لا يمكن لوم أي لاعب من الذين استبعدهم الكابتن حسن شحاته من قائمة المنتخب الوطني لكرة القدم عشية توجهه الي انجولا لخوض مسابقة كأس الأمم الأفريقية إذا امتلك الشجاعة فلجأ إلي القضاء لرفع دعوي يختصم فيها المدير الفني للمنتخب ويدعي عليه بالإساءة.
ولكن هذه مسألة محض قانونية ليست هي التي تعنينا هنا. كما أنها قضية شخصية تخص أي لاعب قد يشعر بالسعادة من الكلام الذي نسب الي الكابتن شحاته بشأن معايير اختيار اللاعبين واستناده علي السلوك القويم في هذا الاختيار.
أما القضية العامة التي يتوجب إثارتها, في هذا السياق, فهي نوع المعايير التي يضعها مدير فني ما لاختيار اللاعبين الذين يمثلون الفريق الذي يقوده. فدور المدير الفني لأي فريق في رياضة كرة القدم أو غيرها أن يضع المعايير الفنية الموضوعية ويعتمد عليها دون غيرها. وإذا خلط هذه المعايير بغيرها من أي نوع كان, فقد خرج عي مقتضي عمله وتجاوز دوره وتخطي حدوده.
ويتساوي في ذلك أن تكون المعايير التي يقحمها سياسية تتعلق بمواقف اللاعبين مثلا تجاه قضايا داخلية أو خارجية, أو معايير دينية سواء كان لها علاقة حقا بصحيح الدين أو كانت محض دروشة لا صلة لها بهذا الدين إلا في خيال من يقحمها في عمله. وينطبق ذلك أيضا علي المعايير الشخصية التي تتعلق عادة بكيمياء العلاقة بين من يضعها ومن يذهبون ضحية له إما لأنه لا يستلطفهم أو لكونهم لا يروقون له أو حتي لأن دمهم ثقيل علي قلبه أو ربما بسبب افتقادهم حسا فكاهيا يحبه هو ويفضل التعامل مع من يتحلون به.
القضية, إذن, ليست في المعايير الدينية في حد ذاتها, وإنما في الخلط المعيب والمؤذي بين ما لا يصح خلطه. ولو كان ما نسب إلي الكابتن شحاته يتعلق بأي نوع آخر من المعايير بخلاف مكانات اللاعبين وقدراتهم الفنية بمختلف جوانبها, لأستدعي ذلك أن نناقشه وننبهه.
ولكن ما نسب اليه, ولم ينفه, هو القول بما يفيد أن السلوك القويم يعتبر الأساس في اختيار لاعبي المنتخب, وأنه لا يضم أي لاعب ما لم يتوافر لديه هذا الأساس الذي حدده في علاقة هذا اللاعب بربه:( أسعي دائما لأن يكون اللاعبون الذين يرتدون فانلة مصر علي علاقة طيبة بربهم).
وليست هذه هي المرة الأولي التي يعبر فيها الكابتن شحاته عن إصراره علي خلط الرياضة بالدين كما يراه هو شخصيا, وليس بالضرورة كما أنزله رب العالمين. ويعرف كل من يتابع ظاهرة التدين الشعبي الشائع أن علاقة الكثير من مظاهر هذا التدين بصحيح الدين شديدة السطحية, وأن بعضه علي الأقل يمثل افتراء علي هذا الصحيح.
وبغض النظر عن نوع تدين الكابتن شحاته, لأنه أمر لا يخص غيره, فليس من حق أي إنسان علي الأرض أن يتدخل في علاقة إنسان آخر بربه, أو أن يحكم علي هذه العلاقة وفقا لوجهة نظره أو علي هواه. فالتدخل في علاقة غيرك بالله يتعارض أصلا مع صحيح الدين.
ولكن الطامة الكبري في موقف المدير الفني للمنتخب الوطني تتجاوز هذا العيب الذي أصبح شائعا في مجتمع يحفل بطقوس دينية لا حصر لها ولا أثر يذكر لها, في الوقت نفسه, في الارتقاء بالأخلاق العامة التي تراجعت علي نحو لا سابق له في تاريخنا الحديث.
وإذا بلغ السيل الزبي في هذا المجال, وخلط الدين خلطا بكل ما عداه علي نحو يسيء إليه, فلا حاجة بنا إلي مزيد من هذا الخلط وفي قطاع شديد الحساسية وعظيم الخطر لأنه مقصد أغلبية ساحقة من شباب مصر الذين يمكن أن يفتن موقف المدير الفني للمنتخب الوطني بعضهم أو حتي الكثير منهم.
فهو يوجه إليهم رسالة خاطئة وخطيرة تفيد أن إمكانهم الأستغناء ببعض الطقوس الدينية الشكلية عن المقومات الحقيقية التي ينبغي أن يتحلوا بها في حياتهم العملية, سواء في ملاعب كرة القدم أو في غيرها جامعات كانت أو مدارس أو مصانع أو مزارع.
وربما لا يقدر هو حجم الأذي الذي يمكن أن يترتب علي خلط الرياضة بالدين والاستهانة بالمعايير الفنية والموضوعية في لحظة يتوقف فيها مستقبل أمتنا علي استيفاء هذه لمعايير في كل مجال من الكرة الي التعلم والعلم والبحث العلمي. ولا يعني ذلك أن التدين ليس مهما. فأهميته ليست موضع نقاش هنا, وإنما خلطه بما ينبغي فصله عنه.
ولذلك ينبغي لفت انتباهه إلي مغبة هذا الخلط الذي يخشي أن يذهب فيه إلي آماد أبعد, في غياب أي موقف لاتحاد كرة القدم الذي يفترض أن يقلقه ما صدر عنه, والمجلس القومي للرياضة الذي يبدو أقرب إلي ضيف شرف في كل ما يتعلق بكل رياضة.
والملاحظ أن خطاب الكابتن شحاته يزداد غلو في هذا الاتجاه. فقد اعتبر النقاد الذين يمارسون دورهم في نقد أداء المنتخب الوطني من المنافقين. ولعله يصفهم في مرة قادمة بأنهم من أهل الجاهلية مثلا.
ولا علاقة لهذه الملاحظة بتقويم أداء المدير الفني لمنتخبنا الوطني, أو لهذا المنتخب تحت قيادته. ففي هذا الآداء الكثير من الإيجابيات. ولكن فيه أيضا من السلبيات ما يوجب علي النقاد الرياضيين أن ينبهوا إليه وما يفرض عليه أن يكون هو أول المرحبين بذلك, إلا إذا كان يظن أنه بلغ من الكمال ذروته ومن القدرة ما لم يعطه الله لبشره.
وكم كان الأمر مؤلما عندما أثار أحد مذيعي قناة النادي الأهلي الفضائية قضية معايير الكابتن شحاته أو خلطته هذه, فإذا به يثني عليها أشد الثناء. والمؤلم, هنا, هو أن يقال ذلك في جهاز يحمل اسم النادي الذي مازال مثالا للمعايير الموضوعية والتقاليد الرياضية الأصيلة التي أرساها ـ علي الصعيد الإداري ـ الراحل الكبير الكابتن صالح سليم خلال فترة رئاسة هذا النادي العريق وحافظ عليها الكابتن حسن حمدي.ولذلك كله, فالمأمول أن يراجع الكابتن شحاته موقفه الذي يخلط الدين بالرياضة, قبل أن نجد مديرا فنيا لفريق نسائي في كرة السلة أو الطائرة أو غيرها يختار اللاعبات حسب ارتدائهن الحجاب من عدمه, أو نوع الحجاب وحجمه, وآخر يجعل المعيار هو وضع النقاب. فليته ينتبه إلي أخطار إقحام الإسلام الثابت دوما في أمور متحولة متغيرة لا تثبت علي حال من السياسة إلي العلم مرورا بالاقتصاد والتجارة, والمصارف والرياضة وغيرها. فقد وصل المجتمع, الذي آشتد خلط الدين فيه بكل ما عداه, الي حالة من الاحتقان تفرض علي كل من يحب هذا البلد أن يسعي إلي وضع حد لها, وليس الإمعان في مفاقمتها.
نقلا عن الاهرام |