الأنبا إرميا | الأحد ١٢ يناير ٢٠١٤ -
١٥:
٠٣ م +02:00 EET
بقلم الأنبا إرميا
أهنئكم جميعًا بعيد ميلاد السيد المسيح، ونصلى إلى الله أن يبارك ويحفظ شعب مصر وبلادنا الكريمة بكل خير وسلام.
وطقوس الاحتفال بعيد الميلاد تختلف من منطقة إلى أخرى بحسب ثقافة كل بلد وحضارتها. ففى الغرب بوجه عام تتميز أعياد الميلاد بعادة تزيين شجرة عيد الميلاد، وانتظار الأطفال لبابا نويل الذى أصل شخصيته «الأسقف نِيقُولاوُس» أسقف مدينة «مورا» بآسيا الصغرى فى القرن الرابع الميلادىّ.
مغارة الميلاد
أيضًا يُشتهَر عيد الميلاد بعمل نموذج «مغارة الميلاد» الذى يشير إلى مكان ميلاد السيد المسيح فى حظيرة للحيوانات المعروفة بـ«مذود البقر». ويحتوى هذا النموذج على أشكال تعبيرية تجسيدية للطفل الصغير يسوع المسيح صاحب العيد، وأمه السيدة العذراء مريم، ويوسُف النجار. ونجد فيها أشكالًا للرعاة والملائكة فى تجسيد لحدث ظهور الملائكة للرعاة الساهرين فى حراساتهم على رعيتهم. وثَمة مجموعة أخرى نجدها فى المغارة، وهى «المَجُوس» الذين أتَوا من المشرق ليقدموا هدايا للمولود العظيم. ونجد أيضًا النَّجم الذى هدى المَجُوس إلى المسيح.
وفى يوم العيد وبخاصة فى مِصر، تتبادل العائلات والأصدقاء والجيران الزيارات للتهنئة بالعيد، وتقدم الحلوى التى من أشهرها الكعك والبِسكويت.
الميلاد والسلام
إن أنشودة الميلاد التى قدمتها السماء للبشر هى: «المجد لله فى الأعالى، وعلى الأرض السلام، وبالناس المَسَرَّة». لقد ارتبط ميلاد السيد المسيح بالفرح والسلام اللذين يسعى الجميع لاقتنائهما فى مسيرة حياته. فالإنسان منذ ولادته وهو يسعى لتحقيق السعادة والسلام فى حياته ولا سيما ونحن فى عالم يمتلئ بالصراعات والحروب، مما جعل مطلب الإنسان الحقيقيّ هو السلام.
تحكى إحدى القصص عن مسابقة فنية طُلب فيها رسم لَوحة تُعبر عن السلام، اشترك فيها اثنان من أبرع الرسامين، واللذان عُرفا بجمال فنهما. وبالفعل تقدم الأول بلَوحة رائعة يُعبر كل خط فيها عن إبداع حقيقىّ، فقد رسم بحيرة تتدفق المياه فيها بهدوء ويُسر وتتلألأ على سطحها فى جمال لا مثيل له، والبحيرة محاطة بمجموعة من الأشجار التى تُلقى بظلالها وهدوئها على وجه الأرض، وكأنك تشعُر بنسيم هادئ يُصافح وجوه البشر وينزِع عنهم كل تعب وألم. وأضاف الفنان إلى لَوحته العصافير فى منظر بديع. وفى عمق الصورة، ترى قطيعًا من الخراف مع راعيها ترعى فى هدوء. لقد كان كل شىء فى هذه اللَّوحة الرائعة ينطق بالسلام!
أمّا الفنان الآخر فقد جاءت لَوحته على غير المتوقَّع!! حتى إنه يُخيَّل إلى ناظرها أنه لم يُدرك موضوع المسابقة الذى طُلب منه. لقد رسم بحرًا هائجًا حتى إنك تظن أنه سيُغرق المسكونة معه، فتعلو أمواجه وتتلاطم وكأنها تشق طريقها للسماء الداكن لونها والملبَّدة غيومها!! ولٰكنْ تمهَّل قارئى، ففى وسْط هذا الاضطراب الذى لا يُحتمل وقفت صخرة كبيرة راسخة فى شموخ، وداخلها طائر جميل صغير يقف فى هدوء تام وكأنه متغرب عن الطبيعة التى حوله من أمواج ورياح وعواصف! لقد كان ممتلئًا بسلام عجيب فى غير اعتراف منه بالجو المخيف الذى يحوطه! وهكذا من يحيا فى العالم، فهو يحتاج إلى أن يحيا السلام وسْط هذا الكم الهائل من الاضطرابات.
