بقلم: د. محمد مسلم الحسيني هذه الانتخابات تجري في ظروف غاية التعقيد والصعوبة نتيجة لتأزم الصلة بين الكيانات السياسية المتنافسة على السلطة ونتيجة لخيبة الامل التي اصابت العراقيين بسبب حالة عدم الرضى عن سياسييهم الذين لم يحققوا لهم ما كانوا يصبون اليه من امن واستقرار ورفاه وتقدم. فوق هذا وذاك لم يبرز فرد او حزب او كتلة انتخابية جديدة تستطيع ان تكتسح الساحة وتملك عواطف الشارع وتوحد وجهات النظر كي تستحوذ على غالبية الاصوات أو تفرض نفسها على ارض الواقع من اجل تشكيل حكومة عراقية جديدة بشكل سهل. رغم كثرة الاصوات المنادية بالتغيير ورغم امتعاض الناخب العراقي وتذمره من اداء الحكومة ومن اخطاء السياسيين إلاّ أن غياب البديل الناجع قد يؤدي بالناخب العراقي اما الى العزوف عن المشاركة في هذه الانتخابات أو عودته لانتخاب الاحزاب الكلاسيكية القديمة. هذه الاحزاب قد تجرى بعض العمليات التجميلية على وجهها لتصبح اكثر قبولا، وسيعود لها الناخب مؤمنا بالمقولة \"السيئ الذي نعرفه خير من الحسن الذي لا نعرفه\"! وهذا يعني حصول الكتل السياسية التي شاركت بالانتخابات البرلمانية السابقة عام 2010م على نفس النسب والاعداد من اصوات الناخبين او ما يقاربها. حتى وان تغيرت اسماء الاشخاص أو التالفات فسيبقى الفسيفساء السياسي المتمثل بالائتلافات والكتل الكلاسيكية طاغي على طبيعة الوجه السياسي لهذه الانتخابات. تكرار نفس التجربة السابقة في طبيعة النتائج الانتخابية يعني بروز كتل متوازية بالحجم والشعبية ومتقاطعة بالرؤى والافكار مما سيجعل الائتلاف بينها لتشكيل الحكومة امرا صعبا للغاية، خصوصا في بلد تعددت به القوميات والاديان والطوائف والاقليات. الخارطة السياسية للأحزاب والائتلافات قد لا تتغير كثيرا عن السابق وستكون على وجه العموم على النحو التالي وضمن التكتلات الكبيرة التالية: الاحزاب الدينية الشيعية ولها حصة الاسد والتي كانت تحت عنوان التحالف الوطني العراقي والتي ضمت الاحزاب والتيارات الدينية المتمثلة بحزب الدعوة الاسلامية والمجلس الاعلى الاسلامي والتيار الصدري وحزب الفضيلة وتيار الاصلاح وغيرها، الاحزاب العلمانية الشيعية والسنية والاحزاب الدينية السنية التي ائتلفت تحت عنوان القائمة العراقية، ومن ثم الحزبين الكرديين الرئيسيين \"الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي\". في الانتخابات السابقة تمسك المالكي بالسلطة وفرض على اعضاء التحالف الوطني العراقي الانصياع لأرادته مستفيدا من ضغوط خارجية سلطت على زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر. هذه الضغوط ادت الى رضوخ الصدر لإرادة المالكي فالتحمت كتلته بكتلة دولة القانون التي يرأسها المالكي مما أهل الاخير الحصول على الاغلبية البرلمانية التي سمحت له بتشكيل الحكومة آنذاك. هذا السيناريو ربما يستحيل تكراره هذه المرة، فالتيار الصدري اليوم هو في ابعد نقطة من ان يكون متحالفا مرة ثالثة مع المالكي في دعمه لتسنم السلطة، بل سيعمل كل ما بوسعه من اجل ازاحة المالكي وتبديل الوجوه. يعني هذا بان انشقاقا قد حصل في صفوف التحالف الوطني العراقي الذي يعتبر الممثل الاكبر للأكثرية الشيعية في العراق. الانشقاق الواضح في صفوف اعضاء التحالف الوطني العراقي يكمن في الصراع المحتدم بين اعضاء هذا الائتلاف على الكرسي الاول في السلطة وفي رفض تربع رئيس الوزراء المالكي عرش السلطة للمرة الثالثة. يرى معارضو المالكي بان اعتلاء المالكي للسلطة مرة ثالثة يعني اتساع هوة الخلاف الطائفي في العراق ومن ثم جر البلاد الى حالة عدم الاستقرار، فالتغيير السياسي لابد منه من اجل اطفاء نار الاحتقان السياسي وتقليل ضراوة التشنج الطائفي القائم. هذا من جانب ومن جانب آخر يرى هؤلاء بان حكومة المالكي لم تحقق طموحات الشعب العراقي بالعيش الكريم والامان المنشود والاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي الموعود. دون شك المالكي لا يشارك وجهة نظر معارضيه لأنه يرى نفسه \"المنقذ الاول\" للشعب العراقي من أهوال تحيق به، فهو المتصدي للهجمة الارهابية الشرسة التي يتعرض لها العراق وهو باني البنى التحتية لهذا البلد وهو درع العراق أمام أطماع الخارج وهو السياسي العنيد الذي لا ينجح أمامه المتمردون ومن يريدون تمزيق العراق عرقيا وطائفيّا وهو النزيه الذي يحارب الفساد واهله. فتسليم السلطة للغير ليس بالأمر السهل فمن يذوق السلطة يصيبه داؤها ! على ضوء هذا السجال قد لا يستطيع اي طرف اقناع الطرف الاخر بوجهة نظره وتبقى عملية جر الحبل بين الاطراف مستمرة وطويلة، فالتحالف الوطني لم يعد تحالفا هذه المرة وعدم الائتلاف يعني فقدان هذا التكتل الكبير لصفة الاغلبية البرلمانية وعدم استطاعته تسمية رئيس وزراء جديد. في ظل شلل كهذا يتساءل المتابع مع نفسه عن امكانية حل هذا المأزق؟. نظريات حل المأزق قد تكون بهذه العناوين: ان صح الاستقراء وبرزت كتل متقاربة بالحجم ومتوازية بالقوة سواء داخل التحالف الوطني العراقي او خارجه فستسلط ضغوطات كبيرة على ائتلاف دولة القانون من اجل تخليها عن تسمية السيد نوري المالكي لرئاسة الوزارة. حينما تفشل هذه القوى من تحقيق ما تصبو اليه قد يحصل انسلاخ داخل كتل التحالف الوطني العراقي ينتج عنه اتحاد هذه الكتل المنسلخة مع تكتلات وائتلافات خارج دائرة التحالف. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، قد تنسلخ كتلة التيار الصدري بصحبة اختها بالرضاعة كتلة المجلس الاعلى الاسلامي او بدونها مع كتلة كبيرة اخرى كالكتلة المسماة بالقائمة العراقية سابقا او ما يشابهها والتي تضم في صفوفها احزاب وتيارات اسلامية سنية وقوى وطنية وعلمانية، متوشحه بشعارات \" العراق أولا\" و\" لا للطائفية\" و\" من أجل وحدة العراق\" أو غيرها. مثل هذا التحالف سيحظى بتشجيع وتصفيق امريكي وبمباركة ومؤازرة غالبية دول الجوار وبدعم وتآلف من قبل غالبية الاحزاب الكردية طوعا او كرها. يعتبر هذا الاجراء الحل الوحيد الذي سيسحب البساط من تحت اقدام المالكي ويزيحه عن دفة السلطة وينتج آفاق جديدة لحكومة ائتلاف وطني. غير ان هذا الحلم قد لا يبدو قريب المنال لأسباب كثيرة أهمها : ستتنازع الكتل المؤتلفة مرة اخرى في ما بينها على كرسي رئاسة الوزراء وهو البيت القصيد في القصيدة ، فالعلة في ديمقراطياتنا هو التركيز المبالغ فيه على المركز الأول في السلطة، فكل المراكز الاخرى لا تشفي غليل السياسيين ويبقى كرسي رئيس الوزراء هو المزار الأول لهم. هذا من جانب ومن جانب آخر، وربما الجانب الاهم بالمعادلة، هو اعتراض السياسيين الايرانيين على مثل هذا التآلف الذي سيبقى في نظرهم بادرة خطيرة على مستقبل حكم الاحزاب الدينية الشيعية في العراق. ففيه قد ينفرط العقد وتفقد الاكثرية زمام الامور وتبتعد عن سدة الحكم. ان انسلخت الاحزاب المنضوية تحت التحالف الوطني العراقي عن بعضها او تحالف بعضها مع كتل لا تبدي الولاء لإيران فهذا سيدفع بإيران الى رفع \" الفيتو\" ازاء اي تحرك بهذا الاتجاه. على مثل هذا الوتر سيعزف المالكي سمفونيته! سيخاطب معارضيه داخل التحالف ويقول لهم كما قال طارق بن زياد لجيشه المرابط على أرض إسبانيا بعد أن أحرق سفنه \" العدو من أمامكم والبحر خلفكم\"، فأما مخالفة الفيتو الايراني ويعني انتحاركم واما تجديد العهد لي وانتم صاغرون! لعبة القط والفأر بين كتل التحالف ستؤدي بشكل أو بآخر الى احدى النتائج الحتمية ومهما طال زمن اللعبة، فإما أن تكسب الكتل المعارضة للمالكي اللعبة وبمباركة ايران حيث يتم انتخاب وجه جديد يحظى بقبول الأكثرية كالسيد ابراهيم الجعفري رئيس تيار الاصلاح أو السيد جعفر محمد باقر الصدر الذي يحظى بشعبية لا باس بها أو وجه آخر لم تسلط الأضواء عليه بعد. أو يتصدى المالكي لكل الهجمات ويصرّ على بقائه في السلطة خصوصا ان حصل على نفس نسبة الاصوات التي حصل عليها في الانتخابات الماضية او اكثر منها، على شرط ان يبقى محافظا على وحدة وتماسك ائتلافه ومستفيدا من قلة حيلة مناوئيه ومباركة ايران له. كل من الاحتمالين يبقى واردا رغم محدودية مناورات المالكي في ظروف اتسعت فيها ساحة النقمة ضده من قبل الكثير من شرائح المجتمع العراقي وسياسييه، فان نجح بدهائه في اختراق الموانع سابقا فهل سينجح هذه المرّة؟ الساحة مليئة بالأحداث والمفاجآت وربما تحصل امور ليست بالحسبان فما علينا إلاّ الانتظار |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |