بقلم : القمص أثناسيوس چورچ.
كان أنبا بولا أول المتوحدين في مصر عمومًا ، باعتبار أنه قضى حياته كلها في الوحدة دون أن ينزل مرة واحدة إلى العالم ، وقد أخبر القديس أنطونيوس الكبير الشيء الكثير عن حياته ... كان متعلمًا يتقن الخط القبطي واليوناني ، إلا أنه ترك الغنى والمال بإختياره ، وارتمى في حضن الله ، بعيدًا بعيدًا في سفح جبل العربة بالبحر الأحمر (دير الأنبا بولا الحالي) ، طائعًا مختارًا يعيش الوحدة مع الله، معتمدًا على شجرة نخيل في غذائه ، وفي صنع ملابسه من الليف.
ظل في توحده المطلق متوحدًا عن العالم إلى سنه ٣٤١ م ، حتى أُعلن للأنبا أنطونيوس برؤيا إلهية ، فقام بزيارته وتسلم منه سر حياته وتقواه ، وأذاعها للعالم كله.
ومن المعروف أن القديس چيروم هو الذي دوّن سيرته ، ذاكرًا أن الأنبا أنطونيوس فتش عليه في الجبال الموحشة المترامية حتى وجده وطرق بابه قائلاً : أنت تعلم من أنا؟ ولماذا جئت وأتيت؟ وإنني لا أستحق النظر إليك كي أراك ، وإذا كنت تستقبل الوحوش ولم تستقبل أي إنسان ، لكني طلبت فوجدت وسأقرع حتى يفتح لي!! وبينما التقيا وتحدثا جاء الغراب ومعه خبزة كاملة بينما كان يأتي لمدة ٦٠ عامًا بنصف رغيف فقط ، لكن في حضور أنبا أنطونيوس ضاعف المسيح نصيب جندييه. وأخيرًا أحضر القديس أنطونيوس تونية البابا أثناسيوس الرسولي التي كان قد أهداها له ، ليدفن بها هذه الوديعة الغالية ، التي لم يكد العالم أن يسمع عنها ، حتى تركته راحلة إلى المجد ، محمولة بالملائكة ، كمدينة على جبل ولم يكن العالم مستحقًا له.
واستطاع أنطونيوس العظيم أن يعكس شعاعه الأخير في اللحظة الأخيرة على العالم ، الذي ظل حتى اليوم يحلل أطيافه ويترجم ألوانه السمائية المبدعة وتأثير الإنجيل المباشر في حياته وإحساساته وطريقة معيشته ، لا في حلة ليف وجسد نحيل ناسك ، لكن في حلة بهية منسوجة بالفضيلة ، وبصوت مسبح بلحن الانتظار للمواعيد المستمدة من الروح والرجاء الموضوع نحو الفرح الآتي ، يطعمه المسيح بخبز السماء ؛ ويشده إليه ليسير بسيره على الجبال العالية من جبل التجربة للتجلي للجلجثة للزيتون ، في انجذاب المثيل إلى مثيله ، لتخبرنا هذه السير عن نموذج لمشاهد لم نراها وتخبرنا عن أمور لم نكن نعلمها عن هذا البار الذي حسب عار المسيح غنىً أعظم من كل الخزائن لمن كان ينتظر المجازاة ، تائهًا في البراري والجبال وشقوق الأرض ، وهو مشهودًا له كمواطن سماوي طلب الوطن الأفضل ومشتهيات الأبرار المكتوبة بمواعيد الله الصادقة غير الكاذبة؛ وبدلاً من الثياب الخشنة والجسد الهزيل الشاحب والجهالة وحياه القفر الموحشة ؛ نال الجنات والفراديس والفرح الدائم.
السلام لك أيها الصديق أنبا بولا أول السواح ساكن البراري المرتفع بالفضائل... الذي استحق أن ينال خبز السماء من يد الملاك كما إيليا النبي ، السلام لصديق الملائكة الذي صار كالسمائيين ، اطلب من الرب عنا ليقبلنا ويصنع معنا رحمه كعظيم رحمته.