بقلم: سعيد فايز
لن أتحدث هنا عن رحلة مجموعة الثلاثة محامين إلى بهجورة، ولن أتحدث عما قمنا بتوثيقه، ولن أتحدث عن مضايقات الأمن لنا؛ ولكني سأتحدث عن الصورة المخبئة – بفعل ممارسات الأمن-  داخل صدور أهل بهجورة.
فبعد أن قمنا بزيارة أهل الضحايا، وقمنا بتقديم واجب العزاء للمصريين في نجع حمادي (مسيحيين ومسلمين)، والذين تم الاعتداء عليهم في مذبحة عيد الميلاد، قررنا أن نذهب إلى قرية بهجورة لزيارة أهل السيدة التي ماتت مختنقة وقت حريق بهجورة، وأيضًا زيارة أهل الشباب الذين تم اعتقالهم من قِبل الأمن تحت ما سُمي (بأحداث الشغب).

 كنا قد وصلنا إلى بهجورة في حدود الساعة السابعة مساءًا وكان بصحبتنا "الرائع" دكتور وليم ويصا، وأيضًا ثلاثة من شباب نجع حمادي.. دخلنا هذا الشارع الطويل والذي يقع على جانبيه الكثير من المنازل والحواري والأزقة، لم تشغلنا نظرات الناس لنا؛ فكنا نعلل هذه النظرات بسبب أننا أغراب ولسنا من أهل القرية.. وحال دخولنا المنزل الأول؛ وهو لأحد الشباب المعتقليين– لاحظت وجود رجل في جلباب صعيدي ويحمل على كتفه بندقية، عرفت منها أنه غفير، وقد نظر إلينا طويلاً وهو يحصر عددنا ويحفظ أشكالنا حتى يُبلغ عنا فورًا، لم نهتم ومضينا في طريقنا.
أنهينا زيارتنا وخرجنا إلى الشارع حتى نذهب لمنزل آخر، وأثناء تجولنا، فوجئنا بشخص ينادي علينا من خلفنا بصوت عالٍ.. يا بهوات.. وقفنا والتفتنا إليه ثم اتجه هو إلينا وهو يقول .. أنا الرائد فلان، من أنتم؟ ... فأجبنها لِمَا تريد أن تعرف؟ ... فقال أنا المسئول هنا، ويجب أن أعرف كل الناس... فعرفناه بأنفسنا وبأننا محامون وأننا جئنا بهجورة بهدف تقديم التعزية وأننا نتبع منظمة "نور الشمس للتنمية وحقوق الإنسان"، وما أن قلنا حقوق الإنسان حتى سألنا بسرعة: "طيب ممكن أشوف التصريح بتاع الزيارة؟".. صُدِمنا من السؤال، "تصريح.. تصريح إيه؟! إحنا مصريين وداخل مصر"، وكانت إجابتي له، "أنا إللي أعرفه إن التصريح بيكون لمنطقة عسكرية أو سجن وإحنا في قرية صغيرة"، وتجولت عيناي الشارع الذي نحن فيه، فلاحظت وجود تكتلات كثيرة من أفراد قليلة العدد، وكان من الواضح لي أننا محاصرون بالأمن. لن أكمل ما حدث بعد ذلك فهو لا يهمني، ولن أهتم بما حدث معنا في مديرية أمن نجع حمادي، ولكني سوف أقف أمام هذا التعبير (معاك تصريح زيارة؟).

لِمَا تم فرض الحراسة على قرية بهجورة؟
أنا سألت أحد رجال الأمن هذ السؤل، وكانت الإجابة هي "نحن هنا كي نحمي أهل البلد حتى لا يحدث صراع بين المسيحيين والمسلمين".

ولكن المشكلة أن هذا الشارع تحديدًا الذي شهد هذه الكثافة الأمنية، أكثر من 95 في المائة من سكانه من المسيحيين، فهل سوف يحمي الاقباط من الاقباط؟، حتى لا يقوم المسيحيون بحرق ممتلكاتهم وينسبوا هذا الفعل الإجرامي للمسلمين.

وما السبب في وجود كل هذا العدد من الغفراء والمخبرين داخل شوارع بهجورة؟
ما عرفته أن السبب الحقيقي في وجودهم هو الإبلاغ فورًا عن وجود أي شخص غريب في شوارع بهجورة.
كثير من الاسئلة تدور في ذهني عن السبب الحقيقي لهذا الحصار، وإعلان بهجورة منطقة عسكرية، ولم أعرف إجابة، إلا وأنا في طريقي- لمديرة أمن نجع حمادي لمقابلة رئيس فرع أمن الدولة بنجع حمادي-  وبجواري أحد رجال الشرطة، فقد قال لي بالحرف الواحد (يعنى عايزني أسيبك تمشي براحتك في بهجورة وخلال نص ساعة ألقى البلد كلها وراك بتعمل مظاهرة).

إذن السبب الحقيقي وراء هذا الحصار هو الآتي:
أولاً: قمع الغضب والاستياء داخل نفوس أهل بهجورة والذي تكون نتيجة لأحداث العنف والحريق، واعتقال شباب بهجورة، فينبغي ألا يصعد هذا الغضب إلى السطح، بل ينبغى أن يُدفن داخل صدور أهل البلد. ولأنهم يتحكمون في أهل البلد البسطاء عن طريق الترويع والتخويف، فلن يكون هناك مشكلة، ولكن المشكلة في دخول أناس غرباء لم يتعلموا الخوف، فالحل منع أي شخص من الدخول أو منع أهل البلد من الاتصال بهذا الغريب الزائر.
ثانيًا: الخوف من كلام هولاء البسطاء، فمن الممكن تحت ضغط الضيق والضجر الذي يعيشون فيه، أن يتحدثوا عن الجرائم التي ترتكب في حقهم، وهي جرائم لا إنسانية، فإن تحدثوا لبعضهم البعض فلا مشكلة، فالكل تحت السكين، ولكن المشكلة في التصعيد سواء على المستوى المحلي أو الدولي، فالحل إذن هو حصار كامل لمنع دخول أي شخص إليهم.
وقف السيد مجدي أيوب وبعض السادة المسئولين ليقولوا للعالم كله "إن الأوضاع الآن هادئة ومستقرة". وهذا هو الوضع على السطح بالفعل، ولكن خلف تلك الصورة كارثة، فأنا أحذر من كارثة إنسانية سوف تحدث في نجع حمادي في القريب العاجل وسوف تبدأ من سجن بهجورة الدولي.

saidfayaz@yahoo.com