بقلم: عزمي إبراهيـم
بينما احتفلت مصر هذا الأسبوع بعيد رجال الشرطة البواسل في الذكرى الثالثة لثورة يناير 2011، احتفل أيضاً الأخوانيون ومساندينهم من حماس وأنصار بيت المقدس بمصر بتلك المناسبة، لكن بطريقتهم الخاصة.
احتفلوا بالقيام بموجة إرهاب عاصفة مجنونة على مدن وشعب مصر. وإن كنت قادر على تخمين مبررٍ لهم (من وجهة نظرهم) فيما فعلوا (وأدرجه فيما بعد)، فلست بقادر على إدراك هدف أو نتيجة تُرجَى لهم من تلك الموجة أو "الهوجة" بالتفجير والتخريب والتدمير على "وطنهم" أو المفروض أنه وطنهم، وبسفك دماء الأبرياء من مواطنيه.
فالإرهاب سواء بفاعل فردي، أو جماعي بالاستعمال العَفوي أو العَمدي لسلوكيات متكررة متنوعة من طبيعتها إثارة الرعب والضرر في الناس والحكومات بقصد تحقيق أهداف معينة بالأعمال التي من طبيعتها أن تثير لدى الناس إحساساً بالخوف والمعاناة علاوة على التدمير والتخريب هو عمل بربري شنيع واغتصاب صريح لكرامة الإنسان و"خيانة عظمى" للوطن.
والارهابى..هو من يقوم بتلك الأعمال الإرهابية معتدياً على أبسط حقوق الإنسان، وهي شعور ذاك الإنسان بالأمان علي حريته وعمله وممتلكاته بل على حياته وحياة أسرته ووطنه. كما أن الإرهابي هو من يعتدي على منشئات الدولة ومؤسساتها والتسبب في شلل عملياتها وخدماتها وتكليفها تكاليفاً باهظة لمقاومة الإرهاب وترميم وإعادة إنشاء ما دمره. فالارهاب جريمة والإرهابي مجرم طبقاً لمبادئ الأديان والقوانين والوطنية والعرف والأخلاق الاجتماعية والطبيعة الإنسانية السوية.
أما عن الهدف من الإرهاب فيختلف من حالة إلى حالة ومن جماعة إرهابية لجماعة إرهابية. ففي هذه الحالة قام الأخوان المسلمون بسلسلة اغتصابات بدأوها باغتصاب منصات التحرير في ثورة يناير 2011، ثم اغتصاب الانتخابات البرلمانية بالترغيب والرشاوي والزيت والسكر والصابون وترعيب اللجان والمنتخبين المعارضين لهم، ثم اغتصاب رئاسة الجمهورية بالتهديد وتزوير تذاكر التصويت في المطابع الأميرية، ثم اغتصاب دستور 2012، دستور القبيلة، ثم اغتصاب أجهزة مصر، حكومة ومؤسسات ونقابات واعلام. وجميعها امتلاك مناصب وسلطات لم تكن مستحقة لهم. وبعد ثورة 30 يونيو 2013 وعودة مصر لأصحابها وطرد الأخوان من الساحة السياسية، نبتت في نفوسهم نوازع الانتقام لفقدانهم ما لم يكن في الأصل مستحق لهم. فلا تعريف لديَّ لهدف الأخوان وأعوانهم في هذه الحالة، ألا أنه الرغبة في اغتصاب أمر غير مُستحَق لهم، والإنتقام لفقدان ما هو غير مستحَقٍ اغتصبوه فاستعاده صاحبه.
أما عن قيامهم بقتل الأبرياء بالتفجير الانتحاري باسم الدين، فليس هناك دين حق ولا عقيدة سوية على سطح الأرض حتى لدى عابدي الشمس والقمر والبقر والحجر تبيح قتل البشر لأي سببٍ مهما كان، حتى لإجبارهم ليؤمنوا بها. والأديان المسماة سمائية والتي تعبد "الله" لا تبيح قتل البشر حتى في "سبيل الله" كما يظن البعض، أو كما يدَّعي البعض، أو كما يؤمن البعض!!
فوصايا "اللــه" التي أعطاها لموسى النبي وأقَرَّتها اليهودية والمسيحية والإسلام، وبُنيَت عليها القوانين المدنية السامية في أرقى وأعدل الدول، تقر مبدأ "لا تقتــل" ولا تزيد علي ذلك حرفاً. ولا أتصور أن الله خالق البشر يطلب من بعض البشر قتل البشر لكي يؤمنوا به. وكأنه بجلاله وقدراته الغير محدودة غير قادر أن يجعلهم هو يؤمنون به، أو أن "يخفس بهم الأرض".. بدلا من جعل "المؤمنين به" سافكي دماء قتلة مجرمين خطائين!!!
كما أن جميع العقائد، وبالأخص ما تسمى سمائية، تُحَرِّم الانتحار أي قتل الذات. وتقرِّر أنها خطيئة في حق الله. فمن يتخذ الإرهاب وسيلة لقتل الأبرياء مضحياً بذاته، أو محرضاً لغيره لقتل الغير والانتحار، بأجر عينيّ أو للوصول لسلطة أو للوصول إلى الجنة في رحاب الله حيث الحور كما يُقنعه دافعوه ومحرضوه!! فقد ارتكب خطيئتين في حق الله والبشرية: قتل ذاته وقتل آخرين. فهو ومن حَرَّضه كاذبون وكافرون بالله خالق البشر وواهبهم الحياة لا الموت بيد قاتل يدَّعي أنه "مؤمن" به!!!
