بقلم:صبحي فؤاد

  
 
من اليمين  : المذيع الاسترالى " درين هينش " لحظة القبض عليه بمعرفة البوليس وعلى الشمال  فى الاستديو يقدم برنامجه الاذاعى على الهواء
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
يمكنك ان تقف فى اكبر ميادين استراليا وتعلن للعامة وبصوت مسموع للجميع انك لا ئؤمن بالاديان او بوجود الله او انك تعتقد ان ملكة بريطانيا او رئيس الوزراء الاسترالى افشل او اغبى مخلوقات الله او انك ضد امريكا او روسيا او اى دولة اخرى.. وثق تماما انه لن يقترب منك احدا .. ولن  يعترض او يقف فى طريقك صغيرا او كبيرا ..هذا حقك الذى كفلة لك الدستور الاسترالى والقانون .

ولكن هذه الحرية غير مطلقة لها حدوها وشروطها فاذا تجاوزت هذه الحدود ولم تلتزم بالشروط فان القانون لن يرحمك او يشفق عليك بل سوف يطبق عليك بكل شفافية وحيادية  مهما كانت وظيفتك فى الدولة او مكانتك المالية او الاجتماعية فى المجتمع وتنال العقاب المناسب لجريمتك وتجاوزك .
يوم امس الجمعة 17 يناير قام البوليس الاسترالى فى مدينة ملبورن بالقبض على المذيع " درين هنش " والقى به فى السجن مع اللصوص والمجرمين بعد ان رفض دفع غرامة وقدرها مائة الف دولار استرالى حكم بها عليه قاضى عقابا  على تعليقة على قضية قتل كانت معروضة وقتها امام القضاء مما اعتبر - من وجهة نظر القانون - تدخل او محاولة منه للتأثير على مجرى القضية والحكم فيها .

وقد اعطى القاضى مهلة من الوقت للمذيع بدأت عقب الحكم عليه فى شهر اكتوبر من العام الماضى وانتهت يوم امس لكى يدفع الغرامة التى وقعت عليه او دخول السجن لمدة 50 يوما ولكن المذيع المشهور المعروف على مستوى استراليا رفض الدفع لقناعته بسلامة موقفه وفضل دخول السجن وهو ما حدث بالفعل رغم ان وضعه المالى يسمح له ..ورغم انه تجاوز السبعين من العمر وحالته الصحية سيئة لاصابته بفشل كلوى وتركيب كلى تبرع بها اهل شاب توفى فى حادثة سيارة منذ عامين تقريبا.

وما حدث لهذا المذيع الاسترالى حدث من قبل مع غيرة من رجال اعلام مشهورين تجاوزوا عمدا او بحسن نية الحدود التى تنتهى عندها حريتهم فطبق عليهم القاون مثلهم مثل غيرهم من المواطنين العاديين ونالوا الجزاء المناسب.

فى استراليا القانون يطبق على الكبير قبل الصغير ..يطبق على الوزير قبل العامل البسيط بلا تميز او تعصب او محسوبية او مجاملات ..وعلى سبيل الذكر حدث فى العام الماضى ان اوقف عسكرى فى مدنية ملبورن سيارة كان يقودها رجل تجاوز السرعة القانونية واذا به يكتشف ان هذا الرجل الذى اوقفه هو رجل البوليس رقم واحد فى ولاية فيكتوريا ..يعنى رئيسه ورئيس رئيسه ومع هذا لم يهتز او يرتعش من الخوف ولم يتردد لحظة واحدة فى تغريمة لتجاوزه السرعة القانونية اسوة بغيره من المواطنين وبدلا من ان نجد الرجل الكبير المسئول عن البوليس يحتج او يغضب او يطلب من العسكرى مجاملته وعدم اصدار الغرامة منعا لاحراجه امام الرأى العام قام بالاعتذار فى اليوم التالى من خلال برنامج اذاعى يسمعه الملايين فى كل انحاء البلد  وطلب المغفرة على فعلته من الجميع ثم دفع الغرامة مثل غيره .

على النقيض نجد فى دولة مثل مصر وغالبية الدول العربية الكثير من سيدات ورجال الاعلام يستغلون منابرهم او صحفهم من اجل الاساءة الى الاخرين ونشر الاكاذيب والاشاعات لاسباب قد تكون سياسية او دينية او من اجل تحقيق مصلحة ما ..فى مصر نجد الكثير من العاملين بالاعلام المسموع او المقرؤ نسوا انهم اعلاميين مهمتهم نقل الحقائق والاحداث بصدق وامانة وابداء الرأى باسلوب مهذب متحضر وليسوا قضاة يصدرون احكاما ظالمة خائبة على الاخرين بلا ادلة او مستندات او شهود حقيقين !!

ناهيك عن العاملين فى مجال الاعلام انظر الى كبار المسئولين عن ادارة الدولة او المؤسسات الكبرى او الاندية الرياضية او دور العبادة فى مصر او اى دولة عربية ..انظر الى حجم التجاوزات والمخالفات التى يرتكبوها واستغلال السلطة والنفوذ لتحقيق مكاسب مادية ومع هذا قلما نسمع ان القانون تعامل معهم بحيادية ونزاهة مثل تعامله مع مواطن غلبان بسيط سرق رغيف عيش لكى يطعم طفل جائع او مواطن عجز عن تسديد قسط عليه لشركة ما لظروفه خارجة عن ارادته.
فى مصر والدول العربية يمكنك ان تكتب وتنشر وتقول ان الكنيسة القبطية والاديرة مليئة بالاسلحة الفتاكة ومع هذا لن تجد من يحاسبك او يعاقبك او يقترب منك الا اذا قلت العكس ..يعنى قلت ان الجوامع تخزن الاسلحة لقتل غير المسلمين. هنا فقط سوف يكشر القانون فى وجهك ويظظهر لك انيابه الحادة.

فى مصر يمكنك ان تقول ما تشاء وتفعل ما تريد وطالما انك " مسنود " او تعرف اى مسئول فلن يجرؤ مخلوق على معاقبتك وتطبيق القانون عليك مثلما يحدث فى استراليا وكل دول العالم المتحضرة . 

اخيرا  ليت الجميع فى مصر يدركون ان تمرير الدستور الجديد والعمل به بعد موافقة الغالبية عليه يعد خطوة حسنة فى الطريق الصحيح ولكن بدون تطبيق القانون بدون تميز او تعصب او محسوبية وحيادية تامة وشفافية مطلقة يصبح من المستحيل توقع بناء مجتمع مصرى متحضر متماسك وقوى فى المستقبل القريب او البعيد لان العدل هو اساس الحكم والطريق الوحيد الى تأسيس الدولة الراقية العظيمة التى نحلم بها جميعا .