الثلاثاء ٢١ يناير ٢٠١٤ -
٠٩:
٠٧ ص +02:00 EET
ارشيفيه
بقلم :سمير حبشي
يا إخوتى : ما أجمل أن تتذوق قلوب أبناء مصر طعمٍ الفرحٍ ، بعدما كانت تحترق كرمال الصيف فى صحراء حكم الإخوان ، وقاربت أن تجف كأوراق الخريف .وأصبح الشعور بالفرح خلال الغيوم السوداء التى غطت مصر سنة كاملة من الفزع والخوف كالأمنية البعيدة المنال ، يراها الشعب ويترقبها بلهفة ، ويسعون جاهدين للوصول إليها ، قبل أن يصبحٍ الحزنِ فى حياتهم بلا نهايةً ..إن أشياء كثيرة داخل قلوب الشعب قد تحولت إلىِ غابات حزنِ، وزرعت الرئاسات الظالمة والخائنة لمصر الألم فى الأعماق ، ولكن معٍ الوقت ولأن شعب مصر يغطى عقله غلالة تسمى " الصبر طيب " صار متعطشا للفرحِ ، وأن ينهى هذا الزمان الممتد من خلف الغروب ، والذى يعصر قلبه عصرا عندما يجد قصور الأمل أصبحت تنهار واحدا بعد الآخر ، فكان لابد من أن يصنع فرحه بيديه .. فخرج بإحساس الفرح وتسبق خطواته الأمانى ، خرج بنعم للدستور ليزرع الدنيا تهاني ، خرج ليسطرالتاريخ قصيدة ،
خرج يحمل حـلـم السنـيـن و أمـانـي العمر .. شاهد العالم أجمع المصريين وهم يصوتون على دستورهم الذى صنع قبرا لدستور ٢٠١٢ الإخوانى ، الذى كان طائفيا وفُصَل لصالح الجماعة ،شاهد العالم المصريين وهم يغزلون ثوب الفرح للعروس مصر بكلمة نعم ، وكان خروجه من الريف الصغير إلى المدينة الكبيرة رسالة للعالم كله ، بأن خروجه فى 30 يونيو كان ثورة شعبية وليس إنقلابا عسكريا ، كما يحاول أن يسميه الخونة والعملاء ، وقد كان الإستفتاء توثيقا رسميا لهذه الثورة .
ولأن كل شئ بالثالوث يصير كاملا ، كان هذا هو الخروج الثالث لأبناء مصر، فقد كان خروجه الأول وإعتصام الملايين ثلاثة أسابيع بميدان التحرير فى
25 يناير حتى رحيل مبارك قد أبهر العالم .. ولقن المصريون درسا للعالم كله بأن إرادة الشعوب أعلى من كل الجباه .. وفى الخروج الثانى كان الأربعون مليونا ضد بيع مصر وضد الإرهاب ، ضد حكم الإخوان الذين حاولوا فرض الفاشية الدينية ، والإنطلاق إلى الحكم الاستبدادى ، خرجت الملايين لترسل محمد مرسى العياط إلى مكانه الذى أتى منه ، وهو وراء القضبان ، وانتهاء حقبة حكم الإخوان ، التى استمرت عاما من الخيانة ، ولتصحيح مسار ثورة ٢٥ يناير التى استولى عليها الإخوان الإرهابيون .
كان يومى الإستفتاء من أسعد الأيام التى مرت على المصريين ، كان التعبيرعن الفرح من عمق القلب ، وكان فرحا عاما ، وفى الأفراح العامة وعندما تكون البهجة طاغية دائما يختفى الخجل ، فرأينا السيدة كبيرة السن وهى ترقص ويهتز جسمها من فرط النشوة ، التى تعزف موسيقى الفؤاد فيحياها الإنسان ، ويحكى عنها كأنها الكون والأمل ، ولم تكن ترقص فقط ولكن رقصها كان إبتهالا ، فانغمست بين الشابات والراقصين على أنغام تسلم الأيادى.
لقد أثرت فى نفسى جدا هذه المشاهد وأنا أشاهدها عبر القنوات الفضائية ، ولكن ما كان له تأثيرا لن أنساه ، والذى يبرهن عن حب الشعب الجارف لبلده مصر ، كانت بعض الحالات مثل الأب المريض وهو يتنفس من أنبوبة أكسوجين ويسير إبنه ورائه حاملا الأنبوبة له – السيدة مريم صاحبة الثمانين عاما ، والتى سارت مسافة أربعة كيلو مترات بين الأراضى الزراعية ، وعند سؤالها ألم يكن هذا متعبا لك ؟ !! كان جوابها : مصر غالية يا إبنى ، ومن أجل مصر يهون كل شئ – الرجل مبتور الساق والقدم وعلى كرسى متحرك ، عندما يهبط من الدور السادس حيث يسكن ، ويذهب إلى لجنة الإستفتاء ليقول نعم للدستور ، وعند سؤاله تكون إجابته مشابهة تماما لإجابة السيدة مريم – مشهد أبونا ميخائيل أكبر كهنة الإسماعيلية سنا والذى تجاوز الثمانين من عمره ، وهو يتسند بل يتعلق فى ذراع أحد الجنود العملاقة ، ليذهب سيرا على قدميه لقولة نعم ، وكان من هذه المشاهد الكثير ، والتى تعجز كل مقومات اللغة ومفرداتها عن تصويرها ، والتى تتكلم بكل وضوح عن معدن الشعب المصرى.
واستيقظت يا إخوتى مصر على شمس دستورها الجديد بعد الموافقة بأغلبية ساحقة ، فبإنجاز الدستور ننتقل إلى المرحلة الآمنة ، ولكن عندما يصل الإنسان إلى صناعة عالم جميل خاص بمستقبله ، يجب أن يعرف أن أمامه واقعا شرسا ، لا علاقة له بالوهم ، فعندما يكون الحلم قادرا وجريئا يشدنا دائما إلى أن نعيش الحقيقة ، والحقيقة هى ما ينتظر مصر من بناء الوطن من جديد ، وهذه ليست بالمهمة السهلة ، تحتاج لرئيس مسؤول ، يستطيع استعادة مصر التى تم تخريبها فى سنوات الإستبداد والإخوان والإرهاب ، وإعادة وتطهير جميع مؤسساتها من الخونة والمأجورين .. وإنتاج قيادات جديدة بدلا من الذين قد تلوثت ضمائرهم ، وأصبحوا خداما لأى نظام حتى ولو كان خائنا لمصر .. رئيسا قادرا على تفعيل بنود الدستور الذى خرج الشعب من أجله ، وليس رئيسا يحيله إلى حبر على ورق ، رئيسا يعرف تماما بأنه عندما يكون الوطن فى خطر، فإن الحياد والمصالحة مع الإرهاب جريمة .. وأخيرا أحب أن أقول إن خروج الشعب فى 30 يونيو كان شهادة وفاة خالصة للإخوان ومن يتبعهم ، فقط كان ينقصها التوقيع وختم النسر ، ونعم للدستور كانت التوقيع والختم ..