الأقباط متحدون - ثقافة أم نشاط.. عقل أم عضلات؟!
أخر تحديث ٠٩:٠٤ | الاربعاء ٨ يناير ٢٠١٤ | كيهك ١٧٣٠ ش ٣٠ | العدد ٣٠٦٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ثقافة أم نشاط.. عقل أم عضلات؟!

جمال فهمي
جمال فهمي

بقلم جمال فهمي

 فى الثورات الشعبية العارمة عموما «ثورات الجماهير الغفيرة ضعيفة أو معدومة القيادة» ينطلق ويتفجر البركان الثورى بتأثير البؤس وسوء الحال، عندما يُخصَّبان بفيض أفكار وآراء وانتقادات حشود من المفكرين والمثقفين الأحرار للأوضاع القائمة فى المجتمع، غير أنه ما إن يحدث الفوران ويدوى صوت انفجار الثورة حتى يتراجع أو يتلاشى دور المثقفين المخلصين أصحاب العقول النيرة، ويتقدم أصحاب القدرة على النشاط البدنى بمن فيهم الفقراء جدا من الثقافة، والعراة من أى موهبة فكرية أو عقلية، ومن ثم تبدأ الغرائز فى التحكم، فيختلط الحابل بالنابل، ويتمدد المشهد الفوضوى وتسود العشوائية والغرائزية، موفرة فرصًا ثمينة لقطعان من الانتهازيين وقوى «بل وعصابات» فاشية، علاقتها بالثورة لا تتخطى المشاركة بالعضلات فى بعض فاعلياتها، أن تنشلها وتجهضها بعدما تجردها من أجمل وأنبل أهدافها وتجاهد لإسكانها فى الذاكرة الجماعية باعتبارها مجرد «مهرجان تمرد مجانى» فى الشوارع والميادين والساحات.. وخلاص على كده.

 
حدث هذا كثيرا فى التاريخ الإنسانى، وحدث طبعا عندنا، فقد نَشلت جماعة الشر الفاشية السرية ثورة 25 يناير واستعدناها من بين أنيابها المسمومة فى 30 يونيو بثورة ثانية أشد قوة وأعظم كُلفة من الأولى.. لكن أصحاب العضلات والنشاطات التى تبدأ من دون تفكير وتنتهى بكوارث وخسائر، ولا تحقق أى هدف أو تثمر شيئا إيجابيا «أقصد الأبرياء المخلصين من هؤلاء» لا يبدو أنهم تعلموا شيئا مما جرى وما زال يجرى.. إنهم فحسب سعداء بلقب «الناشط» الذى يسبق ويزيّن اسم كل واحد منهم، ولا يدرون أن هذا النعت انطفأ بريقه وتآكل لمعانه فى عيون أغلب خلق الله، بل لقد أضحى سيئ السمعة إلى درجة مخيفة، حتى إن كثيرا من الناس صاروا الآن كلما سمعوا سيرة «نشطاء الثورة» فار الدم فى عروقهم وتحسسوا كل أسلحة الحنق والغضب والتشهير، لكن بعض الناشطين قد تذهب بهم الغطرسة والتكبر المخلوطين بالضحالة والجهالة مع سوء التقدير والتفكير «وسوء الأدب أيضا» إلى الرد على غضب الجمهور وحنقه عليهم بمشاركة قطعان «إخوان الشياطين» بالهتاف البذىء المجنون فى الشوارع وعلى الأرصفة: «يا شعب يا عرة.. الثورة مستمرة»!!
 
أى ثورة تلك التى «تستمر» من دون شعب يتعاطف مع الثوار، وبغير هدف يتحقق أو تلوح بشائره مضيئة فى بحر الظلام الرهيب؟! هذا السؤال البديهى سيبقى حائرا هائما يتسكع فى أفق الوطن إذا ما بقى العقل غائبا، والجهل سائدا، والثقافة محتقرة ومنحطة، وفقر السياسة مدقعا وموجعا على النحو الذى نكابد مظاهره ونتلظّى بنارها هذه الأيام.
 
 
باختصار، «الحركة» ليست دائما ولا هى بالضرورة «بركة»، وإنما قد تكون نكوصًا وارتدادًا حادًّا إلى الخلف، وسببًا قويًّا جدًّا للهزيمة الذاتية.
وقد تظن عزيزى القارئ أن المسؤول عن هذه الحالة التى يسبق فيها نشاط العضلات والحناجر نشاط العقل والتفكير، وتضمحل فيها السياسة مُفسحة المجال للهراوة والغباوة، هم فقط «الناشطون».. والحق أن هذا الظن ليس صحيحا ولا ينطبق على معطيات واقع ينطق صارخًا بمعطيات وشواهد مادية، تؤكد أن الغباوة عمومية وداء العمى السياسى الحيثى متفشٍّ ومنتشر فى البلد من فوق لتحت.
ومع ذلك يا أخى، عندى أمل قوى واعتقاد راسخ لا أستطيع إثبات كل أسبابه وحيثياته، أن هذه الحال عارضة ومؤقتة، وستبدأ أعراضها المؤذية فى الزوال التدريجى «وليس الفورى طبعا» ابتداء من اليوم التالى لإقرار الدستور الجديد.. أما إذا طالت الحالة -لا قدر الله- ولم تلحظ تحسنا ولو بطيئا، فأرجوك سامحنى ولا تجرجرنى إلى المحكمة بتهمة ارتكاب «أمل كاذب».
تقلا عن الدستور

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع