الأقباط متحدون - هل عادت الدولة العميقة تحكم مصر؟!
أخر تحديث ١٢:٤٣ | السبت ٨ فبراير ٢٠١٤ | أمشير ١٧٣٠ ش ١ | العدد ٣٠٩٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هل عادت الدولة العميقة تحكم مصر؟!

سعد الدين ابراهيم
سعد الدين ابراهيم

يعود الفضل فى استحداث مُصطلح «الدولة العميقة» إلى عُلماء الاجتماع الأتراك، الذين لاحظوا أنه رغم تغير الأنظمة السياسية الحاكمة فى الجمهورية التركية منذ عشرينيات القرن العشرين، إلا أن ثمة ممارسات أمنية وبيروقراطية لا تتغير، رغم تغير رؤساء الجمهوريات، ورؤساء الوزراء، والوزراء.

أركان الدولة العميقة هى الأجهزة الأمنية (الجيش والشرطة والمخابرات والبيروقراطية المدنية). وولاء هذه الأجهزة هو أولاً وأخيراً لنفسها، أى للعاملين فيها، مهما ادعت غير ذلك. فهى يمكن أن تُردّد أنها تعمل للصالح العام، لحماية الوطن، ومصالح الشعب. وقد يصدق ذلك على صِغار العاملين فى هذه الأجهزة. ولكن حتى هؤلاء الصِغار الصادقين، حينما يتدرجون إلى المستويات الوسطى، فإن مصالحهم ومزاياهم، وقدرتهم على التحكم تزداد، حتى تصبح سُلطة للسيطرة على العباد، وعلى البلاد. ويصبح أى مواطن خارج دوائرهم مشكوك فيه. ومن ثم لابد من مُراقبته، وفتح ملف له فى أحد الأجهزة الأمنية، التى ذكرناها أعلاه. ومعظم العاملين فى هذه الأجهزة يظلون شخصيات رمادية بعيدة عن الأضواء، وبعيدة عن المُساءلة وعن الرقابة الشعبية.

إن مناسبة هذا الحديث عن «الدولة العميقة»، وأركانها الأربعة هو القبض العشوائى أو المنع من السفر، وتجميد حسابات مواطنين لمُجرد الاشتباه. وقد سبق أن كتبت فى هذا المكان، مُستغيثاً، «ألا يأخذوا الناس بالشُبهات»، بعد زيارة لى إلى مدينتى الجميلة، المنصورة، فى أعقاب تفجير مبنى مديرية أمن الدقهلية. ومع إدانتنا لذلك السلوك الإخوانى الآثم، فإننا قد فجعنا بردود فعل آثمة. وهو ما لا يجوز. فلا ينبغى أن يكون الرد على أفعال إجرامية لأفراد أو جماعات، هو سلوك يتجاوز القانون أو حقوق الإنسان، المنصوص عليها فى كل المواثيق الدولية، والتى كانت مصر من أوائل الموقّعين عليها. وكما أشرنا فى ذلك المقال إلى حالة رجل الأعمال المهندس الكبير مصطفى عمّار، الذى جُمدت حسابات شركاته فى البنوك، لمُجرد شُبهة التعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين، رغم أن الرجل لم ينضم أبداً لتلك الجماعة، وكل ما هُنالك أنه مُتدين، وله أنشطة خيرية واسعة. ومن المُفارقات أن أحد الشُركاء الرئيسيين للمهندس مصطفى عمّار، رجل أعمال قبطى شهير فى مدينة المنصورة.

ويبدو أن نفس حماقات أجهزة الدولة العميقة، هى ما حدث مع مواطن آخر، هو الأستاذ الدكتور عماد الدين شاهين، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية.

لقد عرفت عماد الدين شاهين منذ حوالى أربعين عاماً. فقد كان فى أول دُفعة قمت بالتدريس لها فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى العام الدراسى ١٩٧٥/١٩٧٦. وقد تزامل تلميذى السابق معى فى جامعة هارفارد التى كنت أستاذاً زائراً فيها خلال سنوات المنفى، أواخر عهد الرئيس محمد حسنى مبارك. وتوطدت علاقتى بتلميذى السابق فى تلك السنوات، وتعرفت بزوجته التونسية وبأولاده النُجباء.

وحينما انفجرت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، تحاورنا طويلاً، وقررنا العودة إلى الديار المصرية، وإلى نفس الجامعة التى التقينا فيها قبل ٣٨ سنة، شوقاً من كلانا إلى الوطن ورغبة فى الإسهام فى بناء مصر جديدة، ديمقراطية وعادلة، تعود إلى الريادة فى عالمها العربى، وإلى القيادة فى قارتها الأفريقية، وإلى التنوير فى عالمها الإسلامى.

نعم، ظل د. عماد الدين شاهين، مسلماً، تقياً، ورعاً، مثله مثل المهندس مصطفى عمّار. ولكنه لم يكن يوماً عضواً فى الإخوان المسلمين.

ولكنه بحكم تخصصه، كأحد عُلماء السياسة كان لابد أن يُتابع، ويوثّق، ويُحلل مسيرة الإخوان فى الحياة العامة، كما غيرها من الحركات الإسلامية، والحركات اليسارية.

إن مُلاحقة د. عماد شاهين واضطهاده بواسطة الأجهزة الأمنية المصرية، قد أساءا إلى سُمعة مصر فى الخارج، فالحُرية الأكاديمية، هى إحد الحُريات الأساسية التى تقرها كل مواثيق حقوق الإنسان التى وقّعت عليها مصر.

إن مُلاحقة شخصية عامة بوزن د. عماد شاهين لفتت اهتمام العديد من وسائل الإعلام الخارجية، وفى مقدمتها النيويورك تايمز والواشنطن بوست، فضلاً على إثارة الشكوك حول عودة أجهزة الدولة العميقة إلى ممارساتها القمعية السابقة، وما ينطوى على ذلك من إجهاض لثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو. كما يُضاعف من مخاوف شباب الثورتين حول اختطاف الثورتين، والعودة بمصر إلى عصر الفساد والاستبداد.

ونقول لعماد الدين شاهين، وكل المُضطهدين، تحية إعجاب وتضامن من كل الأحرار. ولتتأكدوا أننا معكم ولن يهدأ لنا بال إلا بنيلكم العدالة والحُرية. ولتحى حقوق الإنسان.

وعلى الله قصد السبيل.

semibrahim@gmail.com

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع