الأقباط متحدون - الخمر في الأديان والله الديان
أخر تحديث ١٧:٢٥ | الثلاثاء ٢١ يناير ٢٠١٤ | طوبة ١٧٣٠ ش ١٣ | العدد ٣٠٧٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الخمر في الأديان والله الديان

ارشيفيه
ارشيفيه

بقلم: فاروق عطيه
في هذا البرد القارص والصقيع القاتل خطر علي بالى بيت من الشعر للشاعر العباسي الماجن أبي النواس حيث قال: جاء الشتاء فأعددنا له عدته *** كيس وكأس و .. ناعم. (كيس من الدنانير ليصرف منه على المطلبين الآخرين) كما توارد على خاطري بيت شعر لعمرو بن كلثوم حيث قال: ألا هبي بصحنك فاصبحينا *** ولا تبقى خمور الأندرينا وجاءني من بعيد صدى صوت أم كُلثوم يصدح: هل رأي الحب سكارى مثلنا. ويتجاوب معه صوت عبد الوهاب هامسا: ههاتها. فهفت نفسي لكأس من النبيذ يشعل الدفيء في عظامي المقرورة الناخرة، وقبل أن تلبي يدى النداء دوّي في أذنيّ تحذير ووعيد: الخمر حرام لا تقربه وإلا فأنت كافر وتطبق عليك الحدود.

فبحثت قارئا عن الخمر في الأديان المعترف بها كديانات كسماوية فوجدت الآتي: حكم الخمر في اليهودية: الخمر الناتج عن الأرض(المقدسة)، يعتبر مع القمح والزيت، جزءاً من الغذاء اليومي (سفر التثنية 8 :8 ،11؛ أيام أول 12 :41) لأنه "يُفرح قلب الإنسان"(مزمور 104 :15، قضاة 9 :13). وتؤكد التقاليد العبرانية أن للخمر طابعين أحدهما يفيد والآخر يضر، فهو يعد من الخيرات المعتبرة، إذ يجعل للحياة بهجة (تلمود: سيراخ 32 :6، 4 :20) على أن يكون تناوله في اعتدال، وهذا ما يدخل في مجال التوازن الإنساني. أن الخمر حياة للإنسان إذا اعتدل في شربها (سيراخ 31 :32). ولأن الخمر من خيرات الله، ككل منتجات الأرض، فقد كان يُعد (في معبد شيلو) من التقدمات التي تقدم إلى الإله أو الكاهن، كما يدخل ضمن البواكير (أول كل شيء) التي تؤول إلى الكهنة (تثنية 18 :4، عدد 18 :12، الأيام الثاني 31 :5). وفي بعض أسفار العهد القديم فإن من العقوبات الكبرى، التي ينزلها الله بشعبه الذي يغضبه، حرمانه من الخمر (عاموس 5 :11، تثنية 28 :39). ومن ثم يكون النبيذ الوحيد الذي يُشرب حينذاك هو خمر غضب الله (اشعيا 51 :17). وبالعكس فإن السعادة التي وعد الله بها المؤمنين هي وفرة الخمر وكثرتها (عاموس 9 :14، هوشع 2 :24، ارميا 31 :12، أشعيا 25 :6، زكريا 9 :17). ورد في سفر الأمثال ما يلي: "الخمر مستهزئة، المُسكر عجاج، ومن يترنّح بهما فليس بحكيم" (أمثال1:20). وأيضاً في سفر الأمثال: "لمن الويل، لمن الشقاوة، لمن المخاصمات، لمن الكرب، لمن الجروح بلا سبب، لمن ازمهرار العينين، للذين يدمنون الخمر الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج.

لا تنظر إلى الخمر إذا احمرّت حين تظهر حبابها في الكأس، وساغت مرقرقة، في الآخر تلسع كالحيّة وتلدغ كالأفعوان" (أمثال 29:23-31). وقد بينت التوراة أن في شرب الخمر مضرّة كبيرة، فوضحت محذرة: "لا تكن بين شرَّيبيّ الخمر، بين المتلفين أجسادهم" (أمثال20:23). ونهت التوراة أيضاً عن السكر بالخمر منبهة عواقبه الوخيمة: "ويل للمبكرين صباحاً يتبعون المسكر، للمتأخرين في العتمة تلهبهم الخمر" (إشعياء11:5). وعلى جانب أخر، فقد كان الكهنة ملزمين بالامتناع عن تعاطي الخمر أثناء ممارسة وظائفهم، لأن هذه الممارسة تتطلب ضبطا كاملا للنفس، ولا سيما في حال التعليم، وكذلك عند الجلوس في مقعد القضاء لحل الخصومات (اللاويين 10 :9-10، حزقيال 44 :21-23) وفي التاريخ العبري أن عشيرة الركابيين أرادت بعد أن استوطن اليهود زمنا في ارض كنعان، أن تستحيي أحوال البداوة في الابتعاد عن الخمر(ارميا 35 :6-11) ولنفس الغرض كانت هناك عادة في الزهد تقوم على الامتناع عن تناول أي نتاج من الكرم، تدليلا على الإعراض عن الفرح والنشوة، وهو ما سمى بعادة النّذراء، الذين ينذرون أنفسهم إلى الله. وكانت حالة شمشون (الجبار) من حالات النذراء، أي المنذور إلى الله (قضاة 13 :4-25) وكذلك حالة صموئيل (صموئيل الأول 1 :11).

وعند تنظيم وضع النذراء في الناموس الكهنوتي، فإن الامتناع عن الخمر قد يكون مقررا بمثابة نذْر مؤقت (عدد 200:6). وقاعدة تجنب الخمر واردة في سفر اللاويين، وفي سفر العدد (وكلم الرب هارون قائلا خمرا ومسكرا لا تشرب أنْت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع (التي سبقت بناء المعبد وكانت تقام فيها الطقوس والشعائر الدينية). وذلك للتمييز بين المقدس والمحلل وبين النجس والطاهر (اللاويين 10 :8-10). وكلم الرب موسى قائلا: كلم بني إسرائيل وقل لهم: إذا انفرز رجل وامرأة لينذر نذر النذير ليتنذر للرب، فعن الخمر والمسكر يفترز (يجتنب) ولا يشرب خل الخمر ولا خل المسكر ولا يشرب من نقيع العنب ولا يأكل عنبا رطبا ولا يابسا. كل أيام نذره لا يأكل من كل ما يُعمل من جفنة الخمر من العجم حتى القشر (كل أيام نذر افترازه لا يمر موس على رأسه). عدد 6: 1-4 (والافتراز او الانفراز هو الاعتزال (لسان العرب، مادة: فرز). خلاصة ما جاء في التوراة والتلمود (تعاليم الأحبار)، أن الخمر عند اليهود حلال مباح، وليست حراما محظورا، مادامت تشرب باعتدال ودون إفراط، باعتبارها من مباهج الحياة ونشوتها. ولذلك فإن الله يمنعها عمن لا يرضي عنه، كعقاب له، ويقدمها بوفرة لمن يرضي عنه ثوابا له.

أما السكر حتى فقدان العقل فهو منهيّ عنه. ويحظر على الأحبار (الكهنة) شرب الخمر عند دخول خيمة الاجتماع او إلى المكان المخصص في المعبد للتعليم والقضاء في الخصومات (او الإفتاء). كذلك تحظر الخمر على المنذورين لله، ويكون الحظر موقوتا بفترة النذر فقط، وبحظر على المنذور الخمر وكل ما يمت للكرمة من أشكال (لا يأكل محشي ورق العنب). حكم الخمر في المسيحية: حين جاءت المسيحية قال يسوع جئت لأكمل لا لأنسخ فما حُلل في التوراة هو كذلك في المسيحية، فالخمر لم يحرم تحريما قاطعا لكن سُمح بتناوله في أغراض مختلفة كتطهير الجروح، وفي أغراض دينية في الهيكل وبتناول القليل منه كدواء لبعض الحالات المرضية، كما ورد على لسان بولس الرسول عندما قال لتلميذه تيموثاوس: "استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (1تيموثاوس 5:23). والمسيحية لا تحرم طعاما أو شرابا على خلفية دينية، حسب قول يسوع: "ليس ما يدخل الفم ينجّس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هذا ينجّس الإنسان" (متى 15:11).

ولم يُسمح بتعاطي الخمر بشكل كبير وبدرجة عشوائية ضارة لدرجة السكر، فقد جاء في العهد الجديد ما يلي: "إن كان أحد سكّيراً.. لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا" (1كورنثوس 5:11). "وأعمال الجسد ظاهرة التي هي زنى وعهارة، دعارة .. حسد، قتل، سُكر.. إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله" (غلاطية 5:19-21). "ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح" (أفسس 5:18). كما يذكر الانجيل أن خدام الرب يجب ألا يكونوا مولعين بالخمر الكثير بقوله: "كذلك يجب أن يكون الشمامسة ذوي وقار لا ذوي لسانين، غير مولعين بالخمر الكثير، ولا طماعين بالربح القبيح" (1تيموثاوس 3:8). ويقول: "فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم، بعل امرأة واحدة، صاحياً عاقلاً محتشماً، مضيفاً للغرباء صالحاً للتعليم، غير مدمن الخمر. الخ" (1تيموثاوس 3:2-3). من ذلك نلاحظ أن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد يشدّد على عدم السكر بالخمر،

فاليهودية والمسيحية قد حذرتا من السكر بالخمر الذي فيه الخلاعة، والبعض يجيز شرب القليل منه في المناسبات الاجتماعية، مع التحفّظ والانتباه إلى عدم السكر به. حكم الخمر في الإسلام: كان الخمر هو الشراب المفضل لبدو الجاهلية، تفننوا في صنعه وتفاخروا بشربه وسطروا أشعارهم في وصف منافعه خاصة في اليمن والحجاز وتهامة ويثرب والطائف ومكة وغيرها من البلدان. صنعوها من العسل والعنب والتمر والشعير. وكان من أشهر شاربيها عمرو بن كلثوم التغلبي والبرج بن مسهر الطائي والمهلهل بن أبى ربيعة وغيرهم من مشاهير شعراء العرب. وفي فترة الإسلام المكية (13 سنة الأولي) كان المسلمون يشربونها كالمشركين واستمروا على ذلك بعد الهجرة لثلاث أو خمس سنوات (اختلاف الروايات). وظل المسلمون يشربونها ويتاجرون بها ويأخذونها معهم في غزواتهم ومعاركهم، كما ان القرآن في البداية قد مدحها واعتبرها رزقا حسنا "ومن ثمرات النخيل والاعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً ان في ذلك لآية لقوم يعقلون" (النحل الآية 67)، كما أغرى القرآن المؤمنين بشراب خمر الجنة "وانهار من خمر لذة للشاربين" (سورة محمد 47 :15). وعندما سأل الأنصار النبي عن الخمر جاءت الآية "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس، واثمهما أكبر من نفعهما" (البقرة-219)، توضح هذه الآية أن للخمر منافع كما لها من أضرار ولم تتضمّن اي حكما بالتحريم، فشربها من رأى فيها فوائد وتركها من خاف من إثمها. ذات يوم شرب جماعة من الصحابة عند عبد الرحمن بن عوف حتى أدركتهم الصلاة فأمهم أحد الصحابة فقرأ "قل يا ايها الكافرون لا اعبد ما تعبدون" فحذف "لا"، فنهاهم القرآن عن الصلاة في حال السكر "يا ايها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" (النساء – الآية 43) فاستمر الشاربين على شربهم ولكنهم تجنبوا الصلاة عندما تلعب الخمر برؤوسهم حتى يفيقون.

حدث عراك بين الأوس والخزرج بسبب الخمر كما حدث خلاف بين سعد بن أبي وقاص والأنصار أدت إلى قلق النبي، فنزلت الآيتان اللتان تدعوان الى اجتناب شرب الخمر "يا ايها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون". "انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون" (المائدة – الآيتان 90 و91) والآيتان لا تحرمان الخمر بل تدعوان لتجنبه. والمحرمات في القرآن تكون جازمة إذا اقترنت بإحدى حالين: ان ينطق بلفظ التحريم صراحة كما في تحريم الدم والخنزير والميتة وزواج المحارم او ان يتضمن الفعل المحرّم عقوبة على مرتكبه، كما في عقوبة الزاني والسارق والقاتل، ولذلك دلالة واضحة فهو أمرٌ باجتناب الشرب ولا يرقى لمرتبة التحريم. كما أن النبي لم يقم حدّا على شارب الخمر، وقد شربها الكثيرون في زمانه بعد نزول الآية التي تدعو الى الاجتناب. ثم نزلت آية تقول "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا" (المائدة – 93) ثم آية ثانية، تقول "قل لا أجد فيما اوحي اليّ محرماً على طاعم يطعمه الا ان يكون ميتة او دماً مسفوحاً او لحم خنزير" (الأنعام – 145) وهي من أواخر الآيات التي جاءت في القرآن، مما يفيد بأن تسامحاً قد حصل بالنسبة الى الموقف من الخمر بعد الآية التي دعت الى اجتنابه، وعدم ادراجه بين الاطعمة المحرمة التي وردت في تلك الآيتين.

كان عمر بن الخطاب يحب شرب الخمر، وحين طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة وأتاه الطبيب وسأله عن أحب الشراب إليه قال: النبيذ، فسقي نبيذا (كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد ص 582) وهذا يدل على شربه للخمر حتى وهو على شفى الموت. كما شربها أبناءه الثلاثة: عبد الله وعصام وعبد الرحمن. وشرب الخمر محمد بن ابي بكر الصديق ومحمد بن ابي حذيفة، وفى عصر عثمان بن عفان كان أخوه لأمه الوليد بن عقبة يشرب الخمر، وكان والياً في عهد اخيه على الكوفة، فصلى بالناس وهو سكران، فزاد في الصلاة، ثم قال لهم ان شئتم زدتكم.

أما في عصري الخلافة الأموية والعباسية فقد كان الخلفاء أنفسهم يشربون الخمر مع ندمائهم من الشعراء مستمتعين بالعزف على الأوتار ودق الدفوف ورقص الغواني والمحظيات، ومنهم من كان يعشق الغلمان ويتيه بهم عشقا. وقد امتلأت بلاد الخلافة بالحانات بلا رقيب أو حسيب، خاصة في عصر هارون الرشيد العباسي (100 هـ)، مما دعي بعض الأئمة لتحليل تعاطى بعض أنواع الخمور. فقد حلل أبو حنيفة شرب النبيذ المصنوع من التمر والزبيب إن طبخ أدنى طبخ ويشرب منه قدر لا يسكر، ويرى أبو حنيفة أن شارب الخمر لا يعاقب إلا إذا سكر، والسكر درجة لاحقة لدرجة النشوة التي تجلب السرور والانبساط للشارب دون ان تذهب بعقله، وقد أيد ذلك الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر في لقائه مع عمرو أديب في برنامجه. وبعد الفحص والمحص والتدقيق في خبايا الديانات الإبراهيمية الثلاث وجدت أن جميعها لا تحرم الخمر تحريماً قاطعاً جازما بل حذرت من مضارة إذا شُرب بكثرة حتى مرحلة السكر وفقدان الوعي والخوف من الإدمان عليه لأن عواقبه ضارة بالشخص نفسه كما قد يتعرض المخالطين للسكارى للخطر.

فتشجعت وملأت كأسي بالنبيذ وشربت حتي انتشيت بالدفيء اللذيذ مستمعا لموشح "إملالي الأقداح صرفا" لـ فادية الحاج


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter