الأقباط متحدون - رأس السنة الميلادية فى الزريبة الإسبانية!
أخر تحديث ٠١:٢٢ | السبت ٤ يناير ٢٠١٤ | كيهك ١٧٣٠ ش ٢٦ | العدد ٣٠٦١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

رأس السنة الميلادية فى الزريبة الإسبانية!

د. سعد الدين ابراهيم
د. سعد الدين ابراهيم

 منذ تزوجت قبل أربعين عاماً، وأنا أشارك زوجتى الأمريكية ـ المسيحية الأصل أعيادها الدينية والوطنية، حتى بعد أن اعتنقت الإسلام، وأصبحت تصوم رمضان وتحتفل معنا بكل أعيادنا. وقد نشأ أطفالنا وأحفادنا على نفس المُعتقدات والمُمارسات، بل يفخرون بأنهم يأخذون كل الإجازات وعطلات المسلمين والمسيحيين.. وفى السنوات التى نقضيها فى الولايات المتحدة، وحيث توجد جالية يهودية كبيرة، فإنهم يُشاركون أيضاً فى احتفالات تلك الجالية.

وقد حفظ الأبناء والأحفاد الآيات الكريمة «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ» و«يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ». فى السنوات الأخيرة يحرص أفراد أسرتى الصغيرة، الزوجة (باربارا)، والابنة (راندا)، والابن (أمير)، والأحفاد الأربعة (لارا، سيف، آدم، جبريل) على قضاء إجازة عيد الميلاد، سوياً فى مُنتجع الجونة على البحر الأحمر. ولكن هذا العام قرر زوج ابنتى، المهندس نبيل إبراهيم، أن يُكافئ أفراد أسرته بزيارة إلى الأراضى الإسلامية، المُقدسة، لأداء شعائر العُمرة. وهكذا، اتجه نصف أفراد أسرتى شرقاً، فقرر النصف الآخر أن يتجه غرباً، إلى إسبانيا، حيث يُقيم ابنى أمير، الذى يعمل مُديراً لإحدى شركات البترول البريطانية فى شبه جزيرة أيبيريا (التى تشمل إسبانيا، والبُرتغال، وجُزر الكنارى).

 
وقد حرص الابن البار على أن يغمرنا بكرمه، خاصة لتزامن المُناسبة مع عيد ميلادى الخامس والسبعين، فقام بترتيب كل التحركات وحجوزات الفنادق، ومنها اختياره مُنتجعاً جميلاً قُرب مدينة غرناطة، مستوى خمس نجوم، لم يكن يعيبه غير اسمه، وهو مُنتجع «زرياب» (Ziriab)، الذى كان أحفادى ينطقونه «زريبة». وعبثاً حاولت تصحيح منطوق الاسم لهم. وحتى حينما شرحت لهم ماذا تعنى كلمة زريبة، فى العامية المصريةـ كمكان لإيواء الماشيةـ من جاموس، وأبقار، وخيول، وبغال، وحمير، فإنهم أمعنوا فى استخدامها. من ذلك، أنهم مع نهاية كل فُسحة خارج المُنتجع كانوا يُردّدون: هيا بنا إلى الزريبة.. أو لقد وحشتنا الزريبة جداً.. وكلما كانوا يُلاحظون ضيقى بإساءة نُطق كلمة «زرياب»، كزريبة، تعمدوا تكرار جُمل تحتوى كلمة «زريبة».. إلى أن توقفت عن مُحاولات التصحيح. وزرياب هو اسم مطرب أندلسى ذاع صيته فى القرن الثالث الهجرى، حيث تتلمذ على يد أشهر مُطربى عصره وهو إبراهيم الموصلى.
 
ومع ذلك لم تخل الإجازة فى الزريبة الإسبانية من بعض المناقشات الجادة التى كانت تحتدم أحياناً، خاصة بينى وبين زوجتى د. باربارا ليثم إبراهيم، وهو ما كان يقلق نجلى أمير، ويُهدد مجهوداته المشكورة فى ترتيب كل تفصيلات إجازات أعياد الميلاد.
 
أما لحظات احتدام المناقشات فقد كانت تدور حول الموقف المُدافع عن الإخوان المسلمين، الذى تبنّته زوجتى الأمريكية المصرية؛ فقد كانت وجهة نظرها أن قرار إعلان جماعة الإخوان منظمة إرهابية، هو قرار غير حكيم، وسيُضاعف مشكلات مصر فى الأجلين القصير والمتوسط. ثم إنها، مثل كثيرين من أبناء الوطن، تعتقد أننى كنت همزة وصل بين الإخوان والأمريكان... فلماذا انقلبت عليهم؟ ثم إنها لا تثق بإدارة العسكريين للشأن السياسى فى أى بلد. وقد نشأت، وهى تعتنق مبدأ ضرورة خضوع العسكريين للسيطرة المدنية.
 
بينما كانت وجهة نظرى، أن الإخوان لم يصلوا إلى السُلطة بأغلبية أصوات المصريين، ولكن بأكثرية لم تتجاوز ٢٥ فى المائة. صحيح أنها كانت الكُتلة الأكثر، حيث توزع ثلاثة أرباع الأصوات الأخرى بين عدد كبير من المُرشحين والأحزاب العديدة التى خاضت أول انتخابات تعددية بعد ثورة ٢٥ يناير، التى لم يبدأ بها الإخوان، ولكنهم التحقوا بها مُتأخرين (فى اليوم الخامس) بعد أن تأكدوا أنها ستنجح بهم أو دونهم، كما حدث فى تونس قبلها بشهر. ورغم هذا الانضمام المُتأخر، فإنهم اختطفوا الثورة من شباب الطبقة الوسطى المدنيين الذين قاموا بها. ثم سرعان ما اختطفوا السُلطة. ثم أوشكوا على اختطاف الوطن كله، والتفريط فى أجزاء منه.
 
كانت الزوجة العنيدة، ترُد أنها تعيش فى مصر منذ أربعين عاماً، وتعرف كل ذلك، ويعمل معها، أو تحت إمرتها ثلاثون مصرياً ومصرية، تتحدث معهم وتُناقشهم يومياً، وأن ما أدعيه أنا عن النهم الإخوانى لشغل مواقع المسؤولية، بعد الفوز بالأكثرية فى الانتخابات، هو جزء لا يتجزأ من طبيعة النظام الديمقراطى، وتداول السُلطة.
 
وهكذا كانت تنقضى أمسيات أعياد الميلاد فى منتجع الزريبة الإسبانى. أما ساعات النهار فقد كان يقضيها كل أفراد الأسرة فى رياضة التزحلق على الجليد المُتراكم على المُرتفعات المُحيطة بمدينة غرناطة.. أما أنا، فكنت أكتفى بمُتعة مُشاهدتهم من بعيد، حيث تحول صحتى المُشاركة الحركية فى هذه الرياضة الجميلة.
 
فإلى قُرائى الكرام أرسل تهنئة بالعام الجديد من الزريبة الأندلسية ـ الإسبانية، وأعياد ميلاد سعيدة لكل المسيحيين فى العالم، وللأشقاء الأقباط فى مصرنا الحبيبة.
 
وعلى الله قصد السبيل

نقلا عن المصري اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع