بقلم : على سالم | الجمعة ٣ يناير ٢٠١٤ -
٠٤:
١٢ م +02:00 EET
كنا في سن واحدة تقريبا، في فصل واحد في مدرسة الحضانة، وفى مرحلة الدراسة الابتدائية والإعدادية والثانوية، وتفرقنا في مرحلة الدراسة الجامعية. غير أننا كثيرا ما كنا نلتقي في مناسبات نجدد بها صداقتنا. في بداية سبعينات القرن الماضي كانت الصيحة والشعار في مصر هي العلم والإيمان كما لو كان الأمران منفصلين، هكذا عمل كل منا على أن يكون عالما ومؤمنا بنفس القدر، غير أن بعضنا انهمك في تحصيل العلم فضاقت به البلاد عند درجة معينة وجد فيها أن مراكز الأبحاث التي يعمل بها لم تعد تلبي احتياجاته لذلك غادر البلاد. أما الباقون فعدد كبير منهم اكتفى بما حصله من علم وسار في طريق الإيمان بغير أن يمنعه ذلك من الحصول على نصيبه من الدنيا الذي توفره لك الحكومة عندما تعمل فيها في منصب رفيع أو حتى في منصب متواضع.
غير أنني مع مرور الأيام بدأت أكتشف أنني مختلف عنهم، وهذا أمر طبيعي، أما الشيء غير الطبيعي فهو أنني بدأت أشعر بالضيق عند حديثي معهم؛ لقد اختلفت مفرداتهم وطريقتهم في التفكير عني تماما، بل وصل بي الأمر إلى أن أرى أن سلوكهم أصبح بعيدا عن الإيمان كما أعرفه أنا، ومع ذلك كانت بيننا مودة خالصة تربط بيننا عندما كنا نتقابل بالصدفة. في تلك اللقاءات السريعة كان من السهل عليّ أن أدرك أن عددا غير قليل منهم بدأ يدخل دائرة التطرف.
أحدهم الذي عرف فيما بعد باسم أبو فوزية المصري، ثم غيره إلى أبو سعدية الكنعاني، سهرت معه ليلة كاملة أحاول فيها إثناءه عن السفر إلى أفغانستان لمحاربة الكفار غير أنني فشلت في ذلك. ولكن في تلك الليلة أدركت أنه يريد أن يموت، لقد تخلى عمدا عن نصيبه من الدنيا وامتلأ بالكراهية لمظاهر الحياة من حوله فتحولت حياته ذاتها إلى عبء ثقيل لا يمكن التخفف منه إلا بفقدان الحياة ذاتها. ببساطة اكتشف أن راحته الوحيدة هي في الموت، ولسوء حظه فشل في أن يموت في أفغانستان فسافر إلى لندن وحصل على اللجوء السياسي. بعد ذلك تفرغ لتحريض المسلمين هناك ضد إنجلترا وضد الشعب الإنجليزي الذي استضافه. المسكين كان يشعر بعقدة ذنب قوية تدفعه للبحث في إصرار عمن يعاقبه، وأخيرا استجابت إنجلترا لرغبته وأودعته السجن بتهمة لا أذكرها. تألمت بشدة عندما عرفت بالخبر فقد كان في شبابه من عشاق الموسيقى وكثيرون تنبأوا له بمستقبل عريض في عالم النغم والألحان، غير أنه فجأة بعد جلسة طويلة مع داعية تلفزيوني شهير أعلن أن الموسيقى حرام وحطم قيثارته كما مزق كل النوت الموسيقية ثم طلق زوجته بعد أن اكتشف أنها تسمع سرا عبد الحليم حافظ من جهاز كاسيت صغير خبأته تحت المخدة في غرفة النوم، كانت ليلة سوداء مروعة، فقد تحركت المسكينة برأسها وهى نائمة فانفتح جهاز التسجيل على صوت عبد الحليم حافظ.. نار.. حبك نار.. فاستيقظ صارخا: نار..؟ عاوزة تقولي إني راجل بارد..؟.. روحي وانتِ طالق.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع