نبيل المقدس
بعد كل منتصف ليل أحب اسمع بعض الترانيم الجميلة كنوع من التجديد الروحي اثناء استرخاء جسدي بعد عناء عمل اليوم , وكنت اسمع في هذا الوقت ترنيمة : أقدر اقول له يا بويا .... أقدر أقول له حبيبي ... أقدر اقول له إلهي وأبويا وحبيبي.... " بعد إنتهاء الترنيمة رجع بذاكرتي إلي شبابى حيث كنت أغوي قراءة القصص المترجمة .. وكان ما يزال قرار الترنيمة " أقدر اقول أبويا " عالقة في وجداني ... فقد كانت ترن في أذني .. مع أنني حولت إلي ترنيمة أخري و فجأة أجد نفسى اقول : انا سمعت الكلمة دي فين قبل كده ؟؟ واخيرا وبعد عذاب في التفكير تذكرت أنني قرأتها في قصة من القصص التى قرأتها منذ 50 سنة .. حتي انني تذكرت جلدة كتاب هذه القصة وهو كتاب يحوي مجموعة من القصص التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية ... أخذت ارتب احداث القصة التي قرأتها منذ زمن ووجدتها مناسبة جدا لليلة رأس السنة الميلادية . تقول القصة :
رآها ولأول مرة في حجرة الإنتظار الخاصة لعيادة دكتور الأسنان . تكررت اللقاءات دائما حيث كانت مواعيدهم تقريبا متطابقة . وبعد ما انتهوا تقريبا العلاج بدءا يتقابلان في الكازينو إلي ان تولدت في قلوبهما شعور غريب لكن مملوء نشوة لأول مرة لكل واحد منهما ... حتي تيقنا تماما انه الحب الأبدي والذي يليه الزواج فورا . فاتحها في امر الزواج وكم كانت فرحتها .. وخصوصا فقد علمت أنه من أسرة اصلا تعمل في الجيش أبا عن جد .. وهذا بالنسبة لها شرف كبير .. اما هو فقد كان يعمل في الأبحاث العلمية تبع احد الجامعات الموجودة في مقاطعتهما .. وهي تعمل مدرسة في نفس المنطقة.
تم الزواج وبعد سنتين تقريبا أعطاهم الله مولودا جميلا .. وكان يملأ عليهما الحياة فرح وسرور , وكان دائما يتعامل مع ابنه كمعاملة جنرال لجندي .. كنوع من الضحك واللهو والتسلية ... وفي لحظة قامت الحرب العالمية الثانية , وتم طلب هذا الأب ليسلم نفسه فورا لمنطقته العسكرية ... جهز نفسه وطمأن زوجته وحضنهما علي رصيف القطار , وأخذ بعضه وتركهما وهو ينظر ورائه لكي يتمتع بهما حتي وجد نفسه لزاما أن يدخل عربة القطارمع زملائه الجنود .. وتحرك القطار إلي المجهول .
كان دائما علي اتصال بزوجته ... وفي إحدي المرات قال لها انتظريني بعد يومين .. فقد أعطوني يومين اجازة .. لكي احتفل معكما بليلة رأس السنة الجديدة .. سوف آتي لكي يا حبيبتي وسوف اقضي معكما حوالي 16 ساعة حول شجرة الميلاد ... وفعلا وفي اليوم الموعود ركب القطار وعند ركوبه القطار سمع أن المنطقة التي يعيش فيها قد تم تدميرها بطائرات الحلف .. أخذ يعد الساعات والدقائق .. ولم يدخل القطار مدينته لأن المحطة تم تدميرها .. فإضطر أن ينزل من القطار ووصل جريا إلي مكان منزله فوجده ما إلا أطلال , ومجموعات من أشجار الميلاد ... أخذ يسأل مَن تبقي من ناس المقاطعة عن زوجته وإبنه ... فكان الرد أن الجيش أخذوا الجثامين ودفنوها في مقابر متفرقة بدون أخذ اي بيانات عن أسمائهم . فأدرك أنه فقد زوجته وإبنه ... وقبل أن يترك المكان لمح جزء من شجرة الميلاد تعرف عليها أنها تخصهم من وجود كارت عليها مكتوب فيه .. كل سنة وانت طيب يا حبيبي جيمس .. الإمضاء زوجتك ماري وابنك تومي.
ترك المكان بعد ما إحتفظ بالكارت , ورجع إلي معسكره وأكمل مدته بإنتهاء الحرب .. وفي طريقه إلي العودة وجد خارج مدينته مقبرة تحيطها جنينة جميلة وأماكن لجلوس أقارب الذين رحلوا عن عالمنا .. فعودت نفسي أن آتي إلي هذا المكان كل ليلة رأس سنة وأخترت مقعد ايا كان هذاالمقعد قريبا او بعيدا عنها .. فكلاهما سيان .. لكن عندي إحساس أنها موجودة في هذا المكان .. فكل مرة زيارة لها أشتم رائحة العطور التي كانت تستخدمها في حياتها .. حتي وصل بي الحال والوهم أنني بدأت أشم روائح الكريمات والمراهم التي كانت تأتي بها لإبننا " جيمس " .