معوقات صنع السلام
نحن لنا دَور فى صنع السلام فى حياتنا، فيقول الكتاب: «طوبى لصانعى السلام، لأنهم أبناء الله يُدعَون». ولكى يمْكننا صنع السلام يجب أن نعرِف معوقات صنع السلام فى حياتنا. وهنا أتذكر الكاتب المبدع والأديب المِصريّ «توفيق الحكيم» ومسرحيته الرائعة «أشواك السلام»، التى تقدم ذلك الإنسان الذى يسعى وينشد السلام فى حياته. إنها قصة أحد الشباب فى السلك السياسىّ، رغِب الزواج من فتاة والدها يعمل بالسلك السياسىّ أيضًا، إلا أنهما فوجئا بالرفض من عائلتيهما اللتين تحملان كلٌّ للأخرى عداوة شديدة. والعجيب فى القصة أن هذه العداوة ليست نِتاج مواقف بين العائلتين، وإنما هى بسبب ما يُنقل من معلومات مشوهة عن كل طرف لدى الآخر من قِبل من يعيش حولهما. وحين يلتقون ويتحاورون يكتشفون أن الأشياء المشتركة بينهم أكبر بكثير وأعظم مما يختلفون فيه. لقد حمَل الشاب والفتاة دعوة بالسلام فى المحافل الدُّولية، وفى حياتهما، حتى استطاعا تحقيق السلام واقتلاع أشواكه بين العائلتين. إن ما يُعيق السلام فى حياة البشر هو اغتراب كل واحد عن الآخر، واستقاء المعرفة من خلال أعين الآخرين وتفسيراتهم الشخصية للمواقف، فى حين يكون من الأفضل والأدق أن يعرف كل إنسان الآخر من خلال الحوار، والمعايشة والتواصل الحقيقيَّين، بقلب وفكر منفتحين يحملان الإنسانية المشتركة التى فطرنا الله عليها جميعًا. فصانع السلام يحتاج إلى التقارب والتفهم للآخر.
السلام والمحبة
أيضًا يحتاج السلام إلى قلوب مُضيئة بالمحبة والتعاطف والشفقة نحو الجميع. تقول قصة إن أحد الفنانين قام برسم لَوحة تعبر عن الأشجار فى فصل الخريف وقت الغروب. كانت اللَّوحة تميل إلى الظلام، والأشجار بلا أوراق، والجو يمتلئ بعاصفة شديدة. وفى جانب اللوحة، يقف بيت منعزل بلا أضواء، يقاوم العواصف. وعندما نظر الفنان إلى لَوحته لتسليمها للعرض، وجد أن كل ما فى لَوحته يُعبر عن الكآبة والوَحشة واليأس. فقام بوضع فرشته فى اللون الأصفر ليرسُم بها ضياءً يصدر من الداخل ويَشِعّ من نافذة المنزل، فيؤول البيت مضيئًا وسْط الظلام، وتتغير اللَّوحة فى شكل مذهل وعظيم، وتصير تعبيرًا عن الأمن والأمان والسلام فى تحدِّ للعواصف. إن الضياء المنبعث من المنزل المنعزل بأنواره المتلألئة فى تصد لضبابية العواصف يُعبر عن الأمان والمحبة والسلام التى تنبعث من داخل قلب الإنسان ليحملها إلى قلوب الكل.
السلام والسلبية
يحتاج أيضًا السلام إلى فَهم الإنسان أن نجاحه فى الحياة وقوته لا يتوقفان على ضعف الآخر أو إلغائه من الوجود، بل يعتمدان على العمل بجِد وأمانة دون اتجاهات سلبية نحو من نحيا معه. فى إحدى الدوْرات التدريبية التى أُقامتها إحدى الشركات، قام المدرب بتوزيع بالونات على كل متدرب، ثم طلب منهم أن يقوم كلٌّ بنفخ البالونة الخاصة به وربطها. وبالفعل قام كل متدرب بتنفيذ ما طُلب منه. وبعد أن انتهَوا جميعهم من نفخ البالونات وربطها، جمع المدرب كل المتدربين فى ساحة مستديرة ولٰكنها صغيرة، ثم قال لهم: لقد أحضرتُ مجموعة من الجوائز التى سأقدمها لكل شخص لا يزال محتفظًا ببالونته بعد دقيقة من الآن. ثم بدأ الوقت، ووجد المدرب أن كل إنسان هجم على الآخر ليقوم بتفجير بالونته! وبعد انتهاء الوقت المحدد، لم يجد المدرب أحدًا احتفظ ببالونته إلا شخصًا واحدًا!! وقف المدرب بينهم مندهشًا، وقال لهم: أنا لم أطلب من أحد أن يقوم بتدمير بالونة الآخر، بل كانت المهمة أن تحتفظ ببالونتك أنت فقط، فلو أن كل شخص منكم تأنَّى وتفهم العمل المطلوب منه دون اتخاذ قرار سلبيّ ضد زميله، لاحتفظتم جميعًا ببالوناتكم، ولنال الكل الجوائز، ولكنّ التفكير السلبيّ طغى على الجميع!!!
إن نجاح كل إنسان يمكن تحقيقه والآخرون ينجحون أيضًا، فلا يتجه نحو هدم من حوله لتحقيق النجاح، بل على النقيض تمامًا: حين نعمل معًا سيتحقق نجاح أفضل وأسرع فى حياة تقل فيها الصراعات وتمتلئ بالسلام والنمو لبلادنا المحبوبة التى عنها الحديث لا ينتهى...!
نقلأ عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع