الأحد ١٩ يناير ٢٠١٤ -
١٥:
٠٧ ص +02:00 EET
بقلم: يوسف سيدهم
اجتازت مصر بنجاح ملفت اختبار الاستفتاء علي دستورها الجديد, وكان مشهد حشود المصريين الذين اصطفوا أمام لجان الاستفتاء عظيما بجميع المقاييس,فلم يسبق أن بلغت نسبة المشاركين في التصويت 38% بناء علي المؤشرات شبه النهائية (حتي مثول الجريدة للطبع), الأمر الذي يعكس تحولا تاريخيا في تفاعل المصريين مع مسار إصلاح بلدهم وإصرارهم علي المشاركة في إنجاز خريطة الطريق التي أفرزتها ثورة30يونية.
خرج المصريون إلي لجان الاستفتاء متجاهلين حملات الترويع التي حاولت إثناءهم عن المشاركة ولم يقعوا فريسة الإرهاب الذي لايزال يتربص بمصر,لأنهم أدركوا أن الأمل في القضاء علي الإرهاب مرتبط بالمضي قدما نحو عبور التحدي الأول علي مسار التصحيح وهو الموافقة علي الدستور لترسيخ أساس تشريعي يحكم هذا البلد, فجاءت موافقتهم بنسبة 98%.
الآن تنتقل مصر إلي المرحلة الثانية من خريطة الطريق,وهي المرجح أن تكون انتخاب رئيس جمهورية ليسبق انتخاب البرلمان تلبية لمطالب معظم القوي السياسية...فهناك شبه إجماع علي أن آلية انتخاب رئيس الجمهورية-مهما تعدد المرشحون للمنصب-أيسر وأقل تعقيدا من آليات انتخاب البرلمان حيث يحتشد عشرات الآلاف من المرشحين وتحتدم المنافسة بين كافة القوي الحزبية والسياسية وقد تتحول تلك المنافسة إلي صراع ساخن في دوائر انتخابية كثيرة...لذلك يشعر الكافة أن وجود دستور راسخ علاوة علي رئيس جمهورية منتخب هو بمثابة صمام أمان سياسي لاستقرار هذا البلد ولضمان تجربة انتخابات برلمانية آمنة...ولعل تقديم انتخاب رئيس الجمهورية علي انتخاب البرلمان يعطي فسحة أكبر من الوقت تحتاجها معظم القوي الحزبية والسياسية لتقدير أمورها وتنظم صفوفها قبل خوض منافسات البرلمان,فمازلنا في انتظار حسم نظام الانتخابات الذي لم يحسمه الدستور بين الفردي أو القوائم-أو بهما معا-وذلك سيكون له انعكاساته علي الترشيحات.
كما لازلنا نقف حابسين أنفاسنا نرقب درجات تجاوب الأحزاب السياسية العديدة الموجودة علي الساحة-والتي تفتقر إلي أي ثقل انتخابي بمفردها-مع حتمية اندماج بعضها مع البعض الآخر,أو علي الأقل دخولها معا في تحالف قوي يستطيع توحيد صفوفها خلف مرشحين محددين تلافيا للتشرذم وبعثرة الأصوات...ذلك الاندماج أو التحالف يظل هو التحدي القادم لتحقيق أغلبية برلمانية مطمئنة تستطيع خوض مسار الإصلاح التشريعي وتفعيل مبادئ وأحكام الدستور الجديد.
فمهما كانت فرحة المصريين بدستورهم وبالإنجاز الذي تحقق بتمريره يجب أن يعوا أن الدستور وحده دون تشريعات وقوانين تترجمه إلي حياة معاشة يبقي مجرد وثيقة تاريخية تشهد علي ما توافق عليه هذا الشعب من أسس ومقومات ومعايير وقيم يسير عليه,لكن يتوقف تطبيق روح هذه الوثيقة ومضمونها علي ما يتم تشريعه من قوانين وما تسطره تلك القوانين من أحكام تنفيذية يعيش عليها الشعب وتحكم حركة مؤسسات المجتمع.
فالواضح أننا إذا تأملنا حياتنا المعاشة حتي الآن ووضعنا معاييرها في ميزان الدستور الجديد سنجد الكثير والكثير من الأمور القاصرة وغير المتوافقة معه,وذلك يستلزم إما إجراء إصلاحات تشريعية أو وضع سبل التطبيق والرقابة والمساءلة التي غابت طويلا من قبل فخلقت فجوات خطيرة بين مبادئ الدساتير وبين الواقع المعاش...فطالما نصت الدساتير المصرية علي مبادئ المساواة والحريات والحقوق والفصل بين السلطات,لكنها تركت فراغا تشريعيا إزاء كيفية تفعيل تلك المبادئ وسمحت لكل من أراد انتهاكها أن يستمرئ ذلك ويمضي فيه دون حساب أو عقاب...وطالما تحسر المصريون حول شتي صور التفرقة بينهم وكثرة الهموم التي يعانون منها بينما دساتيرهم ترسخ المساواة وعدم التفرقة.
لدينا الآن دستور جديد صيغ بإسهاب وبتفصيلات عميقة واضحة تسطر مسارا واضحا لطريق الإصلاح التشريعي,حتي أن بعض الفقهاء الدستوريين انتقدوا ذلك الإسهاب وقالوا إن الدساتير لايجب أن تسرف في التفاصيل مكتفية بالأسس والمبادئ-لكن لا يخفي علي أحد أن مرارة التجربة السابقة التي مر بها المصريون في دستور2012 سواء في مرحلة طهه أو مرحلة تمرير مواده أو مرحلة الاستفتاء عليه, وما انطوت عليه من نوايا خفية تحيق بهم مختبئة في ثنايا الكلمات والسطور قدترك لديهم قدرا غير قليل من الشك والتوجس استلزم طمأنتهم وإزالة مخاوفهم في الدستور الجديد,فجاء واضحا قاطعا مفصلا شافيا.
إلي الأمام إذا...فطريق الإصلاح لم ينته...ويبقي أمامنا تحدي تفعيل هذا الدستور.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع