مفيد فوزي | السبت ٤ يناير ٢٠١٤ -
٤٠:
٠٨ ص +02:00 EET
الاعلامي مفيد فوزي
أمضيت ليلة رأس السنة مع مفيد فوزى الذى طال شوقى إلى لقائه، وأكاد لا أراه، وتخطفنى منه صحافة الورق وصحافة الشاشة وسخافة المواقع الإلكترونية. لم يكن فى نيتى الانضمام لشلة «لوثة الفرح» ولا السهر فى فندق «سيجارة وكاس». كنت أريد أن أقضى الليلة بيتوتياً فى خميلة من السكون تتخللها أنغام بيانو مسجلة على فلاشة. قررت إغلاق كل وسائل الاتصال بالعالم الخارجى. لا موبايل ولا تليفون أرضى ولا تليفزيون ولا فاكس. من المهم- فيما أتصور- هذه الجلسة مع الذات وجهاً لوجه، من المهم- فيما أتصور- أن أقرأ نفسى أكثر، فلا أحد غيرى يعرف «مفاتيح» الدخول إلى عالمى. أنا مولع بالتأمل ولو حرمنى من بعض لذات الحياة. مولع بتذكر أيام سعادة ولو كانت بتعاسة أقل. وهبنى الله قوة الملاحظة والتفاصيل الصغيرة وأعرف أن «من راقب الناس مات هماً».
أنا مولع بالحوار الصامت الثرثار مع نفسى، وكيف واجهت عذابات الروح والوجدان على مدى عام مثقل بالجراح. دربت نفسى على الفرجة- دون انفعال- على سيرك الحياة. كيف رأيت الوجوه القبيحة ترتدى الأقنعة لتبدو جميلة. كيف يفعل المال بالنفوس ويغيرها، وكيف لعبت السلطة بكثيرين سقطوا من فوق حصانها بكسور لن يداويها الزمن. أتاحت لى السهرة «الانفرادية» مع نفسى أن أتأمل الوجوه القريبة منى جلياً. أقيس درجات الصدق والكذب والبهتان والملاوعة. يقول الحكماء «خذ الناس كما هم» حتى تتفادى الصدمات وزلازل النفس. الصدمة قادمة حين «ترجو» ثم يفاجئك الواقع المر الصدمة هى الفرق بين المأمول والحاصل. لم أكن أسعى مطلقاً لحالة «نكد» لكن اكتشافك من حولك فى قارة الحياة ليس عملاً عبثياً بقدر ما يضيف إليك «إفادة»، فالحياة مجموعة معلومات. إن معظم عذاباتنا اليومية تكمن فيما تسفر عنه الأيام وتفضحه.
الفاجر الذى صار تقياً وورعاً بقدرة قادر. المفلس الذى صار مليونيراً بين يوم وليلة فى غفلة من الزمن. التافه الذى فاجأنا بادعائه أنه الأكثر ثقافة. الخاملة بالوراثة التى أصبحت ناشطة الناشطات. المستكينة السهنّة التى صارت زعيمة دون مقدمات. كل هذه النماذج والأنماط- وأكثر- تمضى على مسرح الحياة تؤدى أدوارها بنجاح الليلة والليالى التالية، ومطلوب من المتفرجين وأنا منهم أن نصفق تيهاً وإعجاباً وإجلالاً. أما عن «التحولات من النقيض إلى النقيض» فحدث دون أن «تستشعر الحرج»، هناك من استطاعوا أن يخلعوا أردية الأمس وارتداء معاطف جديدة تقى البرد وكرات الثلج والفضائح المدونة. هؤلاء أصواتهم عالية ويتنقلون فى المجتمع بخفة الغزال ورشاقته. وكانت رياح الثورية قد هبت وتناثر غبارها فى المدينة فأخفى ملامح الوجوه ولم أعرف الثورى من «النورى» ولا الشريف من «الخسيس»، ولا القابض من «الزاهد» ولا الحقيقى من «الفالصو». الكل اختلط فى شبكة زيف، وكان التسويق الماهر بالدين فى الأرض، وصدقهم البعض، وإن «وقعوا فى أشر أعمالهم» كما يقول الحس الشعبى. اكتشفت فى سنوات النضج أن انتظار السعادة من خارج الإنسان وهم كبير أنت وحدك صانع هنائك وأنت وحدك صانع تعاستك. أنت تلقى بالطعم لحداية النكد التى تحوم حولك. تعلمت كيف أفتش داخلى عن لحظات سعادة وومضات نشوة، أستدعيها، وأجترها بفضل ذاكرة خضراء- هى فضل من الله- وتملك أن تسقط توافه الأمور من منخلها. تعلمت «تهميش» أمور لا تستحق الاهتمام أو الادخار.
أدرك أن السماحة المسيحية هى التى انتشلتنى من الرغبة فى الانتقام ممن أساءوا لى عن قصد لأن الدنيا «سلف ودين» كما كانت تقول أمى. شطبت كلمة «الندم» من حياتى ما دمت مقتنعاً بما أفعل. ثابتاً فى قناعاتى، ما دامت الكرة فى ملعب العقل. تعلمت ألا أخاف من «منتج نهائى» أشارك فيه قولاً وفعلاً. أما قلبى المنسوج من حزمة أحاسيس فلايزال ينبض للحب فى حراسة عقلى ولا يستجيب لنداءات خاطفة أو رغبات مخنوقة أو لحظات وحده قارصة. تعلمت من ذبذبه الثبات الانفعالى عند الغير أن أهرب بجلدى قبل التورط، فالناس عبيد اللحظة وأنا أريد أن أكون سيد نفسى. ما أمتع أن تكون مرغوباً ومطلوباً ومشتاقاً إليك ما أمتع أن يدق الناس على بيتك بلا أجندات! ما أمتع ألا تنتظر شيئاً من أحد وتحقق الاستغناء والقوة!
مرت ساعات الليل وأنا أقرأ نفسى حتى انتصف الليل وهل عام ١٤ بلا صخب أو زمامير أو طراطير، وهنأت مفيد فوزى به، فهو أقرب المقربين من أصدقائى إلى نفسى، تسبقهم ابنتى حنان. لم أضع للعام الجديد دستوراً جديداً، فهو من مادتين اثنتين: الصحة أملاً. والستر مطلباً.
لا
١- لا لتأجيل تحديد الحد الأدنى للمعيشة قبل أن يفاجئنا الحد الأعلى لتظاهرات الجياع!
٢- لا للطبطبة فى المجتمع للمعتدين على القانون فقد جعلها- الطبطبة- السيد عصام شرف منهجاً بعد الثورة الينايرية حتى صارت «ثقافة» فى الحكم فى مصر!
٣- لا لتجريب عقار فيروس c فى البنى آدمين المصريين، مثلما اتخذت د. نادية زخارى وزيرة البحث العلمى السابقة قرارها. ذلك أن مافيا الدواء بعد مافيا السلاح!
نقلا عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع