بقلم   د. رفعت السعيد

عرف المسلمون دوماً ما يسمى «التأويل»، ولعل نموذج اللجوء إليه فى العصر الحديث جاء على لسان الشيخ جمال الدين الأفغانى عندما قال «إن الدين يترفع عن مخالفة العلم والعقل، فإن وقعت مخالفة بين النص والعلم وجب تأويل النص» فمستحدثات العلم والعقل متجددة على الدوام. وهناك الحديث الذى رواه أبوهريرة «إن الله يبعث على رأس كل مائة من السنين لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها»، وقد لجأ المفتى الإخوانى كثيراً إلى «التأويل»، ولكن ليفسر النص القرآنى تفسيراً معاكساً تماماً لمقصود النص، مؤكداً بذلك إصرارهم على تمزيق المجتمع، وفرض رؤيتهم المتأسلمة للأقباط عليه.
 
ونقرأ سؤالا من الأخ (م.ع.س) من طنطا عن معنى قوله تعالى «لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون». لكن الشيخ الإخوانى وجماعته لا يقبلون بالمودة مع النصارى رغم وضوح النص، وعدم حاجته لتأويل، ويرفضون بالطبع امتداح القسيسين والرهبان، ووصفهم بأنهم لا يستكبرون فقام الشيخ بإفتاء معاكس تماماً يعكس سوء نية الإخوان، وتأسلمهم وعداءهم المجنون للمسيحيين فقال «إن النص القرآنى لا يعنى أنه يشمل كل من قالوا إنا نصارى بل الحكم فيه على فريق خاص محدد الملامح والسمات، هذا الصنف استجاب لله فعلاً وآمن بالإسلام، واعتنق هذا الدين»، ثم يقول "فهذه الآية نزلت فى أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى عليه السلام فلما بعث الله رسوله محمداً آمنوا به فأثنى الله عليهم، ثم يصرخ الشيخ الإخوانى فى وجوهنا جميعاً"، ويقول «هذا هو الحق، أما تحريف الكلم عن مواضعه ليتميع هذا الحق فهو مرفوض ومنكر تجب إزالته» [الدعوة – العدد ٣٥ – أبريل ١٩٧٩]، وهذا التفسير البشع يعكس حقداً يتحول بصاحبه إلى الرفض لحقيقة النص. فإذا كان هؤلاء قد أسلموا فلماذا يسمون بالنصارى ولماذا يكون منهم قسيسون ورهبان؟ خلاصة الأمر أن الشيخ الإخوانى يقول للمسيحيين إذا أردتم مودة اتركوا دينكم.
 
وفى عدد آخر من مجلة الدعوة يعود الشيخ محمد عبدالله الخطيب، مفتى الإخوان، ليقول "فى عام ١٩٣٦ طلب النصارى بناء كاتدرائية لهم فرفض عديد من الشيوخ، وأفتوا أن أرض مصر إسلامية، ولا يجوز بناء هذه «الأشياء» عليها، وبعد أخذ ورد عرض الإنجليز حلاً للمشكلة، وهو أن يبنى مسجد فى لندن مقابل الكنيسة، التى تقام فى القاهرة، وقدمت الحكومة البريطانية أرضاً مساحتها تزيد على فدانين لبناء المسجد، هذا موقف الشيوخ فى عام ١٩٣٦ أما الآن فإن الكنائس تزرع فى أى مكان بلا أى سبب أو مبرر سوى التعصب الأعمى المذموم، والشيوخ يفضلون السكوت عليها، لأنه من ذهب، بل إن بعضهم يتطوع لوضع حجر الأساس لها، وما أبعد الفارق بين الأمس واليوم". [الدعوة – العدد ٥٨ – فبراير ١٩٨١]، ونتأمل هذه الرواية الكاذبة تماماً، ونتساءل لأى هدف كتب المفتى الإخوانى هذه الحكاية الكاذبة فى زمن كانت فيه مصر ملتهبة بالتطرف الأحمق ضد الكنائس، وكانت تداعيات أحداث الزاوية الحمراء، وكان الإرهاب الوحشى، الذى راح السادات ضحية له بعد أشهر من هذه الفتوى؟ ودعونى أختتم هذه الكتابة بعبارة «وأنا خصمه يوم القيامة»، والحقيقة أن خصومة الإسلام مع جماعة الإخوان متعددة الأسباب، بل إن مبدأ التأسلم الإخوانى يضعها فى خصومة حقيقية مع صحيح الإسلام، ومع صحيح الوطنية، ومع صحيح العقل.