السويدى مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية. فهناك تأتى المواجهة بين عصبية القبيلة فى دول الخليج وبين عصبية الفيس بوك. ونقرأ وإذا كانت العصبية هى أساس قوة القبيلة وتعمل على تغليب المصلحة القبلية على المصلحة الوطنية أو الصالح العام، فكذلك هو حال العصبية الافتراضية، فهى تمضى باتجاه تشكيل عصبية لها مفرداتها ولغاتها وثقافتها. ونجحت وسائل التواصل الاجتماعى فى الربط وبسرعة هائلة بين أناس تجمعهم خصائص ثقافية أو دينية أو سياسية أو عاطفية أو اقتصادية، بما يشعرهم بالحاجة الى تأكيد مصالحهم المشتركة، وفى ثورات الربيع العربى تنامت عدوى التغيير وعبرت الحدود كما فى حالة تونس وتأثيرها فى الوضع فى مصر وليبيا واليمن وسوريا. فترددت ذات الشعارات وتمتعت هذه التحركات بفضاء رحب لنشر معلومات عنها وأفكارها «ثم عبارة مهمة هى» بحيث تبدى بعضها أكبر من حجمه الحقيقى كما فى حالة حركة ٦ إبريل، ومن مميزات هذه الشبكة العنكبوتية أنها حولت كثيراً من الجماهير إلى «جمهور فاعل» وشريك أصلى ضمن عملية اتصالية تفاعلية. كما أنها منحت الكثير من الحركات الاحتجاجية دعماً عالمياً ومحلياً، وجعل منها أداة حيوية ضمن آليات الحراك الاجتماعى، والمشارك فى الشبكة يستمتع بحرية إعلان رأيه دون وصاية، كما أضحت الشبكة ملاذا للأقليات الدينية والعرقية والمهمشين. ويقول المؤلف «ومن أهم الأمثلة الكم الهائل من الصفحات التى تعبر عن الأقباط المصريين» كما أنها تمنح المستخدم التعود والحق فى التعبير عن الذات وأفكاره وطموحاته بلا قيود، وهى أيضاً نجحت فى كسر احتكار الدولة للإعلام فأصبحت منبراً لمن لا منبر له.
وبرغم المتعة فى مطالعة الكتاب وما فيه من معلومات، فإن هذه المتعة ذاتها فجرت أمامى كثيراً من الحالات السلبية التى امتزجت فيها الأكاذيب بالمهاترات والفجاجة، كما اتخذت مسلك الادعاء المغلوط والمبالغ فيه، كما استشرت حالات النزعة الانتقامية بين المختلفين فى الرأى، وأصبحت أداة لنشر أفكار التأسلم وتبرير الإرهاب وتقديم معلومات شديدة الخطر عن كيفية تصنيع أدوات الدمار. ولعل هذا يذكرنا باختراع البارود الذى استخدم إيجابياً فى أقله، وسلبياً فى أكثره. لكن هذه الآليات العنكبوتية لم توجد حتى الآن «نوبل» الذى حاول أن يريح ضميراً لا يستريح بعد اختراعه البارود. وباختصار أعتقد أن على كل مستخدم لآليات هذه الشبكة أن يعبر عن نفسه برفق وخلق وصدق، وأن يحاذر وبشدة من شراك الدعايات الكاذبة والمواقف الخالية من العقل والمنطق والإحساس بالوطنية، ومن الذين يتاجرون بشعاراتهم لتحقيق ثراء مسموم يأتى من الخارج والداخل معاً.
نقلا عن المصري اليوم