أبراهيم عيسي | السبت ٢٥ يناير ٢٠١٤ -
٣٤:
١٠ ص +02:00 EET
أبراهيم عيسي
بقلم إبراهيم عيسي
اسمحوا لى أن أندهش من غياب ردود فعل أمريكية وغربية واسعة أو حتى ضيقة على منعٍ نهائى كامل لبرنامج مسرحى كوميدى شهير فى فرنسا.العرض المسرحى والتليفزيونى يقدمه «ديودونيه» الفنان الساخر، نجم عروض تنتشر فى فرنسا وغيرها من دول العالم الغربى، حيث يقف وحيدًا بمفرده على المسرح ويقدم رؤيته الساخرة لظواهر اجتماعية (لم يقل أحد عن هذه العروض إنها لَتّاتة مثلًا ولا إنها تعتمد على النجومية ولا بيتكلم بأمارة إيه، لأنك بالطبع يمكن أن لا تشاهده وتريح دماغك).
ديودونيه، الفرنسى الكاميرونى الأصل، 47 سنة، نجم كبير لدى الشباب وغيرهم من قطاعات المجتمع التى تفضل العروض الساخرة الناقدة لمجتمعها مهما كانت درجة قسوة النقد، بل وحتى سخافة السخرية.
ديودونيه، يوجه سخريته ضد العرب والسود، وضد الصهيونية والغزو الأمريكى بكل أنواعه وتدخُّل فرنسا فى إفريقيا. وكما يصفه تقرير صحفى بارع نشرته ندى الأزهرى فى جريدة «الحياة» الأحد الماضى فإن جرأة الرجل لا تهتم بالخطاب السائد، وبما يطلق عليه فى فرنسا «اللائق سياسيا واجتماعيا»..
الحاصل أن بداية هذا الشهر صدر تعميم لوزير الداخلية الفرنسى مانويل فالس موجَّهًا إلى المحافظات، بمنع عروض ديودونيه فى مسارح مدنهم «لإخلالها بالأمن العام»، وبدعوى «مكافحة العنصرية واللا سامية».
المدهش هنا ما قاله وزير الداخلية (لاحظ، الداخلية!) لصحيفة «نوفيل أوبسيرفاتور» اليسارية، إن «ديودونيه ليس فنانًا ساخرًا، بل هو خصم للديمقراطية»، وإن عروضه لم تعد تنتمى إلى الإبداع الفنى، بل هى «اجتماعات سياسية تقدم خطاب الكُرْه». بعض الصحف هناك، كما يحكى تقرير ندى الأزهرى، قال إن ديودونيه يمثل «جانبًا مظلمًا من فرنسا». ويضيف التقرير أن رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند، اعتبر -وفق صحيفة «لوفيجارو»-
أنها ليست «قضية شخص أو ظرف، بل قبل كل شىء قضية مبادئ الجمهورية التى يجب التذكير بها باستمرار». مطالبًا بضرورة وقوف ممثلى الدولة فى مواجهة كل انتهاكات مبادئ الجمهورية والعنصرية واللا سامية وكل ما يضرّ بالأمن العام (…) كى لا يستطيع أحد استخدام الحفلات من أجل أغراض تحريضية لتغذية طروحات قد تكون معادية للسامية بكل وضوح.
وقد دعم ممثلو الديانات الثلاث موقف الرئيس.
وأيَّد «دليل بو بكر» عميد مسجد باريس «تصميم الرئيس على الكفاح ضد مظاهر الكُرْه والعنصرية والعداء للسامية» و«كراهية الإسلام»..
طبعًا هاجمت شخصيات فرنسية وأحزاب هذا القرار، لكن هجومها لم يغيِّر من واقع الأمر شيئًا، فالمنع تم ومستمر، فضلًا عن أن الرجل نفسه رضخ للقرار، رغم أن بعض معجبيه قام بوقفة احتجاجية.. للمفارقة انتهت بالقبض على خمسين شخصًا من معجبيه خلالها، لأنهم تظاهروا من دون ترخيص!
ها.. ما رأيكم؟
لست مهتمًّا كثيرًا بما يقال عن الرجل، بقدر اهتمامى بأن المنظمات الحقوقية (أو الخارجية الأمريكية) لم تنتفض وتهاجم فرنسا لقرار اتخذَته حكومتها (وليس أى طرف آخر بالمناسبة) واعتبرَت القرار يثير قلقًا حول احترام فرنسا للحريات وحق التعبير! الجدير بالتأمل أن مجلس الدولة الفرنسى، وهو أعلى هيئات القضاء هناك، أعطى قراره بتأييد المنع فى وقت قياسى جدًّا لم يتجاوز ثلاث ساعات، بل قبل لحظات من بدء حفلة ديودونيه فى إحدى المدن.
ماذا لو كان هذا القرار مصريا وحكوميا؟! ونروح بعيد ليه.. ألم تهاجم أمريكا -وفرنسا بالمناسبة- إغلاق قنوات الإخوان والسلفيين فى مصر، واعتبرتْه مَساسًا بحرية التعبير؟!
إنهم مجموعة من الأفاقين يديرون العالم بمصالحهم، ولا قيم ولا يحزنون، بل هى الانتهازية والإفك فى عَرض مستمر!
نقلا عن جريدة التحرير
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع