من يريد السلطة ومن يبتغى الحكم ومن يسعى للشرعية لا طريق أمامه سوى السياسة، والسياسة لها باب واحد للدخول هو الجماهير صاحبة السلطة والمالك الوحيد للسيادة، والوصول إلى الجماهير سبيله الإقناع الحر والحوار المفتوح والرأى والرأى الآخر بعيدا عن أى وصاية دينية أو سياسية أو اقتصادية أو قبلية، والاستحواذ على صوت الجماهير عن طريق فرض تلك الوصايات باسم الصندوق، فهذا هو التزوير بعينه حتى ولو كان بطريق غير مباشر، فلماذا اختارت الجماهير مرسى بأغلبية بسيطة ثم انقلبت عليه بأكثرية مرعبة بعد سنة واحدة؟
هذا الانقلاب الجماهيرى لم يكن بسبب فشل مرسى وجماعته، ولا كم الغرور الذى أصابهم ولا عملية سرقة الوطن الذى لا يؤمنون به غير ممر وبوابة للوصول إلى أستاذية العالم، ولا عملية الأخونة التى أرادوا بها احتواء مصر التاريخ فى صفوف تنظيمهم الضيق، ولا المتاجرة بحدود الوطن التى تدخل فى إطار المقدس لدى من يعرف معنى الانتماء للوطن، ولا بتناقض الأقوال مع الأفعال، حيث ثبت أن إسرائيل هى الصديق وليست حفدة الخنازير، وأن أمريكا هى الراعى والحامى الذى أوصلهم للسلطة وليست الشيطان الأكبر كما كانوا يزعمون، ولكن من أهم أسباب رفض الشعب كان هو اكتشاف تلك الوصايا التى لعبوا بها بعواطف الجماهير باسم الدين، استغلالا لحالة التدين الطبيعية والتاريخية لدى المصريين،
وإذا كانت الجماهير عبرت عن اختيارها لمرسى من خلال شكل ديمقراطى وهو الصندوق، فنفس الجماهير هى التى رفضت مرسى وعن طريق الديمقراطية المباشرة والتى هى الشكل الأول والأصلى للديمقراطية، وهذا شىء يعرفه من يعرف الديمقراطية المباشرة ويؤمن بها، لا من يتشدق بها ويعتبرها كفراً، ومع ذلك فالطريق كان ومازال مفتوحا أمام كل المصريين للمشاركة فى العملية السياسية، المصريون المؤمنون بمصر وطنًا لكل المصريين والمنتمون للوطن الحافظين لهويته التاريخية التى من أهم مكوناتها الحقبة الإسلامية، والمشاركة السياسية لا علاقة لها بالإرهاب، فالسياسة حوار والإرهاب عنف، والسياسة إقناع والإرهاب فرض، السياسة قبول والإرهاب قسر، ومن يتصور أن يأتى أو يفرض نفسه أو يطلب حكما بالعنف والفرض والقسر والتخويف فهو واهم وخاسر مهما طال الزمن، وإذا كان من حق الجماعة استرداد ما يسمى بالشرعية، كما يقولون، فهل هذا الاسترداد يتم بالطرق السياسية المشروعة والقانونية فى إطار منافسة سياسية أم بطريق العنف والترهيب والتخويف؟
وإذا كانت الجماعة تعترض على وصفها بالإرهاب نظراً لاعتراف تنظيم إرهابى محدد بالقيام بعملية المنصورة، فهل ما تقوم به من مظاهرات تحت اسم السلمية يدخل فى إطار السلمية؟ وهل مظاهرات 14 و 2013/8/16، كانت سلمية؟ وهل التكسير والتخريب والحرق والاعتداء المصاحب للمظاهرات سلمية؟ وما علاقة مظاهرات طلاب الإخوان التى تخرب الجامعات وتعتدى على الأساتذة وتحرق الكليات وتكسر المعامل وتوقف الدراسة وتسقط كل قيم التعليم والعلاقات التعليمية بأى سلمية؟ وإذا لم تكن تلك الممارسات نوعا من أنواع الترهيب وفرض الرأى فبماذا نسميها؟ ألا توجد علاقة بين هذه الممارسات التخريبية وتلك التهديدات التى أطلقت فى رابعة؟ وإذا كانت الجماعة تعتبر أن النظام الحالى هو العدو الأول الذى أسقط نظامهم، فهم أحرار فى تصورهم، ولكن عليهم أن يفرقوا، وهذا هو المهم، بين هذه السلطة من جانب وبين الشعب المصرى الذى يتصورون أنهم بهذه الأعمال فى طريقهم إلى كسبه فى جانبهم، وهذا لن يحدث، وسلامة الوطن واستقراره وأمنه وأمانه، هو المهم والأهم لكل المصريين،
وإذا لم تكن سلامة الوطن تعنيكم فأى سلطة تريدون؟ أى شرعية تسعون إليها؟ وأى شعب تحكمون؟ مصر محمية بأمر الله ولن يحكمها غير المصريين بعيدا عن المتاجرة بالدين.
نقلا عن اليوم السابع