علي سالم | السبت ١١ يناير ٢٠١٤ -
٠٢:
١٠ ص +02:00 EET
ارشيفيه
يقول نجيب الريحاني في مذكراته:
«... وحين رأيت من الجمهور المثقف ومن عامة الشعب هذا الإقبال منقطع النظير، رأيت أن أستغله استغلالا صالحا، وأن أوجهه التوجيه النافع، فرحت أنقب عن العيوب الشعبية، وأبحث عن العلل الاجتماعية التي تنتاب البلاد، ثم أضمن ألحان الروايات ما يجب من علاج ناجع لمثل هذه الأدواء. كذلك راعيت في كثير من الألحان أن تكون أداة لإيقاظ شعور الجمهور، وتعويده حب الوطن وإعلاء شأنه والمحافظة على كرامته، والتغني بمجده الخالد، وكان من آثار هذا النجاح أن تضاعف الخصوم والحساد، واختلفت أسلحة كل منهم في حربي، فمنهم من كان يطعن من الخلف بخسة ودناءة، ومنهم من كان ينازلني جهارا على صفحات الجرائد اليومية، ولم يكن القارئ يفرد بين يديه إحدى الصحف إلا وجد فيها نهرا أو نهرين يتغنى كاتبها بلعنة خاش كشكش وروايات كشكش واللي خلفوا كشكش كمان. ومع كل ذلك لم أكن أعير هذه الحملات أي التفات، ولم أكن أحدث نفسي بالرد على أي كاتب. على أن ذلك كله لم يؤثر من ناحية الإقبال أي تأثير، ولئن كان هناك شيء من ذلك فقد كان تأثيرا عكسيا، لأن الجمهور كان يتهافت على حضور حفلاتنا تهافتا لا مثيل له. وفي ذلك الحين ظهرت طوائف «البلطجية» الذين كانوا يحومون حول أولاد الذوات من رواد مسرحنا، وقد شاءت دناءة بعض حسادي أن يتخذوا من أولئك البلطجية أداة لحربي، وقد كانوا يثيرون القلاقل، ويقومون بمشاجرات عنيفة داخل التياترو، ولست أنسى أن رصاصة أطلقت عليّ شخصيا أثناء التمثيل، ولكن الله سلم وفي ليلة أخرى أطلق مأفون عليّ حصى من نبلة كادت تصيب عيني إلا قليلا.
فرأيت أن لا سبيل إلا محاربة الداء بالداء، فبحثت عن رئيس تلك العصابات، وعرضت عليه العمل بماهية يتقاضاها وأفهمته أن وظيفته هي حفظ النظام في الصالة، ولقد أفلحت خطتي هذه، فتوقفت المشاغبات نهائيا وسارت الحال من تلك اللحظة على ما يرام». أنا أريد فقط أن ألفت نظرك إلى الجزء الأول من كلامه، بعد مشوار طويل من الفشل والعذاب والضياع استطاع أن يحقق قدرا هائلا من النجاح بعد تقديمه لشخصية كشكش بك، ذلك العمدة السفيه الذي يأتي إلى القاهرة ليصرف أمواله في محلات القاهرة الليلية، نجحت الشخصية التي أمده اللاوعي بملامحها عند الفجر وأمسك بها وقرر أن يكونها، فكان نجاحه ساحقا، نجح في الفكاهة.. في الصنعة.. وهنا يكتشف الفنان دوره الحقيقي وهو الاهتمام بالبشر الذين يحيطون به، والعمل على الارتقاء بهم، إنه دوره الإنساني الحقيقي بشرط أن يكون قد اجتاز كل امتحانات الصنعة المسرحية، لا أريد استخدام كلمات مثل الرسالة، والدور الوطني أو المحتوى الاجتماعي للفن، أو المسرح الهادف إلى آخر تلك التسميات التي نداري بها ضعفنا الفني، لقد تأكد بعد طول إنكار أنه ممتع وعليه الآن أن يكون نافعا أيضا.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع