بقلم يوسف سيدهم
خرج المصريون الأسبوع الماضي يحتفلون بالذكري الثالثة لثورة 25يناير...خرجوا واحتشدوا في الميادين تعتريهم مشاعر البهجة والثقة أن بلدهم الآن علي الطريق الصحيح الذي يحقق أهداف هذه الثورة من حرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية,
ولعل هذا العام ونحن نحتفل بالذكري الثالثة يحق لنا أن نتصارح بشأن أمور كثيرة مسكوت عنها تخص ثورة25يناير ولماذا لم تكن الاحتفالات السابقة بذكراها الأولي والثانية علي نفس القدر من البهجة والثقة اللتين شهدناهما هذا العام.
أظن أنه جاء الوقت لنقول إن ثورة 25يناير كانت فورة غضب شعبي تراكم في صدور المصريين انفجر بشكل عفوي تلقائي احتجاجا علي ما وصل إليه نظام مبارك من استبداد وفساد وإصرار علي توريث السلطة....لكن تلك العفوية المحتجة علي الأوضاع لم تكن تعرف سوي حتمية رحيل مبارك دون أن تخطط ماذا تفعل بعد الرحيل...كتلة هائلة من المصريين احتشدت في ميدان التحرير-وسائر ميادين مصر-وبقيت هناك تزأر في غضب واصرار ارحل...ارحل... ثم مش هانمشي...هو يمشي... بالرغم من المحاولات المستميتة لإرهابها وتفريقها حتي أن سقوط القتلي والمصابين لم ينجح إلا في زيادتها إصرارا علي مطالبها,حتي جاء اليوم التاريخي 11فبراير حين زحفت الجموع الهادرة إلي قصر العروبة وكان هو اليوم الذي تحقق فيه الرحيل.
لكن في الوقت الذي احتفلت فيه تلك الجموع بنجاح ثورتها بدأ الكثيرون يتساءلون عما يحدث بعد ذلك,فقد ظهر جليا أن الفورة الشعبية التي اكتسبت لقب ثورة تفتقد القيادة والرؤية والخطة لما بعد نجاحها في إسقاط النظام,ولذلك كانت الفرصة سانحة للانقضاض علي الثورة بواسطة الإخوان المسلمين الذين يمتلكون القيادة والتنظيم والذين ما لثبوا أن احتلوا منصات الخطابة في الميدان واستأثروا دون غيرهم بتوجيه الأمور إلي المنحي الذي يخدم أهدافهم ويضغط علي المجلس العسكري المتولي تسيير شئون البلاد للانصياع لرغباتهم والميل لمهادنتهم,بل وصل بهم الحال إلي تزييف أصالة الثورة واختطافها من المصريين البسطاء الذين فجروها ونسبتها إلي أنفسهم بادعاء أنهم المفكرون والمخططون والمنفذون الذين وقفوا وراءها وحققوها!!!
هكذا اختطفت ثورة 25يناير...وهكذا دانت قيادتها وتوجيه دفتها للإخوان المسلمين...ومضت الشهور ليترتفع نجمهم ويفرضوا أنفسهم كأوصياء عليها ووارثين لغنيمتها دون غيرهم وبات واضحا جليا لباقي المصريين-العارين من أي كيان سياسي منظم-أنه لا مفر من نشوب صراع بين معسكر الإسلام السياسي بقيادة الإخوان المسلمين وبمؤازرة الجماعات الإسلامية التي برزت علي السطح وأولها السلفيون,وبين معسكر التيارات السياسية والشعبية والشبابية-المبعثرة وغير المتحالفة مع بعضها البعض-حول المستقبل السياسي للثورة....وكان من الطبيعي أن يكون التفوق لمعسكر الإسلام السياسي بسبب تنظيمه من جانب وبسبب عنفه وإرهابه الذي لم يتورع أن يبسطه علي خصومه السياسيين من جانب آخر وبسبب تقاعس المجلس العسكري عن حسم ذلك الصراع لصالح الدولة المدنية الحديثة التي قامت من أجلها الثورة من جانب ثالث.
لذلك عندما حلت الذكري الأولي لثورة 25يناير لم تكن احتفالا بقدر ما كانت تجثم عليها مشاعر القلق والتوجس وتفيض عليها أجواء الصراع...ثم توالت الأحداث لتحصد الثورة برلمانا ذا نزعة إسلامية متربصة بالتشريع حتي أن البعض أطلق عليهمدرسة المشاغبين,ومن بعده تدخل مصر في سباق انتخابات رئاسة الجمهورية التي أطاحت بأحلام المصريين في أول رئيس مدني منتخب حيث شابها الكثير من المواربة واللغط والغموض مع تهديد الإخوان المسلمين بحرق مصر وتحويلها إلي بحور من الدم إذا لم يفز مرشحهم محمد مرسي بالرئاسة-والحقيقة أن حقيقة ماحدث في ذلك الوقت مايزال ينتظر الكشف عنه
وإجلاء أسراره-وكانت النتيجة أن فاز محمد مرسي وأصبح أول رئيس مدني لمصر منذ قيام ثورة 23يوليو1952.