بعد حوالي 7 سنوات من الزيارات السنوية لها في اليوم الأخير من السنة .. كنت ألمح بعض الصبية يلعبون ويبتهجون من داخل سور الملجأ الذي يبتعد حوالي كيلو متر من مكان المقابر .. فتعودت أن اقف لمدة خمس دقائق أمام الباب لكي أعيد صورة ابني " جيمس " فهو تقريبا يقترب من سنهم . لكن لفت نظري صبي كان يجلس علي كرسي يقرأ ولا يلتفت إلي أحد .. لكن لا حظت عليه أنه هو المسئول عنهم .. ولاحظت أن إحدي المشرفات تأتي إليه وتشاور له لكي تتحادث معه ثم يلقي أوامره بلطف وبهدوء إلي اصدقائه للقيام بالعمل الذي هو أكيد تعليمات المشرفة له ليقوم هو بتوجيه باقي الصبيان بعمله .
كنت أري هذا الصبي كل سنة مرة وهو يكبر ويشب .. وما أبهرني انه يتعامل معهم بجدية مع الحنية والحب .. فقال أكيد هذا الصبي هو إبن المشرفة . لم أتجرأ طيلة السنوات السابقة أن اتحادث مع أحد فيهم .. لكن قلت لنفسي , سوف أدخل هذا الملجأ لكي اتقابل مع المسئولين لكي أعطي لهم مبلغ كمساعدة . وهذا أقل واجب كان المفروض أن أقوم به نحو هذا المجهود الذي تبذله هذه الجمعية الخيرية والتي عرفت من اليافطة المكتوب عليها أنها تتبع دير يُعرف بإسم دير الراهبات من أجل يسوع .
وعند نهاية السنة ذهبت كالعادة لكي ازور ما توهمت به منذ حوالي 15 سنة أن زوجتي " سالي " موجودة في هذه المدافن . وكنت اتمتع كثيرا بجلوسي هناك اليوم كله .. أخرج من جيبي الكارت الذي وجدته تحت شجرة الميلاد .. وبعد الإنتهاء من مراسيم الزيارة التي كونتها بنفسي بالتدريج بحكم عدد السنين التي كنت اقوم بها لزيارتها كل آخر يوم من السنة .. عليّ أن أنفذ ما وعدت به الرب أن أمر علي الملجأ لكي أقدم لهم مبلغا من المال كمساعدة لمواصلة رسالتهم . وعند دخولي البوابة .. وجدت الصبية يلعبون لكنني لم أجد هذا الصبي الذي كان يبهرني .. تقابلت مع المشرفة وقدمت نفسي لها وأثناء الحديث معها سألتها عن الصبي الذي كان دائما يقف مع زملائه كقائد لهم وموجه لهم .. ضحكت الراهبة التي كانت ملازمة المشرفة .. وقالت لي قصدك " جاك " .. قلت لها انا لا أعرف إسمه .. ردت عليّ أنه كان صبي ممتاز جدا .. وهو مجتهد جدا في مدرسته .. حتي إلتحق بكلية الطب في نفس المقاطعة .. وبيعمل في أحد محلات السوبر ماركت لكى يستطيع أن يكمل تعليمه . قدم لها التقدمة وخرج وقبل أن يهم بركوب سيارته .. إكتشف أنه نسي كارت ليلة الميلاد علي المقعد الذي كان يجلس عليه في المدافن . فرجع إلي المكان ,وعندما إلتفت ورائه إذ يجد الشاب الذي أحبه يقف أمامه ... أخذه بالأحضان .. وجلس
بجانبه يتحادثان وفجأة لمح الأب جيمس ان هناك سلسلة تحمل ايقونة أخرجها الإبن من جيبه لكي يخرج ورقة وقلم لتسجيل نمرة تليفون وعنوان هذا الرجل الذي عرض عليه ان يتصل به لو كان في ضيق اوفي شدة . وبلهفة وبفرحة خطف الرجل هذه السلسلة التي عليها صورة والدته في برواز من الذهب ايضا . قال له الأب .. أرجوك يا إبني كيف حصلت علي هذه السلسلة .. قال الشاب عند خروجي من الملجأ أعطتني المشرفة هذه وقالت لي انه الشيء الوحيد الذي اتيت به إلي هنا مع بقية من وجدوهم بعد الهجوم علي البلدة , وعلينا ان نرجعها لك فهي عهدة عندنا تستلمها بعد ما تصل إلي السن القانوني وتترك المكان.
إحتضن الأب ابنه وأخذ في البكاء والشاب لم يفهم شيئا ... وبعد ما هدأ الرجل قال للشاب : هذه صورة والدتك وانا زوجها فقد فقدتكما في الحرب .. تعجب الشاب وقال له تتصور يا أستاذ كنت حاسس ان هناك شيء تربطني بك منذ 10 سنوات .. قال له الأب جيمس هذه حقيقة الآن .. أخيرا وجدت إبني .. لم يصدق الشاب نفسه لكن وجد نفسه فجأة يلقي بجسده في أحضان والده وقال له :أخيرا وجدت الرجل الذي أقدر اقول : له يا أبويا ... اقدر اقول له : حبيبيى .
وخرجا سويا وهما يرنمان سويا ويكملان معا .. ونقدر نقول له إنت إلهي وابويا وحبيبي .... آمين .
كل سنة وانتم طيبين وبحلول سنة جديدة كلها بركات وسلام ونعمة وحرية ومحبة ....... !!