عرض: ميرفت عياد – خاص الأقباط متحدون
صدر حديثًا عن مؤسسة "الدار" للنشر والتوزيع كتاب "كلام بيني وبينك" لمحمد مصطفي عرفي "الدبلوماسي المصري بوزارة الخارجية"، والذي سبق له العمل في سفارات باكستان والسودان والمملكة المتحدة وروسيا.
ويضم الكتاب مقالات متنوعة تم نشر العديد منها في المجلات والجرائد ولكنها جميعًا تركز على أهم القضايا الراهنة على الساحتين المحلية والدولية، ومنها حرية الفكر، نهاية سيادة الدولة، وغياب الشريحة الوسطى في المجتمع، النظرة الاستعلائية التي يتبناها المصريون أحيانًا، ثقافة الخوف، العالم السري للجريمة الدولية المنظمة، ثقافة الواسطة -التي يعتبرها الكاتب الابن الشرعي للفساد-، دور المؤسسات التعليمية والإعلامية في بث عالم وهمي، حالة الفقر التي يعانى منها العالم، القانون الدولي والعقوبات الدولية بين الشرعية والاعتبارات الإنسانية.

والجدير بالذكر أنه على الغلاف الخلفي للكتاب كتب السفير محمد عاصم إبراهيم -سفير مصر السابق في إسرائيل- "الكتاب هو قراءة ممتعة، والمؤلف نموذج لعقل متفتح متنوع الاهتمامات يمتص الأحداث والأفكار ويحذف منها ويضيف إليها.. إنه كتاب ممتع ومفيد"، بينما كتب الدكتور علي الأسوانى "قرأت هذا الكتاب بمتعة كبيرة، والكاتب يمتلك حسًا إنسانيًا مرهفًا وثقافة عريضة، وهو إلى ذلك يتمتع بأسلوب أدبي جميل متدفق يمكنه من عرض أفكاره بدقة ووضوح"، وكتب يسرى فودة "في قلم محمد مصطفى أصالة الفلاح المصري ودقة الباحث الأكاديمي ورقة الدبلوماسي المهذب، وفي هذه المجموعة الرائعة من المقالات غذاء وفير للعقل والروح".
ويوضح الكاتب في كتابه من أُصطلح على تسميتهم بالمثقفين في الآونة الأخيرة، وهم ممن يدمنون حب الظهور والإفتاء في كافة الموضوعات وتبديل آرائهم وتغيير مواقفهم عدد من المرات للمحافظة على هالة البريق التي تحيط بهم، ويقول عن هؤلاء أنهم "يمتهنون الثقافة" أي يجعلوها في موضع مبتذل حيث شهدت الساحة الثقافية مؤخرًا ظهور موضة ارتداء مسوح الهجوم على الدين وازدرائه بلا سبب أو طائل، توهمًا بأن ذلك هو الوسيلة الأمضى في الظهور بمظهر من تعددت آفاق ثقافته حدود إدراك مجتمعه أو المحيطين به، هذا بالإضافة إلى فئة اعتادت تحريم الحلال وتحليل الحرام حتى أنهم أصبحوا ينالوا من الدين أكثر مما يستطيع أعداؤه أن يفعلوا.

نهاية سيادة الدولة
ويطرح المؤلف سؤال حول نهاية سيادة الدولة بمفهومها التقليدي مع بداية الألفية الثالثة، ويشير إلى أن العالم مشرف على فترة تتراجع بها سيادة الدولة التي كانت لا تعلوها سيادة من قبل، وذلك لعدة عوامل منها طبيعة العولمة التي يعيشها العالم اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيًا، كذلك عظم التحديات المتنوعة التي تعايشها البشرية، وعلى الرغم مما تتضمنه اختفاء سيادة الدول من سلبيات تفوق الإيجابيات أو العكس إلا أنها ستزيد من حرية الفرد وقدرته على التحرك بعيدًا عن سيطرة النظم الحاكمة بينما ستختفي الحدود وتذوب المسافات بين الدول التي سوف تصبح كيانات صغرى في تكوينات عملاقة.

التعليم والإعلام يبثان عالم وهمي
وانتقد المؤلف لجوء المؤسسات التعليمية والإعلامية في مصر لبث عالم وهمي عن وضع مصر بين الأمم، مشيرًا إلى أن هذا العالم الوهمي هو الذي يصنع شعورًا بالاستعلاء غير المبرر وربما التعصب، ومصر بالفعل متفردة تاريخيًا وجغرافيًا ولكنها من جانب آخر لم تحقق إلى الآن نهضة مثل التي حققتها عدد من الدول الآسيوية، ولا تزال مصر في مرتبة متأخرة في معدلات التنمية البشرية بين دول العالم، كما لا يزال 47% من شعبنا يعيش تحت خط الفقر، ولجأ آلاف الشباب للهجرة حتى غير الشرعية هربًا من صعوبة الأوضاع.
ومن هنا يرى الكاتب أن الصالح العام لا يقتضي خداع النفس لأننا بحاجة لتغيير أنفسنا واللحاق بركب التطور العالمي، وذلك لا يتعارض مع حب الوطن أو الاعتزاز به.