وبينما صرخ جزء من المصريين غضبا واحتجاجا علي ماحدث,تقبل الجزء الآخر الأمر الواقع ظانين أن محمد مرسي سيفي بوعوده الانتخابية ويتخلي عن تبعيته للإخوان ويكون رئيسا لكل المصريين ويسرع في تنفيذ خطط الإصلاح الاقتصادي التي التزم بها في مائة يوم...لكن محمد مرسي لم يضع وقتا في الكشف عن وجهه الحقيقي وهويته الإخوانية وسرعان ما انقض علي السلطة القضائية بضربة استبدادية غير مسبوقة حتي في أعتي أوقاتحكم العسكر الذين سبقوه...ومن أجل حشد التأييد لفعلته الصادمة للمصريين خرج لأنصاره المجتمعين يحدثهم بقوله:أهلي وعشيرتي وهنا أدرك كل من لم يكن قد أدرك بعد أن محمد مرسي وجماعته قد كشفوا عن وجههم القبيح واستأثروا وحدهم بالحكم والاستبداد وأن ثورة 25يناير لم تعد سوي ذكري طيبة ضلت طريقها وتم اختطافها...ومنذ ذلك التاريخ تحولت الأمور جميعها إلي صراعات علنية بين الإخوان المسلمين وبين المصريين وكان أبرز تلك الصراعات جانبها الدموي البائس لهجمات شباب الإخوان علي المظاهرات والاعتصامات السلمية حيث سقط الكثيرون بين قتلي وجرحي,وتساءل الكافة:هل مصر علي شفي حرب أهلية؟بينما تحسر آخرون علي الحال متمنين انقلابا عسكريا يستولي علي السلطة من فرط غضبهم من الإخوان ويأسهم من عجز المعارضة السياسية...كما كانت هناك معركة أخري في خضم ذلك الصراع وهي معركة دستور2012 التي شهد فيها المصريون دستورا كانوا يعلقون عليه كل الآمال في دولة ديمقراطية حديثة فإذا بالإخوان وأتباعهم من التيارات الإسلامية يختطفونه في الجمعية التأسيسية وفي تمرير مواده وفي الاستفتاء عليه...وهنا دب الإحباط واليأس في النفوس وبدأ الكثيرون يتساءلون عن متي يتم الخلاص من ذلك الواقع الكئيب.
وسط ذلك كله حلت الذكري الثانية لثورة 25يناير,فكانت الأجواء المسيطرة علي الذكري أشبه بسرادق يتلقي فيه المصريين العزاء في ثورتهم أكثر من الاحتفال بها...واستمرت فصول الهزل السياسي من جانب محمد مرسي وأخوته أركان الدولة والحكم من جانب جماعته حتي دب اليأس والقنوط في نفوس المصريين وأصبحت مصر أمة منقسمة علي نفسها محطمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفنيا ورياضيا!!!...ووسط كل ذلك الفشل والانحدار-وبعناية الله الذي يحفظ هذا البلد-ولدت حركةتمرد.
كان لحركةتمرد مفعول السحر في إيقاظ المصريين وبعث الأمل من جديد في نفوسهم بأنه يمكن تحدي الواقع والخلاص منه...وبالفعل مرت الشهور ثقيلة حتي اقتربت مصر من الموعد المرتقب30يونية وبدأ المصريون قبل ذلك التاريخ يحتشدون بكثافة غير مسبوقة...الملايين الهادرة نزلت إلي الشوارع وضاقت بها الميادين والطرقات مطالبة بالرحيل الثاني بعد رحيل مبارك...رحيل طاغية جديد تنكر لأخلام ثورة 25يناير وأدخل مصر في نفق مظلم من الكآبة والتخلف...ولم يستغرق الأمر طويلا حتي تحرك جيش مصر العظيم لينحاز إلي ملايين المصريين ويتم إقصاء محمد مرسي وتعيين عدلي منصور رئيس جمهورية مؤقتا وتحديد خريطة طريق لتعديل الدستور وانتخاب رئيس وبرلمان جديدين.
الآن مصر عبرت التحدي الأول في خريطة الطريق وأصبح لها دستور عظيم وافق عليه المصريون بأغلبية كاسحة,وبينما تمضي مصر واثقة نحو استكمال خريطة الطريق,تحل علينا الذكري الثالثة لثورة25يناير,لكن هذه المرة ينزل المصريون ليحتفلوا بها تغمرهم مشاعر البهجة والثقة,وبرغم ضربات الإرهاب ولدغاته الخسيسة ينظر المصريون إلي المستقبل بالأمل والاطمئنان...نعم فقد تم في30يونية إنقاذ 25يناير.