الشر لا ينبت في النفوس الطيبة. لأن النفس البارة أرضٌ خصبة للخير، تحتضن بذوره من ثلاث مصادر أساسية: وهي مبادئ الأديان السامية، وعدالة القوانين المدنية الإنسانية، ونقاء البيئة وما تمنحه من رعاية تربوية أسرية وإجتماعية. وللخير مزايا رائعة تعود ليس فقط على حامليه بل على المحيطين بهم، أي عائلاتهم ومجتمعهم ووطنهم والعالم أجمع. وقد قيل في المثل الشعبي "الخير يعُم على الكل والشر يعود لاصحابه".
ولكن للشر بريق لامع خادع مُغري، يضوي في ظلام الضمائر المريضة والنفوس الضعيفة مرتكزاً على دعائم واهية وأحياناً وهمية، وعلى دوافع سلبية غير سوية يضفي عليها البعض صبغة من دين أو قانون أو عُرف اجتماعي، والدين والقانون والعرف منها براء. وقد يخبو أو يتوارى بريق الشر في تلك النفوس مؤقتاً، كنار تحت تبن، لكنه لا يلبث أن ينتفض شراراً ويشتعل ناراً حارقة مدمرة في تلك النفوس يغلف دخانها عقولهم وقلوبهم، وتدفعهم لارتكاب أعمال شيطانية: ظلم وعنف وارهاب وتحرش وخطف واغتصاب وقتل الأبرياء وهدم وحرق التراث الوطني والثروات الوطنية والمقدسات.
وقد تنبثق تلك المشاعر السوداء نابعة من الذات، أو مدفوعة من البيئة، أو من الإثنين معاً. أي قد ينبت الشر في بعض النفوس من أمراض نفسية شخصية، أو من بذور يبذرها آخرون يحملون تلك النوازع الشريرة، يجلسون في الخلف في سلام آمنين مستترين دافعين الضعفاء والأغبياء المخدوعين والمحتاجين تابعين مأجورين لتنفيذ أوامر مرشديهم ورؤساء خلاياهم.
هل ينتصر الشرير في إقامة ما يبغى من الشرور؟؟ نعم، كما ينتصر الظالم الذي يستمرئ ظلم الأبرياء. وكما ينتشي الطاغية أو الفوضوي الغوغائي الذي يستقوى على الضعفاء. وكما ينتصر الإرهابي عندما يُفَجِّر القنابل ويزهق أرواحاً بريئة، ويسفك دماء أطفال ونساء ورجال لم يحركوا إصبعاً في حياتهم لإلحاق ضرر به. بل لم يلتق بهم ولم يروا وجهه القبيح في حياتهم. ولكن هل يطول انتصار الشر والشرير؟؟
بالطبع لا. أبداً لن تطول زهوة قاتل، ولا فرحة شرير، ولا نصر طاغية. والتاريخ مليء باندثار مملكة الشيطان. كل طاغية شرير وارهابي متوحش لقي مصيره من نوع شره. ومن أغفله الزمن فزمانه آتٍ لا محالة. نعم، الشر يغلي ويفور، ويحترق ناراً في قلب حامله فيحرقه حياً وسيلقى عقابه مِن خالقه إن عاجلاً أو آجلاً.
فلم يطل انتصار أدولف هتلر وأسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي الذي كان يكبر الله وهو يذبح أعناق الأبرياء. كل انتصاراتهم كانت قصيرة الأمد، لم تدم. بل طالتهم الهزيمة جميعاً بعد سنين أو بعد ساعات!! قد ينتصر الإرهابي فترة وينتشي من زهوة شرِّه وانتصاره المؤقت. ولكنه سيعيش طريداً، وسينال مرارة الهزيمة إن عاجلا أو آجلا. وقد قيل: "النصر في معركة لا يعني اكتساب الحرب."
فنصرُ الإرهابي نصرٌ زائفٌ ومؤقتٌ. ومصيره على الأرض أسوأ من مما فعل بضحاياه الأبرياء. أما مصيره بعد حياته فعدل الله خالقه وخالق ضحاياه كفيل به. لأن اللـه، لمن يؤمن بـ "اللـه"، خلق الناس للخير والنور والحياة، لا للشر والظلام والقتل وسفك دماء الأبرياء.
ومهمـا الجبــان عاش في أمــان
وخـــاف واسـتـخِـبَّى
وواخــد الحيــاة في مفهومُـه لِعـبَــه
نــار تحـت تِبـــن.. ودخانــها بايــن
مُــراوغ وخايــن
بحقــد وغبــاء.. سَـيـَّـح دمـــاء.. نــاس أبريــاء
وحطـَّـم وهَــدِّم.. وثـَكـِّـل ويتــِّـم.. بكـل افتــــراء
باســـم الديـــانة.. واســـم الإلــــَــه
ما خــَـلا وراه
لا شـرَّف ديــانـة.. ولا راعَـى إلــَـه
حياخــد جـــزاه وياخـــد معـــاه
شَـــرُّه العتيــــد
فلا عـاش مجاهــد ولا مـات شهيـد