العالم السري للجريمة الدولية المنظمة
ويرجع المؤلف تفشي الجريمة الدولية لعدة أسباب منها "البيئة السياسية الدولية"، فعقب انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد أمريكا بوضعية القطب الأوحد تفجرت النزاعات السياسية والحروب الداخلية والخارجية، مما أدى إلى انتعاش وازدهار تجارة السلاح وتهريب المخدرات وغيرها لتمويل عمليات الحرب بشكل متواتر.
ويتمثل السبب الثاني في "تأثيرات التحول على دول الكتلة الشرقية"، فبعد عقود طويلة من نظام صارم في قبضة النظم المركزية حدثت حالة من الانفلات والفوضى بشكل غير مسبوق، وأصبحت العصابات الروسية لاعبًا رئيسيًا في مسرح الجريمة الدولية.
هذا إلى جانب عدة أسباب أخرى منها التأثير الطاغي لثورة الاتصالات بما قدمته لعصابات الجريمة الدولية المنظمة من وسائل اتصالات حديثة، مكنتها من تحقيق التنسيق بينها بشكل عجزت أجهزة الأمن على مراقبته والحد منه، إضافة إلى اختلال النظام الاقتصادي الدولي، وتحالف الإرهاب وعصابات الجريمة الدولية.
ويأتي الفشل في مواجهة الجريمة الدولية المنظمة لتفشي الفساد داخل الدول وعجز غالبيتها على مواجهة أو ردع الشركات المتعددة الجنسية، وضعف الإرادة السياسية والتنسيق بين أجهزة الأمن ونقص إمكانياتها مقارنة بالعالم السري الرهيب للجريمة الدولية المنظمة.

العالم يعاني من حالة فقر مدقع
ويشير المؤلف إلى أن العالم يعاني من حالة فقر مدقع يتواكب معها استمرار النزاعات المزمنة وتفشي الأمراض وانتشار الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان، كل هذا يولد إحساس دفين باليأس وعدم العدالة والخوف من المستقبل مما يؤجج الاحتياج إلى امتلاك أدوات أمان في عالم يعوزه الإحساس بالأمان.
وفقًا للدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة النووية الذي يرى أنه توجد نواقص خطيرة في النظام الدولي لمكافحة الانتشار النووي، حيث أن البيئة الدولية اليوم باتت أكثر تعقيدًا من الواقع الدولي عام 1970 عندما تم إقرار معاهدة مكافحة الانتشار النووي، هذا إذا أخذنا في الاعتبار انتشار التكنولوجيا النووية والمعدات الإلكترونية ونمو الشبكات السرية في الاتجار في مستلزمات الإنتاج، مستغلة عدم كفاءة النظام الدولي لمكافحة الانتشار النووي الذي لا يجرم على سبيل المثال تخصيب اليورانيوم أو امتلاك بعض المواد النووية.
وتكمن مقترحات البرادعي لتفعيل مكافحة الانتشار النووي في عدة نقاط منها تحقيق سيطرة أفضل على تكنولوجيا دورة الوقود النووي، وإقرار نظام فعال للمراقبة الدولية، والارتقاء بمصداقية الردع الدولي، وحماية المواد النووية والتأكد من عدم سقوطها في أيدي الشبكات الإرهابية، وتكثيف جهود نزع السلاح وذلك من خلال إقدام الدول على تقليل اعتمادها الدفاعي والعسكري على السلاح النووي، وتطوير نظام جديد للأمن الجماعي.

ثقافة الواسطة الابن الشرعي للفساد
ونبه المؤلف إلى استشراء خطر الواسطة في مجتمعنا وتغلغلها في حياتنا حتى النخاع، الأمر الذي أدى ببعض الخبثاء للزعم بأن بعض المؤسسات الراقية قد تعاملت مع الأمر الواقع فقننت الواسطة ونظمتها، ولا يدرك المتعاطي مع هذه الثقافة أنه لا يحصل على مميزات أكثر فحسب بل يسلب الآخرين حقوقهم ويشيع روح الإحباط في المجتمع، وبالتالي فإننا بحاجة إلى ثورة على ثقافة الواسطة باعتبارها الابن الشرعي الصغير للفساد.
ويتساءل المؤلف هل نحن شعب جُبل على الخوف المستمر حقًا؟ ولماذا نحرص على توريث تلك السمة إلى أجيالنا الجديدة؟
ثم يعرف بثقافة الخوف على أنها تلك الصفة التي تطالبك دومًا بالطاعة العمياء متجاهلة حق الإنسان في التعبير عن رأيه وتوجيه النقد سلبًا وإيجابًا، فبهذه الثقافة لا يوجد من يعترض على شيء خاطئ أو ينمي القدرة على التعبير الحر عن الرأي، حيث ترى الغالبية في السلبية رزانة وفي الخنوع قناعة.
ويدعو المؤلف إلى ثورة على مناهج وتقاليد التربية البالية في بلادنا والتعبير عن الرأي بشجاعة، حيث أن مستقبل الديمقراطية في بلادنا مرتبط بذلك، فالديمقراطية ليست قرار حاكم فحسب بل أنها كانت وستظل سلوكًا وممارسة وتربية أجيال على مدى أعوام طوال.

تأليف: الدبلوماسي المصري محمد مصطفي عرفي